الانتفاضة الاولى من هنا تبدأ الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد

بقلم: عباس الجمعة

جيل كامل من الشباب الفلسطيني الذي قاد انتفاضة الحجارة، وأشعل نارها لتحرق الاحتلال، جيل حمل مشاعل النضال ، ليخرج منه ذلك الجيل من المناضلين ، حيث تشكلت صورة انتصار المناضل الفلسطيني على القيد والقهر والحرمان، جيل رسم حلم كل المحرومين بلون ورائحة الوطن، ليبدأ مشوار النضال الآخر في بناء ذاته وإثبات صورة الفلسطيني الذي يعشق الحرية ولا يتخذ الكفاح إلا وسيلة للتحرر والعيش بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس ، هذا الجيل الفلسطيني الذي كان ولازال عنوان العطاء، وهو الذي صمد في وجه الإحتلال الصهيوني في هبة الأقصى (هبة النفق) وانتفاضة الأقصى، حيث وقف بكل شموخ وشجاعة مع أطياف الشعب الفلسطيني برغم كل الألوان والرايات، إلا أن الفلسطينية والإنتماء كان هو الحافز الوحيد لوقفة الرجال، ليقود فعاليات انتفاضة الأقصى ويسجل صفحات من نار ونور، وها هو يستكمل المسيرة رغم كل التحديات والصعوبات .

الانتفاضة الأولى التي حركت الشعب الفلسطيني من أطفال وشباب ورجال ونساء ، كانت انتفاضة شعبية بامتياز نادرا ما عرف التاريخ البشري شبيها لها، كان من الممكن لهذه الانتفاضة الشعبية أن تتطور لكي تصبح عصيانا مدنيا شاملا ومن ثم لثورة شعبية قادرة على تغيير الواقع السياسي في المنطقة.

لقد غزت الانتفاضة لغات العالم وقواميسها وأصبحت تستعمل بلفظها العربي في جميع أرجاء العالم، أصبحت الكلمة السحرية التي تعبر عن صرخة جميع المضطهدين بغض النظر عن انتماءاتهم. ومن ناحية أخرى أصبحت تهمة تدمغها الأنظمة ، لمحو هذه الذكرى الخالدة من الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني .

في الذكرى السابعه والعشرون للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، وبعد تقديم أسمى آيات الوفاء والإخلاص للشهداء حيث كنا نرى أن هذه الانتفاضة ستبقى متصاعدة إلى ثورة شاملة ، ولكن للاسف شكل اتفاق أوسلو العائق الكبير الذي ادى وقف الانتفاضة ، حيث اليوم يعيش الشعب الفلسطيني بواقع مهمش واراضي محدودة على ما لا يزيد عن 18% من أراضي الضفة االفلسطينية وبصلاحيات محدودة ومقيدة وبدون أي سيادة فعلية،وبما أن أوسلو الذي قسم الشعب والأرض والقضية ، حيث لم يقود الاتفاق إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، ورغم اندلاع انتفاضة الاقصى الثانية في أيلول 2000، تلك الانتفاضة التي استباح فيها الارهابي شارون كل الأرض الفلسطينية وداست دباباته اتفاق أوسلو وأزالت المسافات والفروق بين مناطق ( الف وباء وجيم) وحوصر الرئيس الشهيد الرمز ابو عمار في المقاطعة برام الله حتى تمت تصفيته بالسم،وهو االرئيس الذي حرض عليه شارون والمحافظين الجدد في واشنطن بأنه لا يريد السلام وداعم "للإرهاب" أي المقاومة،كما ادعى الارهابي شارون على جبهة التحرير الفلسطينية وامينها العام الشهيد القائد ابو العباس وحاولوا تسطيح الأمور وتشويها بأنه بمغادرة الرئيس الشهيد ابو عمار والقادة الشهداء ابو العباس وابو علي مصطفى والشيخ احمد ياسين سيعم السلام وينتهي الارهاب، ولكن حكومة الاحتلال والتي كل قياداتها بمختلف ألوان طيفها السياسي من يمين ويسار والعازفة على نفس الوتر واللحن لا تريد السلام وتجيد المماطلة والتسويف،وهي تستمر بسياستها القائمة على الاستيطان وترفع لاءاتها لا عودة لحدود الرابع من حزيران والقدس عاصمة أبدية "لإسرائيل" ولا عودة لللاجئين.

وعلى هذه الارضية كانت انتفاضة الحجر واتت بالانتفاضة الثانية ومن ثم المقاومة الشعبية والشعب الفلسطيني ما زال يقاوم الاحتلال الذي يزداد توغلاً وتوحشاً،ويشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافيا فلسطين التاريخية،لم يسلم منها لا شعبنا في فلسطين التاريخية عام 1948 ولا في الضفة الفلسطينية ولا في القدس ولا في قطاع غزة.

