العدالة لا تسقط بالتقادم

بقلم: أسامه الفرا

بعد ربع قرن من كارثة هيلزبره التي أودت بحياة 96 شخصاً من مشجعي نادي ليفربول الرياضي، جاء تقرير لجنة تقصي الحقائق ليحمل مسؤولية ما حدث بالمقام الأول للشرطة وخدمات الاسعاف، وكانت السلطات يوم الكارثة قد حملت جماهير النادي المسؤولية الكاملة عنها، اضطر رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" للتعبير عن بالغ اسفه لأن الحقيقة ظهرت بعد 23 عاماً من الكارثة، احتفلت جماهير النادي الإنجليزي بتحقيق العدالة بعد ربع قرن من الانتظار.

بعد ستة عقود من اعدام الفتى الأمريكي الأسود جورج ستني، عكف مؤرخ محلي في ولاية كارولينا على البحث في تفاصيل الجريمة، انضم إليه لاحقاً مجموعة من المحامين، حيث تقدموا بإلتماس إلى المحكمة لفتح ملف القضية من جديد، كان الفتى جورج "14 عاماً" قد اتهم بقتل فتاتين أصغر منه سناً، كل ما اقترفه يومها جورج أنه كان آخر من تحدث معهما قبل مصرعهما حين سألتاه عن مكان تواجد زهور الآلام، وكون المتهم من ذوي البشرة السوداء تسابق الجميع في إدانته وتكييف التهمة له، اضطرت عائلته للرحيل تحت وطأة المناخ العنصري الذي كان يسيطر على الولايات الأمريكية، تركت إبنها الصغير يعاني مصيره بمفرده، حيث سارعت المحكمة بإصدار حكمها بإعدام الفتى الصغير، وسارعت السلطات بتنفيذ الحكم بالصعقة الكهربائية دون أن يستوقفها للحظة تمسك الطفل ببرائته من التهمة المنسوبة إليه.

بعد سبعة عقود على تنفيذ حكم الاعدام، عادت المحكمة قبل أيام لتصدر حكمها ببراءة الفتى جورج، وعلقت صحيفة امريكية على حكم البراءة بأنه كان يمكن للطفل الأسود أن يصبح اباً وجداً، ولربما وصل أحد احفاده إلى كرسي البيت البيض كما فعل أوباما، لولا أغمض القضاء عينية وسد أذنيه على ظلمه.

ظهور العدالة المتأخر قد لا يفيد الضحية في شيء، لكنه على الأقل يعيد لذويه حقاً يمنحهم الكثير من الكرامة التي فقدوها بفعل غياب العدالة، والأهم من ذلك أنه يرسخ في المجتمع قيمة سيادة القانون، وأن البعض مهما تغول على القانون لا يمكن له أن يقتل الحقيقة، وأن العدالة لا تسقط بالتقادم.

نحن اكثر من غيرنا نتشدق بمبدأ سيادة القانون، ونتغنى ليلاً ونهاراً بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ونأتي في كل شاردة وواردة على استقلالية القضاء، والحقيقة التي لا يمكن لأي منا أن يخفيها أو يتجاهلها أن المواطن لا يشعر بأي من ذلك، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن واقع السلطة القضائية لدينا لا يختلف كثيراً عن واقع السلطة التشريعية، وما يمكن لنا الجهر به بأن سيادة القانون يجب أن تسبق غيرها من الأولويات، فإن كنا نتحدث عن ثوابت فلسطينية مقدسة لا يمكن التنازل عن أي منها أو التفريط بها، فمن الأولى بنا أيضاً أن نتمسك داخلياً بسيادة القانون على إعتبار أنه من المقدسات التي يجوز التفريط بها، ولا يمكن لنا باي حال من الأحوال تحميل الاحتلال مسؤولية إخفاقنا في ذلك، فإن كان المواطن يبحث عن العيش والكرامة ومن قبلهما أو بعدهما الحرية، فالمؤكد أن العدالة هي من تقوده إلى ذلك وليس سواها، وإن كنا نؤمن بأن عدالة قضيتنا لا تسقط بالتقادم فالعدالة الفردية تتمتع بالشيء ذاته.