الخلافات والنزاعات ليست جديدة بين الفصائل الوطنية الفلسطينية، وهي ليست حكرا عليها، فلقد شهدت ثورات العالم بفصائلها المختلفة، الكثير من الصراعات التي كادت أحيانا أن تودي بتلك الثورات إلى التهلكة والاندثار.
كغيرها من الفصائل الفلسطينية، مرت حركة فتح بحالات من الصراع والشد والجذب بين رموزها وقادتها، وتشكلت فيها تيارات عدة تتبع هذا القائد أو ذاك، ووصل الأمر في بداية الثمانينيات وبعيد الخروج من بيروت، إلى انشقاق كبير فيها كاد أن يودي بالتيار العرفاتي برمته.
ولقد واكبت التباينات والخلافات الحركة، "وتأصلت" فيها، خاصة بعد دخول السلطة الفلسطينية، وتعمقت الولاءات لمجموعة من رموز الحركة، ابتداء من الراحل عرفات وانتهاء بالرئيس محمود عباس.
لا شك ان الخلاف الأكثر بروزا خلال الأعوام الأخيرة، هو ذاك الذي ما زال قائما بين الرئيس عباس وعضو اللجنة المركزية لفتح محمد دحلان، علما بان خلافهما لم يقف عند الحدود التنظيمية والسياسية، وإنما تحول إلى خلاف شخصي حاد، وصل إلى قاعات المحاكم، وهذا ما اثر على الحركة كثيرا، وتسبب في العديد من الأزمات، التي ربما كان بالإمكان إيجاد حلول لها، وتجنيبها الكثير من الخلافات التي أصبحت تشكل عبئا عليها، وتسببت في إرباكات كان يمكن تلافي وقوعها.
الخلافات التي حاول البعض "حماس بشكل خاص" استغلالها واستثمارها، خاصة خلال الفترة الأخيرة، كان بجب التوقف أمامها منذ فترة، من اجل معرفة حسابات الربح والخسارة، كما وتأثيراتها على الحركة برمتها، وما يترتب على ذلك من ضرر بليغ تسببه لها.
حقيقة الأمر، انه لم يعد خافيا على أي كان، ان السيد دحلان يشكل رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، وثقلا لا يمكن التغاضي عنه وخاصة في قطاع غزة، حيث يرى الكثير من المراقبين، ان القطاع شبه محسوم لأتباعه، وانه لن تقوم لفتح قائمة هناك بدون "التيار الدحلاني"، عدا عما لتياره من وجود وازن في الكثير من مناطق الضفة، برغم التهديدات التي صدرت عن الحركة ضد ما بات يعرف "بالتجنح"، في إشارة إلى الموالين لدحلان، وما قد يترتب على ذلك من عقوبات قد تصل حد الفصل من التنظيم.
ما يثير الاستهجان هو ان ثقل محمد دحلان ليس بخاف على أي كان من أبناء فتح، قيادة وأعضاء، وبرغم ذلك تجد من يحاول استعداؤه واستبعاده عن الحركة بحيث تم فصله، برغم معرفة هؤلاء ان هذا سيكسر "ظهر" الحركة وسيضعفها بشكل كبير، وهي التي تعتبر في أَمَسْ الحاجة لتقوية ذاتها وتجاوز خلافاتها.
من الواضح ان الثقل الذي يشكله محمد دحلان تمت قراءته جيدا من قبل القيادة المصرية، وأدركت ما له من مكانة وقوة في قطاع غزة، وعلى ذلك فلقد وطدت علاقاتها به برغم ما لذلك من تأثير على العلاقة مع أبو مازن والسلطة بشكل عام، وهذا ينسحب على دولة مثل الإمارات وبالتالي فان من المنطقي "في ظل الاصطفافات الحالية" ان تكون علاقة دحلان بدولة مثل السعودية والكويت وكذا الأردن، علاقة مميزة وراسخة.
هذه العلاقات التي ينسجها الرجل مع العديد من الدول تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى التأثير على علاقات السلطة وفتح وحتى المنظمة "جميعها يترأسها أبو مازن"،هذا التأثير إن لم يكن سلبيا فهو لن يكون ايجابيا أو بمستوى الطموحات.
من المستغرب انه وبينما نجد ان هنالك من يحاول "شعللة" الخلافات مع دحلان من أبناء وقيادات فتح، نلاحظ ان هنالك من بين حماس من يحاول ان يقيم جسور لعلاقات مع الرجل، والتي كان آخرها "تجريم" سحب الحصانة البرلمانية عن دحلان، هذه الحصانة التي بحسب القانونيين وأعضاء التشريعي لا يجوز المساس بها حتى وان تعلق الأمر بالرئيس.
لا شك انه وبينما تقف فتح على أبواب انعقاد مؤتمرها القادم، هي أحوج ما تكون إلى الوحدة ورص الصفوف خاصة في ظل انسداد الأفق السياسي، وما يجري داخل الحركة سواء قبلنا أم لا، سيكون له تداعيات كثيرة وكبيرة وهامة على مجمل الوضع الفلسطيني الداخلي، ففتح قوية وموحدة أفضل بكثير من فتح ضعيفة مهلهلة منقسمة على ذاتها، وفتح قوية يعني تعضيد كافة القوى الوطنية الفلسطينية.
أخيرا، ليس من مصلحة أحد سوى الاحتلال ان تتشظى فتح وكل الفصائل الفلسطينية، ونعتقد بان على الدائرة الضيقة حول الرئيس ان توضح له ان فتح موحدة أفضل من فتح منقسمة، ولا يجوز ان يقبل الرئيس ان يسجل عليه التاريخ ان فتح أصبحت ضعيفة متشظية خلال فترة ترؤسه لها.
وفي ظل الهجمة الصهيونية على كل شيء "مقدس وغير مقدس" في القدس والضفة، وفي ظل توجه واضح نحو المزيد من العنصرية، فإن فتح التي نعرفْ وهي مُقْدِمَة على مؤتمرها السابع، تعتبر أمانة في أعناق الخلص من أبنائها، ولا يجوز ان تبقى رهينة خلافات يغذيها البعض بسبب حسابات ضيقة وأجندات شخصية أو سواها.
12-12-2014