الصداقة كلمة تحمل الكثير من المعاني

بقلم: عباس الجمعة

جميل ان يرى الانسان الوجوه عبر انعكاساتها احيانا يخيل الي ان الجلوس أمام النهر هو حل شجاع لمشاكل الضياع، كلمة لكن معانيها الجميلة تفوق الوصف ، ولا نستطيع الاحاطة بمعانيها البراقة ، ودلالاتها المتلألئة بعدد محدد من الكلمات ، وتعريفها يختلف باختلاف الأشخاص ، وتباين اتجاهاتهم الفكرية ، وتنوع ميولهم العاطفية ، الاختلاف ام التوافق ، وهل يمكن التوافق في كل الأمور ، لأصحاب الشخصيات القوية التي لا تنساق وراء مفاهيم الآخرين وأفكارهم دون اقتناع ، الصداقة كما يعرفها بعض المفكرين ، علاقة جميلة تربط بين شخصين او أكثر يتفقان في معظم وجهات النظر ، ويشتركان في الاهتمامات الفكرية ، وفي الميول والاتجاهات ، وقد يشتركان في نوع المشاعر ، بمعنى الاتفاق في مسالة معينة ، الوقوف معها او ضدها ، ولكن هذا التعريف لا يصمد أمام المناقشة ، فكم من صديقين متحابين متأزرين مع بعضهما البعض وهما مختلفان في التوجهات الفكرية ، وكم من علاقة جميلة لمسناها في حياتنا تربط بين شخص عصبي منفعل يثور لأتفه الأسباب وآخر هاديء عقلاني لا يغضب الا نادرا ، ولا أتكلم عن الاختلافات في مسائل السياسة فانها تفرق دائما بين الأشخاص ، اختلاف بسيط قد يقلب الصداقة التي دامت باعتبارها أغلى من الذهب، وأثمن من الماس، وأسمى ما في الوجود، يسكنها الصفاء والنقاء، دليلها الاخلاص وهي جسر لا يمكن عبوره إلا بالثقة، والصداقة الحقيقيه هي التي تجمع أطياف المجتمع، ورب أخٍ لم تلده أمك، وبالصداقة وحدها تستطيع أن ترى حقائق الناس، فهي تعمل على معرفة وتعرية معادن الناس فتكشف وتظهر ما في خفايا نفوسهم، فمنهم الذهب ومنهم الفضة، الصداقة لا تقبل إلا انسانا وفيا، أما الخبيث فتنفخه كما ينفخ الكير صدأ الحديد، والأصدقاء أنواع، صديق نحتاجه كل الوقت، وصديق نحتاجه بعض الوقت ، وصديق لانحتاجه أبدا، ويجب علينا أن نختار الصديق الذي يستحق أن نضع ثقتنا به، لو خيروني باختيار صديق للاخترت الذهب، لهذا علينان ان نبتعد عن الأمور السياسية في صداقاتنا ، ولنختلف في كل الاشياء الأخرى ان أردنا المحافظة على صداقتنا من التقهقر والضياع ، فما سر الصداقة ، لماذا نجدها تدوم بين أشخاص معينين وتنقطع وشائجها عند أشخاص آخرين ، بعض الناس وهم قلائل تدوم صداقاتهم سنين طوال ، يحافظون عليها مهما اختلفت وجهات النظر ، ومهما احتدت المناقشات الجارية بينهم ، فإنهم سرعان ما يبتسمون ليعودوا الى الصداقة والبعض الآخر من الناس ما ان اختلف في أمور بسيطة مع صديقه الوفي المخلص حتى أدار له ظهره متناسيا المواقف الجميلة والمباديء الرائعة التي جمعت بين الاثنين ، حيث نجد كثيرا من الأصدقاء يتساقطون كما تتساقط أوراق الخريف، ففي وقت الحاجة أو الشدة قد ربما تجد واحداً منهم أو اثنين أو قد ربما لا تجدهم، وكثيرا ما وجدنا صداقات رائعة بين رجل وامرأة يشتغلان في مكان واحد او يدرسان معا ،توحد بينهما الاهتمامات المشتركة ، وتقوي العلاقة بينهما الهوايات ، ويحترم كلاهما خصوصية الاخر، لهذه الكلمة اكثر من معنى ، ولها اكثر من نتيجة ، تشمل اكثر من افق ، تتسع لعالم كامل متكامل .

وعندما نسمع صرخة حجر ، يضع أمام أعيننا حقيقة المعاناة الفلسطينية اليومية، ونرى مشاهد مؤلمة، وعميقة حيث يواجه الشاب والفتاة والرجل والمرأة الاحتلال ويسقط الشهيد والجريح ويعتقل الانسان هذا بكل تأكيد يبرز الحقيقة الفلسطينية وما يجري لشعب يعيش تحت الاحتلال ويقاوم حتى ينتصر .