وامام كل ذلك لا يمكن، بطبيعة الحال، فهم ما يجري في فلسطين المحتلة، بمعزل عما يجري في المنطقة والظروف الإقليمية والدولية المحيطة، غير أن خصوصية القضية، وانسداد الأفق أمام التسويات والحلول، وما يرافقه من تصعيد متواصل وإجراءات قمع غير مسبوقة من جانب الاحتلال، لم تترك أمام الفلسطينيين من خيار سوى العودة للإمساك بزمام المقاومة والكفاح والانتفاضة الشعبية، لكن هذه الجاهزية الشعبية لا تزال تصطدم بعوائق فلسطينية كثيرة، على رأسها استمرار الانقسام الفلسطيني، ما يحول دون تعزيز الوحدة الوطنيه، وعجز السلطة الفلسطينية عن حسم خياراتها والارتقاء إلى مستوى الحراك الشعبي، عبر المسارعة الى قطع كل صلاتها مع هذا الاحتلال، واستمرار التوجه على الساحة الدولية للمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية دات الصلة، إذ لم يعد مبررا هذا التلكؤ والتباطؤ في الذهاب إلى مجلس الأمن حتى لو وجهت بالفيتو الأمريكي او بضغط بعض الدول الاوروبيه ، وكذلك الانضمام إلى كل المنظمات والمؤسسات الدولية، بما في ذلك التوقيع على معاهدة روما ونيل عضوية محكمة الجنايات الدولية لتجريم الاحتلال ومحاكمة قادته على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها ولا يزالون يرتكبونها بحق الفلسطينيين.

الشعب الفلسطيني الذي خاض الانتفاضات وتصدى للعدوان اليوم ينهض من تحت ركام وأنقاض الدمار الذي خلفه الاحتلال ليعلن عن مولد هبه ثورية جديدة " ثورة الدهس والسكين والحجارة ، ويوجه بصدوره العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، ويتصدى للاحتلال متسلحا بحجارته التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراته على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفا واحدا يتلخص في دحر الاحتلال والاستيطان واستعادة كل فلسطين وعودة الحقوق المشروعه التي سلبها الاحتلال منهم وفي مقدمتها حق العودة ، وها هم شباب وفتيات فلسطين يقدمون أرواحهم قربانا على مذبح الحرية والفداء والدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في مقدمتها المسجد الاقصى.

من هنا تبدأ الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد ، لأنها حلقة من مسلسلٍ طويل حافل بالثورات والانتفاضات التي لقنت الاحتلال درسا في فنون التضحية والفداء ، شعب يخضع للاحتلال من حقه ممارسة كافة أشكال المقاومة والمواجهة ، فالمقاومة الشعبيه بكافة اشكالها خيار لا يمكن ولا يجوز التفريط به طالما بقي الاحتلال جاثما على صدور الشعب الفلبسطيني الذي نال الاعتراف بدولته الفلسطينية المستقلة كعضو مراقب في الامم المتحدة، ومن هنا تصبح المقاومة والمواجهة حق له وهي أنجع وسيلة في دحر الاحتلال كما أثبتت التجربة التي خاضتها المقاومة في لبنان وعلى امتداد العالم ، وهذه المقاومة حق لشعب خاضع للاحتلال كفلتها المواثيق والاعراف الدولية ، وخاصة بعد ان أثبتت المفاوضات على مدار اكثر من عشرون عاما فشلها ، وكذلك كافة المشاريع والمخططات والتسويات السياسية المثيرة للجدل فشلها الذريع في نيل الحرية والاستقلال والعودة ، ولم تقف عند هذا الحد بل عملت على الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته المشروعة .

لهذا نرى ان من حق الشعب الفلسطيني مواصلة هبته الشعبيه وصولا الى انتفاضه ثالثه ليست حالة ظرفية مؤقتة تدفع بها أحداث ومواقف وتزول بزوالها، وإنما هي حالة شعبية دائمة ومستمرة ما كان هناك احتلال، وهي تهدف الى استعادة الحقوق المشروعه للشعب الفسلطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس وحقه في العودة الى دياره وممتلكاته .

أهم ما يميز الهبة الشعبية الفلسطينية الراهنة أنها حملت معها أساليب وابداعات جديدة، بدءاً مما يمكن تسميته ب"حرب السكاكين" وحتى عمليات الطعن والصدم والدهس، التي وجدت قبولا وتشجيعا فلسطينيا عارما ، وهي مرشحة لأن تحمل المزيد من هذه الإبداعات التي أسقطت كل إجراءات الاحتلال القمعية وقوانينه الإرهابية المشددة، ما دفع قادة الاحتلال الى حالة من الارتباك والتخبط ادت الى انهيار حكومة الاحتلال ، نتيجة هذا الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني الصامد في غزة والقدس والضفة الفلسطينيه والأراضي المحتلة عام 1948.

من هنا نقول على الجميع ان يتوحد خلف النهج الثوري حيث يسكن الوطن وتتجلى الثورة في روح شباب فلسطين الذي طالما قال العدو عنهم أنهم الصغار الذين سينسون وها قد كبر هؤلاء الصغار ،وما زالت فلسطين نبضا لا يتوقف بين ثنايا القلوب العامرة بالايمان نهو التحرير والانتصار.

لذلك بات على جميع القوى والفصائل تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني ، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال السياسي والدبلوماسي والتمسك بكافة اشكال المقاومة حتى زوال الاحتلال عن كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعلى هذه الارضية يجب ان نستمد من الانتفاضة الاولى والثانيه عنوان استمرار نضالنا حتى يعود ويدوي الحجر والمقلاع بمواجهة الاحتلال والاستيطان على مرآى ومسمع الرأي العام العالمي الذي يتعاطف مع الفلسطينيين، وها هم ابطال فلسطين اليوم و بمقاومتهم الشعبيه من دهس وطعن وسكين بواجهون الاحتلال والمستوطنين ، حيث تعكس هذه المقاومة تلقائيا لاءات الرفض العلنية التي لا تحتاج إلى منابر لتقول أنه لا تدجين و لا مساومة و لا إستسلام .

ختاما : فلنعمل جميعـا على ابقاء الحلم حيـا في عيون الأجيال القادمة ، في عيون أطفال الحجارة ، كخطوة مهمة على طريق تحرير الارض والانسان وإنجاز الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .