فتح في ذكرى انطلاقتها الخمسين تبقى ديمومة الثوره وشعلة النضال الوطني الفلسطيني

بقلم: علي ابوحبله

حركة فتح تحتفل بعد عدة ايام بذكرى انطلاقتها الخمسين ، هذه الذكرى تاتي في ظل محاولات البعض للانقضاض على منجزات ومكتسبات حركة فتح ، وذلك ضمن محاولات البعض لبث الانقسام في صفوف حركة فتح خدمة لاهداف واجندات غير فلسطين وهي تتعارض وميثاق فتح ونظامها الداخلي ، تناسى هذا البعض ان فتح اكبر من محاولات البعض للانقضاض عليها وشق وحدة صفوفها لانهم تناسوا ان فتح انطلقت من رحم الشعب الفلسطيني وهي وعاء الفلسطينيين تتسع للجميع ولا تقبل الانحراف او العصيان من احد عليها ، كانت وما زالت فتح ديمومة النضال الفلسطيني وهي شعلة الكفاح الوطني الفلسطيني ولن يتخلى الفتحاويين الشرفاء عن ميثاق ومبادئ حركة فتح ، جاء تكوين حركة فتح رداً على نكبة 1948 وما تلاها من أحداث ولدت في النفوس شعوراً بالمرارة من عدم قدرة الزعامات الفلسطينية التقليدية على التحرك في ظل تلك الظروف، وشعوراً بحظر ذوبان الطلائع الفلسطينية في التنظيمات القطرية العربية التي انشغلت بمشكلاتها القطرية أكثر من انشغالها بقضية فلسطين. وقد دفع إلى تشكيلها نجاح الكفاح المسلح الأول في قطاع غزة (1953 – 1955)، وصمود جماهير المدينة للعدوان الصهيوني (1955) (رَ: غزة، العمل الفدائي من -). وتعززت ثقة المجموعات التي شكلت فتح بانطلاقة الثورة الجزائرية، وبهزيمة العدوان الثلاثي على مصر في حرب 1956*، وبقيام الوحدة السورية – المصرية، وبثورة العراق (1958)، وازدهار النشاط القومي العام.وبالمقابل كان للانتكاسات التي تعرض لها مسار النضال القومي، واتساع رقعة الخلاف بين الأنظمة العربية في أوائل الستينات، أثر في نفوس المجموعات التي شكلت تنظيم فتح، إذ أكدت ضرورة التحرك فلسطينياً دون انتظار اتفاق الأنظمة العربية على خطة ما لتحرير فلسطين. في وقت كان يسيطر فيه على الرأي العام العربي شعار يقول ان الوحدة هي طريق فلسطين، ولذا يجب البدء بالنضال من أجل الوحدة وتأجيل العمل المباشر لتحرير فلسطين.
- تطور حركة فتح:
1) سياسياً: لظروف نشأة فتح أثر في تطور برنامجها السياسي وشكلها التنظيمي. ومنذ البداية استبعد التصنيف على أساس الخلفية الفكرية، وتم التأكيد على ثلاثة مبادىء هي: تحرير فلسطين، والكفاح المسلح هو أسلوب التحرير، والاستقلالية التنظيمية عن أي نظام أو تنظيم عربي أو دولي. ولم يحدث فيما بعد أي تغيير جوهري في هذه المبادىء الثلاثة.
ففي المرحلة الأولى (1958 – 1964) تولت افتتاحيات “فلسطيننا” تفصيل هذه المبادىء واشتملت وثيقة “هيكل البناء الثوري” إلى جانب ذلك على شعارات سياسية محددة وقواعد تنظيمية تحدد العلاقة بين المجموعات.
وبين عامي 1964 و1968 عبرت الحركة عن آرائها السياسية في مذكراتها إلى مؤتمرات القمة العربية* ومنظمة التحرير، وقد جمعت هذه المذكرات فيما بعد في سلسلة “دراسات وتجارب ثورية”.
تمت في المؤتمر الثاني للحركة 1968 صياغة وثيقة “مبادىء وأهداف وأساليب حركة فتح”، وهي وثيقة فكرية سياسية تعد دستور حركة فتح الأساسي، وقد أقرها فيما بعد المؤتمر الثالث (1971) والمؤتمر الرابع (1980). وإلى جانب هذه الوثيقة أصدرت أجهزة فتح الكثير من البيانات السياسية والكتب والوثائق التي تناقش مختلف القضايا المرحلية على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية. ومن أبرز ما أكدته:
(1) إن تحرير فلسطين هو الطريق توحيد الوطن العربي، فهي جزءا من هذا الوطن، وشعبها جزء من الأمة العربية، وكفاحه جزء من كفاحها.
(2) إن حرب الشعب الطويلة الأمد هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين.
(3) ضرورة تحرير الإرادة الفلسطينية والمحافظة على استقلاليتها في القرار وفي القتال.
(4) إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي شرط تحقيق الانتصار. وإن لمعركة التحرير الأولوية على أي تناقضات فكرية وسياسية واجتماعية.