وفي ظل الظروف التي نعيشها على المستوى الفلسطيني والعربي وامام الهجمة الشرسة التي تتعرض لها منطقتنا ، اتساءل وفي نفسي حزن يشغل تفكيري يقلقني و يؤرق نومي من هو الصديق ، الصادق الوافي لشعبه وامته، ما أجمل ان يشعر الانسان بصداقة وافية وبأمان الزمن

في زمن ينقصه الأمان ، وما اجمل من كلمة الصديق، فهي نهر جاري من العطاء بمشاعره وأحاسيسه بمواقفه الثابتة الصداقة ،الكلمة شعور وموقف، والصداقة وفاء وإخلاص ، ما أجمل أن تشعر بأمانة الصديق وما أبشع أن تشعر بخيانة الصديق ،ومن طعنة صديق برمح مسموم ،ومن غدر صديق ، ومن صديق يبتسم في وجهك ويخفي مخالبه عنك ، ومن صديق يطعنك بطعنات الغدر .

لا شك أن مفهوم الصداقة يختلف باختلاف المجتمعات، حيث إن لكل مجتمع تعريفا خاصا بالصداقة وسمات معينة يتم التعامل من خلالها مع الصديق، إن الاختلاف ليس فقط بين المجتمعات في تحديد معنى الصداقة ومفهومها وعناصرها، وإن اختيار الصديق يخضع لاعتبارات مختلفة من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.

الصداقة كلمة تحمل الكثير من المعاني، وقد يستخدمها البعض وهم لا يعرفون قيمتها العظيمة، لذلك نقول ان الصداقة هي تفاعل ايجابي بامتياز وحوار عقلاني متّزن، وبالتّالي يترفّع الانسان عن الانزلاق في فخ الغرائز والرغبات، لأنّه وضمن هذه العلاقة، لا يخاطب الرجل المرأة كأنثى وإنما كإنسانة، محترما كل قدراتها العقلية والعاطفية، والعكس صحيح، ويتطلب هذا الأمر نضجا عقليا وروحيا، وهذه هي الصداقة لانها زهرة جميلة تستحق ان نعتني بها اكثر من اي شيء آخر لانها كلما اعتنينا بها اكثر اعطتنا الكثير من الاحترام والانبهار.

إن كلا منا مهما كان مستواه الثقافي وموقعه الاجتماعي يجد نفسه مؤهلا للحديث عن الصداقة، وغالبا ما ننطلق في حديثنا عن الصداقة من تجاربنا الخاصة وخبراتنا الذاتية، ونتوصل إلى "نتائج" هي أقرب إلى القناعات الشخصية التي يصعب تعميمها، وكأن كل صداقة هي علاقة فريدة ومتميزة بين شخصين.

ان الصداقة باعتبارها علاقة إنسانية متميزة فلم يتم التعرض لها إلا في مرحلة متأخرة في إطار اهتمام العلوم الإنسانية، لا سيما علم النفس الاجتماعي، بموضوع العلاقات بين الافراد.

إن التقارب المكاني بين الأفراد من شأنه أن يشجع الأفراد على الاتصال وتبادل المعلومات والآراء وبالتالي يشجع على قيام علاقة بينهم قد تتطور إلى علاقة صداقة، وليس غريبا أن تشكل علاقة الصداقة بالصدافة واصبحت اليوم نسبة هامة من أصدقاء كل فرد منا، وأثبتت بعض الدراسات أن صداقة الصدفة تأتي في طليعة لائحة الأصدقاء إذا ما قورنوا بباقي الأصدقاء من الجيران. مما ينشأ عنه لدى هؤلاء الأشخاص شعور بالألفة مما يزيد من احتمال تطور هذه العلاقة إلى مستوى الصداقة.

وهكذا فإن نشوء علاقة مودة بين شخصين أو أكثر غالبا ما يتم في إطار الفضاء الذي يتواجدون فيه والوظيفة التي يشغلونها، فالمهنة التي يمارسها شخص ما توفر له الاتصال بعدد من الأشخاص الذين يمارسون نفس المهنة، ولهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه المهنة.

وعلى سبيل المثال ممكن المؤسسة التعليمية (مدرسة، ثانوية، كلية…) تشكل فضاء يسمح للمدرسين والطلاب بأن يقيموا علاقات فيما بينهم قد تتطور إلى علاقات ودية نتيجة تكرارها وارتباطها بردود فعل إيجابية من جانب أطراف هذه العلاقات إزاء بعضهم البعض بعيدا عن اللجوء إلى الأسلوب السلطوي اللاحواري والذي يؤدي إلى نتائج عكسية حيث تنشأ النزاعات بين الطلاب.

