بمرور الزمن تنامى الشعور في العالم بشكل عام، ولدى الأمتين العربية والإسلامية بشكل خاص بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن أبداً بالوسيط النزيه، في تعاملها مع الصراع العربي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وكان الفيتو الأمريكي المسلط دائماً عندما تكون قرارات مجلس الأمن لصالح الفلسطينيين، أكبر برهان على الانحياز الأمريكي الأعمى لصالح إسرائيل. فنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 استخدمت الولايات المتحدة حق الاعتراض (الفيتو) 79 مرة ضد مشروعات قرارات قُدمت لمجلس الأمن، 41 منها كانت ضد إدانة ممارسات إسرائيل في المنطقة العربية، من بينها 30 ضد قرارات تخدم القضية الفلسطينية. ومن المتوقع أن يلقى مشروع القرار الفلسطيني - العربي، الذي قُدم إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفق سقف زمني محدد، على أساس حل الدولتين، استناداً إلى حدود عام 1967، نفس مصير القرارات سالفة الذكر.
وكان السؤال الذي يُساورني: ما هي الغاية المرجوة من تقديم الفلسطينيون مشروع قرار لإنهاء الاحتلال إلى مجلس الأمن دون الحصول على ضمانات أمريكية لتمريره عبر مجلس الأمن أو الالتزام به أدبياً؟ ما زال الفلسطينيون ممسكون بطرف الخيط، لعل الأمريكيين يغيروا من مواقفهم في اللحظة الأخيرة، ففي ميدان السياسة لا تثمر العواطف والنوايا الحسنة، ولا حتى قصة العصفور والصياد، عندما أنشد العصفور قائلاً: (لكَ عند اللهِ أجرُ الخيرِ إنْ تُطلقْ أَسيرا)، ولكنها المصلحة هي التي تسوق الدول وتهدي سياستها الخارجية، أم هي خطوة في اتجاه تنفيس عما يجيش في الصدور من شعور فلسطيني داخلي ملتهب.
لقد أُصيب الفلسطينيون بخيبة أمل، في وقوف أمريكا ومجلس الأمن عند الحد الأدنى مما رجوه فيهما؛ إذ لا يليق بشرف الأمم المتحدة، وشرف حكوماتها، أن يكون ذلك المجلس آلة بيد أمريكا تسيره لمصلحة إسرائيل، حتى فقدت كل ما كان لها من النفوذ الأدبي في الشرق الأوسط، وقضت على الخيط الواهي في العلاقات الباقية. هذا الانحياز والتسخير لمجلس الأمن لمصلحة إسرائيل، كان له أسوأ الأثر في اتجاهات السواد الأعظم من الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، وأيضاً حلفاء أمريكا الأوروبيون الذين بدأوا يتململون ويخرجون تباعاً من تحت عباءتهم. فكان هناك عدد كبير من الناقمين على سياسة الولايات المتحدة في انحيازها لإسرائيل، ومما لاشك فيه أن نقمة الفلسطينيين على تلك السياسة؛ أدى إلى انعدام الثقة في أمريكا كوسيط لحل الصراع. ودفعت تلك السياسة بالمعتدلين من الفلسطينيين إلى الانضمام للواء المتطرفين. على الرغم من المساعدات، التي تقدمها أمريكا للعالم العربي، خاصة في المجالات المالية والاقتصادية؛ ولكن نظراً لانعدام الثقة فإن هذه المساعدات لا تلقى التقدير المطلوب من معظم شعوب العالم العربي. فهذه المساعدات في الدرجة الأولى مُسَيَّسة لتبقى في طوع سياسة العصا والجزرة.
إن انحياز أمريكا الكامل لإسرائيل ظهر في سلوك أمريكا في أكثر من مجال: ففي المشهد السوري لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لمئات آلاف الضحايا، وتدخلت فقط لنزع الكيماوي؛ لأنه خطر على إسرائيل. كذلك في تدمير العراق بادعاء باطل، امتلاك أسلحة نووية، وفي محاصرة إيران اقتصادياً وتهديدها عسكرياً تحت نفس الذريعة، بينما إسرائيل تمتلك أكثر من 350 قنبلة نووية، وتجلى ذلك أيضاً في منع مجلس الأمن من الانعقاد، لوقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على حزب الله عام 2006، وخلال عدوان إسرائيل على قطاع غزة 2008/ 2009، وتحركت أمريكا لوقف القتال في العدوان 2011، والعدوان 2014 بناء على طلب إسرائيل.
إنَّ المعركة الحقيقية التي يجب أن تخوضها القيادة الفلسطينية، اتخاذ الخطوات الكفيلة بحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه في الانضمام إلى المواثيق والمعاهدات الدولية كافة، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق أبناء شعبنا، وتحقيق المصالحة الوطنية، وخلق رأي عربي ضاغط ومؤثر من شأنه أن يُغيّر موازين القوى في إتباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة متوازنة لحل الصراع العربي – الإسرائيلي تقوم ركائزها أن الحق دائماً فوق القوة، ومن شأنه أن يعيد ثقة العالم بأمريكا.