هل يمكن أن نكتشف الدر الكامن بأحشاء البحر.. ونحن لا ندرك الصدفات..؟!!

بقلم: حامد أبوعمرة

كلما تأملت جمال اللغة العربية تذكرت أحد الأبيات التي ما زلت أحفظها عن ظهر قلب وأني قد اقتطفت هذا البيت اليوم من البستان الشاعري الرائع للشاعر الراحل حافظ إبراهيم ، والبيت الذي أذكره بالنسبة عني أعتبره أحد أغصان القصيدة الرائعة عن اللغة العربية التي تنعى حظها للشاعر الراحل حافظ إبراهيم فما أرقى وأعذب من أن تتحدث اللغة العربية بكل مرارة وأسى عن نفسها الكلمى،والتي قال على لسانها شاعر النيل :

أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ . . . فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـي

بعيدا عن شرح البيت من الجانب التربوي أو المنهجي أقول ..وأيُ بحر هي اللغة العربية بل.. هي من أجمل بحار اللغات التي على سطح كرتنا الأرضية ،وروعة تلك اللغة ،هي أن بحرها لا ساحل له ،يعني ذلك أنه ..عندما نبحر بقواربنا الشراعية الفكرية.. كلما تعمقنا أكثر ،كلما كان الصيد أثمن وأوفر.. وعندئذ نكون اقتربنا أكثر من الحقيقة والأمان والبعد عن المهالك والرسو الثقافي للمالك الفكرية والإبداعية .. وهذا أحد الفروق الواسعة بين بحر اللغة.. وبين البحار العادية الحسية التي نعرفها اليوم حيث كلما تعمقنا أكثر كلما كنا أكثر عرضة للخطورة الكارثية ، التي قد تواجهنا في أي لحظة من اللحظات فتودي بحياتنا إلى الموت غرقا .. إما بسبب تعرضنا لأحوال جوية صعبة أو لأعاصير قوية تقتلع شراعنا ،فتلقي بأجسادنا في عمق البحر ،وإما لجنوح مراكبنا عند اصطدامها بالصخور بسبب مصارعتنا للأمواج العاتية ..اللغة العربية بحرٌ تخلو أحشائه من الحيتان ، وأسماك القرش والحيوانات البحرية المفترسة.. وإنما هي بحرٌ تكمن في جوانحه علوم كنزيه.. كالنحو والصرف والبلاغة والعروض والقوافي والإعراب والترادف والتضاد ،وعلوما أخرى يصعب حصرها قامت على أكتاف اللغة العربية وبفضلها ..مشكلتنا اليوم والتي نواجهها حقا هي قلما نجد من يستمتع بجمال ذاك البحر ،أو يجلس على شواطئه فيغترف لو غرفة بيده .. ومن المشاهد التي تشعرنا بالكآبة ، والتي يمكن أن نلحظها في أيامنا المعاصرة ..هي عندما نلوذ بالفرار من البحر ِ إلى البحر لنستجم بطريقة مغايرة وأنتم تعرفون بكل تأكيد أيها القرّاء الأعزاء من هما البحران ،والفرق بينهما ..!! فطالما تلك هي أحوالنا أننا نُسأل الغواص عن صدفات أندريه شينيه ومونتسكيو، وروسو وفولتير، وديدرو، ومدام دي ستال وويليام شكسبير وجان بول سارتر وماثيو آرنولد وغيرهم .. ورغم أني لا أنكر ذلك على الذين يتساءلون،حتى لا أتصف بالدوجماتيك أو التزمت .. ولكني في ذات الوقت أنتقد وبشدة عدم مساءلتنا للغواص عن .. قس بن ساعده وعمرو بن معد يكرب و أبو الطيب المتنبي وامرؤ القيس وابن الرومي والبحتري والجاحظ والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه وغيرهم ..وكيف نكتشف الدرر الكامنة في أحشاء البحر ونحن لا يمكنا أن نميز بين الزمرد والبردي وبين الياقوت والغاب الهندي وبين الألماس والبوص ..هي حقيقة واضحة وضوح الشمس أننا اليوم أصبحنا فاقدين القدرة على التمييز بين نباتات المستنقعات وبين الأحجار الكريمة ..والسبب لأننا منذ نعومة أظافرنا زرعوا فينا أصحاب القرار التربوي ومسئولي التربية .. أن اللغة العربية هي مجرد قواعد ونصوص وإملاءات محضة ..جافة ..مطلسمة تحتاج إلى أمثال شامبليون لفك رموزها..علمونا أن اللغة العربية هي أحد المواد الأساسية والتي ندرسها فقط لكي نجتاز اختباراتنا المدرسية فحسب ..بل هم أنفسهم لم يتذوقوا جمال اللغة فكيف بنا نحن وقد وجدنا ..تلك أحوالهم ..كم تمنيت منذ الصغر العيش وسط بساتين اللغة العربية وبين بحورها عسى عندما استنشق روائحها الزكية.. تتلاشى كل الأتربة والأوساخ التي زكمت أنوفنا وفكرنا اليوم ..كم تمنيت لو زرعوا فينا أن اللغة العربية يكفينا فخرا وعزة أنها لغة القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى

والقائل في كتابه العزيز "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾. [سورة الشعراء]

ويبقى السؤال الذي يُثيرني هو هل يمكنا أن نستوعب بيت الشاعر الراحل حافظ إبراهيم ،ذاك البيت ،والذي هو طليعة مقالي

وعمقه والذي ذكرته بمقدمة المقال ..هل يمكنا يوما أن نُسأل الغواص عن الصدفات ونحن اليوم لا نميز بين الصدفات بفتح الصاد والُصدف بضم الصاد ..؟!!