إن ما يجري اليوم على خشبة المسرح السياسي الفتحاوي في غزة بين الإخوة أبناء البيت الواحد ، من تصعيد ٍ خطير .. وتغيرا نوعيا بمجريات الأمور بصورة بشعة هزلية وجدلية تطورت فصولها المأسوية بسرعة البرق ،من صراع إعلامي أشبه بالحرب الباردة إلى عراكات ساخنة ومستعرة بعوامل حفّاذة .. لايمكن أن نفسر تدخلها إلا لشيءٍ واحد خاصة.. ونحن على أعتاب ِموعدٍ قريبٍ جدا من الاحتفاء باليوبيل الذهبي للحركة..ألا وهو الدعوة الرسمية لتأجيج الصراع ،وخلق حالة فقدان الثقة والاتزان والتخريب المعنوي والتشكيك لدى الجماهير الغفيرة التي أحبت الفتح ..وعشقت رايتها الصفراء ،و التي تشبه إلى حد ٍ كبيرٍ الذهب الأصفر.. تلك الراية الخفاقة ..دائما بديمومتها الخلاقه تهفو بكل حب وبكل وفاء ، وانتماء كسنابل القمح الصفراء عندما تداعبها نسمات هادئة وحانية .. لكن من المؤسف أن ما يحدث من تعكير ٍ للأجواء بكل أسف ليس له هدفا سوى تقزيما كبيرا و متعمدا يضر بشكل ٍ واضح بعملقة الحركة العريضة ..صاحبة التاريخ النضالي والبطولي الطويل والمشرف منذ انطلاقتها في العام 1965 ،وهذا يعيدنا إلى مربع الانشقاق لأول للحركة عندما تم ابتداع تنظيما فلسطينيا جديدا ومنسلخا عن الحركة عرف بفتح الانتفاضة والذي تم تشكيله عام 1983 على يد كل من نائب قائد قوات العاصفة آنذاك أبو صالح والعقيدين أبو موسى و أبو خالد العملة و أبو فاخر عدلي الخطيب..وبالعودة إلى تلك الفترة الظلامية بأيامها السوداء .. أدى ذاك الانشقاق الذي أيدته سوريا إلى نشوب عدة معارك في البقاع وطرابلس ضد الموالين للرئيس الراحل ياسر عرفات.. وكانت هناك عراكات لها أبعادها الخطيرة لست بصدد سردها لأني سأخرج بعيدا عن النص عندئذ كما بلغة أهل الفن المسرحي .. ولكني قد ألمحت هنا في مقالي والذي أكتبه بكل موضوعية ، بالإشارة زجرا لما قد تؤول إليه التطورات التي تشق وتضرب وحدة الصف الفتحاوية ..وإلا ماذا يمكنا تفسير ما جرى اليوم بغزة ..من مشاهد مقززة تشمئز منها النفوس الوفية والوطنية الحقة.. حيث انتشرت ملصقات مسيئة وهجومية على الجدران ، وفي مناطق مختلفة عديدة ذات طابع انتقادي ..تخويني ولاذع بحق الأخ/ الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية .. وأني هنا كذلك لست بصدد تسليط الأضواء على الخلافات الغائرة بين الأخ/ الرئيس أبومازن ،وبين السيد محمد دحلان .. ولا بين أنصار كلا من الفريقين ..ولأني لست قانونيا أو قاضيا أو من أهل الاختصاص القضائي لذلك ..لن أتطرق إلى مدى مشروعية قرار اللجنة المركزية لحركة فتح والتي قررت طرد عضو لجنتها المركزية محمد دحلان من الحركة، وتحويله إلى النائب العام بتهمة "الفساد ..أو القتل " أو غيره..و إنما أردت هنا أن أحذر من العواقب الوخيمة التي قد تضر بالحركة الفتحاوية.. ثم إذا كانت الملصقات التي نُشرت اليوم ،وكما يدعي أصحابها بأنها تتهم الأخ الرئيس محمود عباس بأنّه تسبب بتدمير فتح، من خلال إقصاء القيادات الفتحاوية "الشريفة"، والمحاكمات المسيئة لبعض القيادات، والتنازل عن ثوابت شعبنا الفلسطيني..إذا ماذا يمكنا أن نفسر مثل تلك الأعمال الصبيانية ، والتي يتم فيها نشر الغسيل المتسخ بكل حماقة في مثل هذه الأوقات الحرجة والعصيبة ،وعلى مرأى من الجميع..ثم على ماذا يراهن أولئك القوم .. ألم يعلموا أنه عندما يدب النزاع بين الأب وأبنائه من الطبيعي أن يصطف ذوي العقول الرشيدة بكل عنفوان مع الأب وبلا أدنى تردد ،وتحت كل الظروف.. ببساطة شديدة لأن ثقافة الكثيرين منا ترفض مبدأ سب أو مجرد محاولة إهانة الأب ..أليس هذا السلوك الذي تم اقترافه من قبل المغرر بهم بمثابة أحد الوسائل التي تسعى لتفكيك حركة فتح ،وتصويرها للناس على أنها حركة تعسفية ضبابية وليست حركة تحرر وطني ..لما لا تكون هناك آلية أخرى أو بدائل يمكن التعبير عنها بصورة حضارية ومشرفة عندما يشعر أحدا منا بالجورِ .. أني مقتنع تماما بأنه على البحارة الذين هم على متن سفينة واحدة..عليهم الالتفاف حول ربان السفينة ،وسط الأمواج والأعاصير، لإنقاذ الركاب وتأمين سلامتهم ،و حتى ترسو السفينة لبر الأمان وهذه ليست دعوة يمكن أن يفسرها البعض بالقبول بسياسة الأمر الواقع مهما كان مريرا أو.. الطاعة العمياء أو العبودية والانبطاح وإنما من الحكمة أن تكون تلك هي أحوالنا ،وبعدها ليأخذ كل ذي حق ..حقه إن كانت هناك حقوقا ولكن بطريقة مشروعة متفق عليها لدى الجميع ..ومن يخالف تحت طائلة المسئولية ..ولا داعي لمحاولة الزج ببسطاء القوم الذين لا يميزون بين العدو من الصديق ، لتأجيج حالة الاحتقان وتعمد خرق السفينة من القاع بصورة فردية انعزالية .. مهما كانت الأسباب لأنه حينها سيغرق الجميع ..أيها الشرفاء في حركة فتح الأبية كفاكم عراكا ،وتفتيتا وكفاكم انقساما ..ماذا لو زرعتم نبتة اليقطين هذي الأيام ..عسى أن تظلل ورقتها الكبيرة الناعمة كل تعري فاضح،وعسى أن يغدو اليقطين غذاء يسيرا له خلط صالح لما فيه من زيادة ورزانة العقل والرطوبة .. ألا يكفيكم أنه لو زرعتم اليقطين لا يقربكم أبدا الذباب ، وما أكثر الذباب المنتشر في أيامنا ..أيها الشرفاء في حركة فتح ..ماذا لو عدتم لطاولة الحوار البناء عبر قناة اتصال وحدوية من عقلاء الحركة وهم كثر ..لمحاولة رأب الصدع وتفويت الفرصة على الذين يطبلون ويهللون لنزاعاتكم أولئك الذين هم لسان حالهم "فخار وكسر بعضه"ألا تعلمون بأنهم أول من يشمت بغرق سفينتكم.. لأنهم بذلك ستطفو سفينتهم فوق السطح ..!!