بعد أن اكتشفت حركة حماس عدم جدية محمود عباس في المصالحة الفلسطينية، وبعد أن تأكد لقيادتها أنه قد خذلها رغم ما قدمته من تنازلات، وأن لا رغبة لدى الرجل في تصحيح المسار السياسي، وإصراره على الاستخفاف بالعمل الجماعي، وبعد أن اكتشفت حركة حماس أن محمود عباس بشخصه هو الذي يرعى كل المشاكل الساقطة على رأس غزة، بل ويقصدها، وقد حدد سلم أولوياته بنزع سلاح المقاومة، لذلك لن يسهم في رفع الحصار غزة، ولن يسهم في إعادة الاعمار، وفي المقابل فقد اكتشف رجال حركة فتح أن محمود عباس خزان حقد يفيض بالمآسي على شوارع غزة وحاراتها، فهو يمقت شبيبتها وأشبالها، ويكره شيوخها وأطفالها، ويمقت حجارتها وشجرها وسماءها ومقاومتها، ويتمنى أن يصحو من النوم فيجدها قد غرقت في البحر، بعد كل ذلك، كان من الطبيعي أن يلتقي رجال حركة حماس الغيورين على وطن عزيز مع رجال حركة فتح الغيورين على وطن عزيز.
لقد توجب تنسيق المواقف بين رجال حركة فتح المؤيدين لدحلان والمطرودين من رحمة التنظيم الذي استبد بقراراته محمود عباس، وبين رجال حركة حماس المطرودين من رحمة الوطن الذي تفرد بقراراته محمود عباس، ودون ذلك التنسيق هو الغباء المستفحل بعقول ونفوس أشخاص محكومين لتجربة مريرة تمت تحت رعاية وترتيب وتدبير محمود عباس نفسه.
في السياسة الداخلية لا عداء مطلق لتنظيم، ولا تحالف أبدي مع جماعة، فالرجال تغير مواقفها وفقاً لمصلحة الوطن العليا، والتي تتمثل في هذه المرحلة بإسقاط الدكتاتور محمود عباس، ولا يتم ذلك إلا من خلال التنسيق الميداني المشترك الذي بدأ بمساعدة الجرحى وأسر الشهداء، ولن ينتهي برفض التنسيق الأمني، والاصطفاف ضد المفاوضات العبثية ليتعزز التلاحم الميداني من خلال تحقيق المصالحة المجتمعية، ولاسيما أن رجال حركة فتح المؤيدين لدحلان هم الذين كانوا وقود المواجهة الميدانية مع رجال حماس.
لقاءات المصالح بين رجال دحلان ورجال حماس يجب أن لا تظل طي الكتمان، يجب أن تخرج إلى العلن، وأن تشكل النواة التي تستقطب باقي القوة السياسية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية التي تشكل القاسم المشترك للجميع تقف اليوم على مفرق طرق التصفية والضياع، وهذا ما يحتم على كل حر شريف أمين مخلص للوطن؛ سواء أكان فرداً أو تنظيماً أن يراجع مواقفه، وأن يحاسب تجربته، وأن يسأل نفسه: لماذا اختلفنا؟ وأين أخطأنا؟ ولماذا ظلمنا أنفسنا؟ من الذي جرنا إلى الطريق الخطأ كي نرفع السلاح في وجه بعضنا؟ من الذي حارب الديمقراطية، وتنكر لنتائج الانتخابات التشريعية، وشجع هذا على محاربة ذاك، وأغرق الجميع في حالة الإرباك السياسي والاجتماعي والتنظيمي والحياتي؟
لقاءات المواقف بين رجال حماس ورجال دحلان الذين خبرتهم في السجون الإسرائيلية يجب أن تشكل رافعة فلسطينية لا لرفع الحصار الاقتصادي عن قطاع غزة، وإنما لرفع الحصار السياسي عن الضفة الغربية، والعودة بها إلى حضن الوطن، لقاء المواقف بين رجال حماس ورجال دحلان يجب ألا يظل حبيس أرض غزة، وإنما عليه الانتقال إلى تنسيق المواقف في الضفة الغربية بهدف القضاء على التنسيق الأمني، وإعلاء شأن الوطن من خلال التحريض على الانتفاضة، وإشعال المواجهة في ميادين الضفة الغربية وتجمعاتها الوطنية.