مخطئ من يعتقد أن حالة الصراع التي تشهدها حركة فتح حاليًا بين تيارين محمد دحلان، والرئيس محمود عباس هي حالة مستحدثة أو طارثة على الحركة التي انطلقت منذ عام 1965، بل هي ظاهرة اعتيادية تشهدها حركة فتح منذ انطلاقتها حتى راهن اللحظة، حيث أن كل مرحلة تشهد بروز شخصية أو تيار في فتح يحدث حالة صراعيه في داخلها بدءًا من أبو الزعيم مرورًا بصبري البنا وأبو موسى وليس انتهاًء بمحمد دحلان، وما بين مرحلة ومرحلة، فالصراعات دائرة ومستمرة، وهذا شئ أو ظاهرة طبيعية في حركة طبيعتها نمطية أقرب لمراكز النظام العربي السائد، أي عقلية الحزب السلطوي الأوحد الذي يمتلك مصادر المال، والقرار، فتتوالد بداخله قوى الصراع على النفوذ، والسطوة، والاستحواذ، والهيمنة، كما هناك تداخلات منها الإقليمية، ومنها الدولية كما كان- ولازال- يحدث في أحزاب الأنظمة العربية الرسمية التي لا يمكن لها أن تعيش في استقرار داخلي مهما كانت حازمة، وصارمة، بل بها قوى صراع داخلي عنيف تسعى للهيمنة على مصادر النفوذ، وكذلك على الإتجاه بالسياسات وفق المصالح الشخصية المحضة.
لا يخفى أن الصراع الحالي في فتح ليس وليد لحظة، بل هو منذ عودة السلطة الوطنية إلى الأراضي المحتلة، وما قبل، حيث تم التمهيد لنفوذ الصراع باغتيال بعض الشخصيات المستنفذة في فتح منها المحامي أبو شعبان، والسياسي أسعد الطنطاوي، ومع قدوم السلطة وهيمنة فتح على مؤسساتها استطاع ياسر عرفات، بحنكته وخبرته أن يوزع هذه المصالح، والمطامع في مناطق مؤسساتية معينة، أخمدت وتيرة الصراع لحظيًا، لكنها لم تطفء شذوة البركان، وهو ما تجلى في استغلال حصار ياسر عرفات في رام الله، حيث جرت عدة محاولات للقفز على الحالة منها ما أخمده ياسر عرفات بكاريزما القائد، والتهديد، ومنها ما لم يستطيع إخماده، حيث تم محاولات تقليم قوة عرفات من خلال الاشتباكات بين جهازي الأمن الوقائي بقيادة دحلان، والاستخبارات العسكرية بقيادة موسى عرفات، وكذلك بين الأول وبين جهاز الشرطة المدنية بقيادة غازي الجبالي، ثم التحالف بين محمد دحلان والرئيس الحالي محمود عباس.
هذه الصراعات لم تنته مع استشهاد ياسر عرفات، ولكنها أجلت لأن حركة فتح واجهت ظروف موضوعية في قطاع غزة منها هزيمتها في الانتخابات التشريعية، حتى فوز مرشحها الرئيس محمود عباس ثم لأنه لم يجد منافس قوي من حماس، ورغم ذلك حقق فوز باهت أمام مرشحين لا تاريخ لهم، ولا شعبية. ومع هزيمة فتح العسكرية في غزة، وسيطرتها على الضفة الغربية عادت هذه الصراعات للظهور من جديد بين المتصارعين على النفوذ، حيث شهد صراع دحلان والرجوب وكلاهما مسئول جهاز الأمن الوقائي في شطري الوطن وصراع الرجوب أبو الرب، وصراعات متعددة في الظل لم تظهر بقوة الصراعات الحالية، لأنها صراعات بين أطراف أقل طموح من هذه الصراعات، ومن المتوقع بعد انتهاء هذا الصراع الرأسي بين دحلان-عباس، أن يحدث صراع أعنف مع المنتصر منهم والأسير مروان البرغوثي بما أن الأخير أصبح له شعبية يمكن أن تنافس على قيادة الحركة، والسلطة، وهنا اصطدام مصالح.
هذه هي الحالة الفتحاوية الداخلية التي لا تمثل أي خطر أو تهديد على الحالة الوطنية لأن القضية تعيش هذه الصراعات منذ قرن ونيف، كما أن ما يحدث في حركة فتح هو ترجمة ضوضائية لما يحدث من صراعات صامته في كل الأحزاب والقوى الفلسطينية دون استثناء، فالمشهد الحزبي الفلسطيني يشهد صراع عنيف قوي في تركيبته الداخلية، سواء أحزاب وقوى كبرى أو صغرى، وهي تعبير عن موروث تاريخي تم وراثته من الصراع القديم على مصادر الماء، والرعي لقبائل الجاهلية العربية، وكذلك صراع القوى التي أقرب منها لثقافة العشائرية في العهد الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين وما تلاه من عهود الدول الإسلامية، رغم ما حققته من انتصارات، وتوسعات، وحضارة لكن كل هذه المنجزات كانت تنتهي مع نهاية كل حقبه.
أو فترة لأنها لم تؤسس على ثقافة الديمومة أو الاستمرارية المجتمعية، بل كانت تؤسس وفق العمر الزمني للحاكم وسلامته كتثبيت لنظامه أو حكمه، وتوزيع لمنافذ ومصادر النفوذ للابتعاد عن شخصه، حيث توارثنا هذه الثقافة المغروسة في نمط التربية المجتمعية عامة.
وعليه فإن الحالة الفلسطينية عامة، والفتحاوية خاصة ما هي سوى إمتداد لحالتنا الأزلية، التي تعتمد على المال، والجاه، وثقافة صناعة الأصنام سواء الحزبية عامة، أو الشخصية الفردية.
د. سامي محمد الأخرس
samiakras@ gmail.com
19/12/2014