من جديد فزّاعة هيئة مكافحة الفساد

بقلم: محمد أبو مهادي

يسجّل للنائب محمد دحلان أنه أول مسؤول فلسطيني يعلن بصراحة ووضوح جاهزيته للمثول أمام جهة محاسبة وطنية فلسطينية بعيدة عن تدخل الرئيس عباس، وقد أغلق دحلان الجدل بشأن هذا الأمر بوضع القضية برمتها تحت تصرف المجلس التشريعي الفلسطيني والفصائل الفلسطينية لتقرر إذا ما كانت راغبة في تبني هذا الملف بالكامل بما فيه "قضية صندوق الإستثمار" وفحص ممتلكات عائلة الرئيس ومصادرها التي لا يعلم عنها أحد من أبناء الشعب الفلسطيني ولم تقدم بها حتى الآن بيانات تقدر حجمها ومصادرها حسب ما تقتضيه قواعد النزاهة والشفافية في أي نظام سياسي يحترم نفسه ويحترم الشعب الذي يحكمه.

تصريحات رئيس هيئة مكافحة الفساد قبل أيام بحق النائب محمد دحلان فتحت المجال مجدداً للسؤال حول دور هذه الهيئة في الحياة السياسية الفلسطينية ومكانتها القانونية ومجال عملها واختصاصها، بعد أن قام فيه الرئيس عباس بتعطيل عمل المجلس التشريعي الفلسطيني ورفض الإستجابة لمطالب العديد من الكتل البرلمانية بضرورة عقد جلسات المجلس التشريعي ليقوم بدوره الذي إنتخب من أجله.

يعلم أبناء الشعب الفلسطيني وكل المهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني أن الصراع بين الرئيس عباس والنائب محمد دحلان لا علاقة له بموضوع الفساد ولا حتى بخلافات شخصية أو سياسية مع شخص الرئيس وعائلته، وإن كانت هذه الخلافات موجودة عندما أثار دحلان تساؤلاته حول مصير أموال حركة فتح بعد إستشهاد الرئيس ياسر عرفات، وعندما أعلن موقف حركة فتح الرافض لتأجيل عرض تقرير "جولدستون" على مجلس الأمن خلافاً لموقف الرئيس عباس، بل هو أعمق من ذلك بكثير ومرتبط أكثر بتحفز النائب محمد دحلان لزعامة النظام السياسي الفلسطيني لسد الفراغ القيادي الذي نتج عن غياب الرئيس ياسر عرفات.

الخلافات والمنافسة السياسية التي تصل أحياناً إلى حد الصراع، هي أمر وارد ومشروع في كل النظم السياسية العالمية، ومكفولة بالقوانين والتشريعات في كل بلد طالما أنها لا تشكل خطراً على المجتمع والسلم الأهلي وتدار بشكل أخلاقي ومحاججة سياسية يفصل فيها الشعب في مراكز الإقتراع.

محمود عباس بعد سلسلة الإخفاقات السياسية والإقتصادية منذ توليه رئاسة السلطة حتى الآن، تمكنت منه حالة هستيرية سيطرت على مجمل سلوكه في إدارة السلطة وأجهزتها، فهو يرى في كل معارض له سواء من داخل فتح أو خارجها كابوس ينبغي التخلص منه لضمان أطول فترة حكم ممكنة يحافظ فيها على إمتيازات هذا المنصب وتساعده على مراكمة ثروة العائلة التي تحتاج إلى تحقيق وطني.

العبث في المؤسسة القضائية بعد تعطيل المجلس التشريعي، وإستدعاء بلطجة أجهزة الأمن حين الطلب- كما جرى قبل أيام "حصار المجلس التشريعي" وحل نقابة الوظيفة العمومية وإعتقال نقابيين، وقبل ذلك إطلاق النار على نواب من المجلس التشريعي وقيادات من فتح، هي السمة العامة التي بات يلجأ إليها الرئيس عباس في معالجة أي خلاف معه مهما كان نوع هذا الخلاف ومن أي جهة كانت.

الحالة الفلسطينية منذ تولي الرئيس عباس للحكم تعيش أسوأ مراحلها، وقد تبدلت أولويات العمل السياسي الفلسطيني من مواجهة الإحتلال إلى إشغلات داخلية تستعر لتخفي عجزاً وتخلفاً شديدين يؤهلان الشعب الفلسطيني لهزيمة جديدة ومؤكدة تساعد الإحتلال في تحقيق ما يصبوا إليه.

نهج الرئيس عباس وعصابات المال السياسي المحيطة به خطير جداّ ويلحق الأذي المعنوي والسياسي بالفلسطينيين الذين يخوضون معركة مستمرة للدفاع عن القدس وضد التهويد والإستيطان والجدار، ويحرف الأنظار عن كارثة غزة التي تنتظر قيادة وطنية مخلصة لإنتشالها من دمار الحرب وآثاره التي أصابت كل بيت فلسطيني، ويراد منه تعطيل إحتمالات إندلاع مواجهة فلسطينية شاملة ضد الإحتلال ومستوطنيه، هذا النهج يجب أن يغادر إلى الأبد وبدون خجل أو حسابات شخصية أو حزبية لما يمثله من أساءة لكل فلسطيني ويتعارض مع أخلاقيات العمل الوطني التي أصيبت بالعطب جراء ممارسات الرئيس عباس.

حركات التحرر الوطني ليست مشاريع إستثمارية، ولا تستدعي كمقصلة لوأد محاولات التمرد على الكارثة والعجز، ومن يعتقد ذلك لا يستفيد من تجارب الشعوب ويغفل الحالة العربية والعالمية التي أطاحت بأشد الديكتاتوريات فتكاً وعنفاً، نيكولاي شاوشيسكو "القائد المعبود" أطاح به رفاق حزبه لم تنقذه أجهزة القمع.