ان الصداقة عن اشحاص من النوع المزيف ليست سوى ملاذ لهم يقيهم من شعورهم بالدونية والقلق، لذا نراهم يتقلبون في صداقاتهم، لكونهم يبحثون عن الأمن الذي يخفي قلقهم وشعورهم

بالذنب، وهو شعور يستيقظ كلما تعرضوا لأي إخفاق أو نقد أو لوم، وإن هاجس الذي يطاردهم يجعلهم شديدي الحساسية والإنفعال مما يعرضهم لردود أفعال عنيفة ولا عقلانية، إذ يكفي أن يوَجه إليهم أي نقد ولو كان بسيطا أو يبدو على عملهم أي نقص أو عدم إتقان لينتابهم شعور بالدونية وبالضياع وعدم الثقة بالنفس وتبخيس الذات بالتالي لم يدرك خطأه وينتقد نفسه ستسحبه تلك الامواج بعيدا عن فكره الذي اقتنع به واتخذه منهجا له في حياته خصوصا و هو يعيش شبه عزله فكريه الا من القليل من الاصدقاء حوله ، لذلك عليه ان يكون اكثر حرصا و دقة في اتخاذ المواقف و تحديد سلوكيته لكي لا تخرج عن المبادئ و الاخلاق.

من النادر جدا أن تلاقي في زمننا هذا صديقا صادق الوعد منصفا، حتى وإن حصل وكان هناك اثنان من الأصدقاء الأوفياء المخلصين، تجد الناس لا تدعهما لحالهما، لا بد أن يعكرا وينكدا عليهما حياتهما فيحيكوا الأكاذيب والدسائس والخدع حتى يحاولا التفريق فيما بينهما، لانهم لا يعلمون ان الصداقة كلمة جميلة وهي الموقف التي تجعلنا نتعرف على الناس واطباعهم وهي أيضاً مشاعر واحاسيس تصنعها المواقف وظروف الحياة المختلفة والمواقف الصعبة هي التي تكشف لنا نوعية معدن الأشخاص الذين نعيش معهم، ففي وقتنا الحاضر لا تقوم صداقة إلا إذا كانت هناك مصالح ومنافع من وراء هذه الصداقة وذلك بسبب أطماع الحياة البشرية والحياة الجافة الخالية من المشاعر والأحاسيس.. وانتشار الإنانية وحب الذات كل ذلك أدى إلى خيانة الأصدقاء لأصدقائهم.

ان الحفاظ على اخلاقنا وسلوكنا الثوري , يتطلب نشر ثقافتنا طرق تلائم المرحلة المظلمة الحالية امام الغول الثقافي السائد حيث اصبحت مفرداتنا لا تستطيع الصمود امام مفرداتهم المعززة بواقع فرضوه على المجتمع واقع لا يمكن لاي انسان ان يستوعبه او ان يتخذه منهجا الا بحالة تخليه عن انسانيته فهم يسرقون ويقتلون و يبيدون شعب لتعزيز مفرداتهم الثقافية تحت يافظات لا تليق بمجتمعاتنا ، فالصديث الحقيقي فكره وقلبه مليئ بالحب والسلام ويسعى لترسيخ ثقافته في المجتمع وامام اصدقائه لمواجهة قوى الظلام , فالخيارات الان قليلة و لكنها موجودة ومنها الحفاظ على نقاء فكرنا وصداقتنا من اي عدوى قد تصيبنا من الفيروسات الموجودة حولنا ومن خلال تعزيز علاقات صادقة مع بعض بعيدا عن التجريح والمصالح لان بتلك المفاهيم التي تمثل مفتاح الحل للبشرية , لنوسع نقاشاتنا و لنبحث عن حلول مجدية لايصال ثقافتنا ونشرها ولنعمل من أجل الصداقة الحقيقية.

لهذا فانني اعتبر الصداقة هي كوكبة جميلة ، وهناك اصدقاء، لن ننساهم أبدا رغم مرور عشرات السنين لان الانسان لن يستطيع مهما بلغ عمره أو وعيه الاستغناء عن الآخرين، سواء من أجل تبادل المصالح المشتركة .

أن للصداقة شروط أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل، بغض النظر عن اتساع مساحة الاختلاف، وخاصة ان مفهوم الصداقة في عصر ثورة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي احدث تبدل كبير على هذا المفهوم التقليدي للصداقة، له إيجابياته وسلبياته كذلك، خاصة على الصداقة بين الجنسين، حدث ما يشبه الثورة الحقيقية في هذا الموضوع، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تعدّ من المجتمعات المغلقة بسبب العادات والتقاليد المتوارثة وازدياد ظاهرة التدين في العقود الأخيرة، التي ترافقت مع انتشار واسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر شعبية اليوم من أي وقت مضى. فبدت هذه الظاهرة كأنها تحاول ضبط ما لا يضبط، ألا وهو الفضول تجاه الآخر، تجاه عالمه وحياته وميوله والرغبة الشديدة في اكتشافه.