"هنا دمشق من القاهرة" .. استفاقة إعلامية مصرية هامة و إن أتت متأخرة بعد ما يقارب من أربع سنوات من العدوان على سورية ، لكنها تشير إلى تحول كبير في التعاطي الإعلامي مع "الربيع العربي ".
لقد تناول الصحفي المصري إبراهيم سنجاب بجرأة تثلج الصدور حقيقة ما يجري في سورية من خلال تحقيق تحت عنوان ( هنا دمشق من القاهرة .. الأهرام مع الشعب السوري في قلب المحنة ) نشر في صحيفة الأهرام القاهرية يوم الثلاثاء الماضي 7/12 /2014
جرأة التحقيق أعادتنا إلى العصر الذهبي للخطاب القومي العربي في الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي ، وبدور مصر على مدى التاريخ في بذل كل جهد ممكن لتحقيق التضامن العربي و متطلباته و هو هدف يرتبط بالحفاظ على الأمن القومي العربي ، و في المنطلق منه الأمن القومي لسورية و مصر ، وصولا إلى علاقات متكاملة ووحدة ناجزة ( الجمهورية العربية المتحدة العام 1958 ) تجربة قابلة للمحاولة من جديد.
"الأهرام " التي كانت نبراسا في ترسيخ هذا الخطاب القومي ، تعود اليوم للريادة في تقديمه من ذات البوابة الدمشقية المشرعة دائما للأشقاء العرب و إن حاول بعض رسمياتهم إغلاقها ظلما و عدوانا . و ما حديث نائب وزير الخارجية و المغتربين فيصل المقداد للصحيفة ضمن التحقيق إلا تأكيد على ذلك ، و هو إشارة واضحة لوقوف سورية مع مصر في خوض معركة المصير الواحد .. هذا الموقف الرسمي دعمته آراء الشارع السوري في الحديث مع الزميل إبراهيم سنجاب حيث أجمع الكل على أن ما تتعرض له سورية مؤامرة دولية بأدوات متعددة . و كذلك جاءت إفادات من غرر بهم و قالوا الكلمة الفصل في سياق التحقيق الذي تميز بشفافية و موضوعية قل نظيرهما في ظل الانتكاسة العربية الجديدة المتمثلة ب "الربيع العربي " .
لقد غيب الشعب في مصر قسرا كغيره من الأشقاء العرب على امتداد الجغرافية العربية عن حقيقة ما يجري في سورية و دول "الربيع العربي " نتيجة ابتعاد السواد الأعظم من الإعلام العربي و الأجنبي عن الموضوعية في حربه النفسية لقلب الحقائق عبر إطلاق الأكاذيب و الفبركات الإعلامية خدمة لأجندات سياسية معادية لسورية و للعروبة و العرب و في القلب من المعادلة ، المقاومة العربية لمشاريع التقسيم و الهيمنة. ترافق ذلك مع الكثير من التدليس الإعلامي المغرض الذي يبدو نشاطا استخباراتيا أكثر منه نشاطا إعلاميا ، في مخالفة صريحة و مقصودة لروح مهنة الصحافة وأهدافها السامية ما أوقع المواطن العربي في إشكاليات كبيرة، بعدما مات الضمير المهني والأخلاقي لدى جل المشهد الإعلامي .
قالت"الأهرام" إنها اليوم في سوريا لترى وتسمع وتحكى وتنفرد، برغم ساعات القلق والذعر وأحيانا الخوف من الخطف أو القتل أو الذبح، وهى مشاعر لم تستمر كثيرا مع مظاهر حب كل ما هو مصري و الترحيب بها في كل مكان ذهبت إليه . و نحن نرى أن تحقيقها بداية حسنة لإعادة قطار الإعلام إلى سكته الصحيحة و هو يؤكد حقيقة أن دمشق ليست خائفة لكنها قلقة، تراهن علي عنصر الزمن، وتؤمن بأن جيشها قادر على الحسم، وبأن الأزمة السورية مرتبطة بوضع إقليمي ودولي شديد التعقيد.
أكدت"الأهرام " أن في سوريا اجتمع إرهابيون من كل أطراف الأرض هؤلاء من أوروبا الغربية ولا تجد إجابة محددة إذا سألت: ما الذي يدعو شبابا مرفها يعيش في بلاد تحترم حقوق الإنسان إلى القدوم إلى هنا للقتال لإحياء خلافة إسلامية ؟ ! وآخرون من بلاد عربية وآسيوية خاصة من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق تركوا دراستهم في الجامعات استجابة لفتاوى الضلال وصحبة المختطفين ذهنيا وأصحاب المشروعات الإقليمية والدولية.
"الأهرام"قالتها بصراحة و جرأة ، هناك فارق جوهري بين ما جري في مصر وبين ما يجرى في سوريا حيث أدرك المصريون مبكرا أنهم يواجهون إرهابا يمتطى ظهر مطالب شعبية ربما كانت لها وجاهتها، وكان يمكن دراستها والاستجابة لها ، أما في سوريا فقد صدق البعض ما قيل إنه ثورة وهو مصطلح له جاذبية لدي قطاعات عديدة في أي مجتمع. واجهت سوريا صعوبات كبيرة في بداية الأزمة، وأهمها إقناع المواطنين بأن ما حدث ليس ربيعاً عربياً ، وأنه لا يستهدف تحقيق الديمقراطية ، ولكنه يبغي تدمير الجيوش العربية الكبيرة ،تم تدمير الجيش العراقي، والجيش السوري الآن في مواجهة كبيرة، ويخشي السوريون إنهاك الجيش المصري .
نعلم انه لا يوجد إعلام موضوعي حر مائة بالمائة، حتى في الدول التي تدعي الديموقراطية. ولكن المطلوب قدر أدنى من المهنية والموضوعية في نقل الأحداث وتغطية الأزمات. بالطبع لا نتوقع دوما تغطية كل الجوانب أو عرض جميع وجهات النظر، ولكن نحتاج إلى أن نقف بحزم ضد الإعلام عندما يفبرك الأحداث أو يختلق القصص أو يروج للأكاذيب المفضوحة دون اعتبار لعقل المتلقي أو احترام لذوقه أو تقدير لأمن مستقبله.
جرأة"الأهرام" ينبغي أن تنسحب على بقية المشهد الإعلامي المصري و العربي اليوم و ليس غدا لأن الأمة العربية تمر في مرحلة مصيرية تتطلب مزيدا من اللحمة الوطنية و القومية و نهجا إعلاميا عربيا يقود المعركة جنبا إلى جنب مع شرفاء الأمة ضد الإرهاب و العدوان و محاولات حرف العقول عن فهم حقيقة"الربيع العربي" و قبله الصراع العربي – الصهيوني و محاولات فرض سايكس بيكو جديد بأدوات من المنطقة خدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير و في البداية و النهاية خدمة للمشروع الصهيوني الامبريالي الأمريكي الغربي و الرجعي العربي .
ل "الأهرام" تحية من القلب و الضمير .. ومن دمشق عاصمة الأمويين إلى قاهرة المعز و مصر الكنانة .. و تعالوا إلى إعلام عربي مهني حر مسؤول وعقلاني و مقاوم .