(5) ان الثورة الفلسطينية هي حركة تحرر وطني عربية، وهي طليعة الأمة العربية في معركة التحرير المصيرية، وأن نضال الشعب الفلسطيني هو جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية، وإن معركة تحرير فلسطين واجب عربي وديني وإنساني.
(6) إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني، فتح، حركة وطنية ثورية مستقلة تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني.
(7) إن الكيان الصهيوني مؤسسة عنصرية متكاملة دخيلة وغازية، وبقاؤه يشكل عدواناً مستمراً على الأمة العربية، وإن قيام دولة فلسطينية عربية ديمقراطية – يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بحقوق وواجبات متساوية – على أنقاضه أمر حتمي.
وقد أضاف الى ذلك المجلس الثوري لحركة فتح، بعد حرب 1973*:
(8) إن الشعب الفلسطيني وحده حق ممارسة السيادة الوطنية على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريره.
وفي عام 1980 أكد المؤتمر الرابع لحركة فتح أن البرامج السياسية التي قررتها المجالس الوطنية الفلسطينية هي – بالإضافة إلى البرنامج السياسي لفتح – ملزمة للحركة لأنها مبنية على أساس هذا البرنامج.
وتتصف برامج فتح وخططها السياسية بالمرونة، وعدم الخوض في التفاصيل، وقبول الحد الأدنى، وهي تصرح بأنها تفضل الجوانب العملية على القضايا المجردة، وتدعو إلى تناسي الصراعات النظرية والتنظيمية في سبيل الوحدة الوطنية.
2) تنظيمياً: تنوعت أشكال العلاقات التنظيمية داخل فتح من مرحلة إلى مرحلة، ومن ساحة إلى ساحة، وراوحت بين السرية المطلقة والعلنية المؤسسية. وغلب عليها جانب اللامركزية بسبب ظروف الشتات والنشأة، وبسبب الإطار السياسي الذي يقول: “كل فلسطيني ليس منظماً في تنظيم آخر هو من فتح”.
تميزت المرحلة الأولى (1958 – 1968) باللامركزية مع انتقالية عالية حفاظاً على السرية. ولكن الظروف بعد معركة الكرامة* (1968) كانت مناسبة للعمل العلني، فقبلت فتح في صفوفها الآلات من مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني، وإلى جانب عدد من أبناء الأقطار العربية الأخرى.
ومع هذا النمو العددي والسياسي أقر المؤتمر الثالث للحركة نظاماً داخلياً ترجح بنوده جانب المركزية على الشكل المعروف في الأنظمة الداخلية للأحزاب الحديثة. وقد أكد المؤتمر الرابع فكره المركزية الديمقراطية أساساً للنظام الداخلي.
ولحركة فتح قيادة مركزية هي اللجنة المركزية التي ينتخب المؤتمر العام أكثر من ثلثي أعضائها. ويليها المجلس الثوري الذي يتألف من مسؤولي وقادة الأجهزة والأقاليم والقوات، إلى جانب 25 عضواً منتخباً من المؤتمر العام وعشرة أعضاء من ذوي الكفايات تضمهم اللجنة المركزية. ويلي المجلس الثوري لجان الأقاليم التي يفترض أن تنتخبها مؤتمرات إقليمية تنعقد كل عامين، ثم المناطق، فالشعب، فالأجنحة، فالحلقات التي تعنيها لجان الأقاليم.
وتعرف القوات العسكرية لحركة فتح باسم “قوات العاصفة”، وتنبع في تكوينها وتحركها وجميع شؤونها القيادة العامة لقوات العاصفة التي تؤلفها اللجنة المركزية. وقد أقر المؤتمر الرابع أن ينتخب القائد العام لقوات العاصفة ونائبه المؤتمر العام يشكل مباشر. ثم قررت اللجنة المركزية أن تضم القيادة العامة لقوات العاصفة ثلاثة من أعضاء اللجنة. ولقوات العاصفة مجلس عسكري أعلى يمارس بعض السلطات الإدارية بالإضافة إلى واجباته العسكرية، ويضم إلى جانب القيادة العامة قادة القوات ونوابهم.
يتبع القيادة العامة جهاز للتعبئة والتوجيه السياسي يضم المفوضين السياسين للقوات (مفوض لكل كتيبة، ولكل قوة، ومفوض عام). ويتبعها أيضاً جهاز الاستخبارات والأمن العسكري، وأجهزة أخرى تقوم بالواجبات المختلفة كالتمرين والنقل والخدمات الطبية. وترتبط بالقيادة العامة أيضاً مؤسسة الشؤون الاجتماعية ورعاية أسر الشهداء والأسرى*، بالإضافة إلى قوات التنظيم الشعبي المسلح (الميليشيا). وتضم هذه القوات العناصر المسلحة المتفرقة وغير المتفرقة من أعضاء التنظيم غير العسكري. وتعين القيادة العامة قائد قوات الميليشيا وقيادتها، وهذه تعين قادة الميليشيا في المناطق والشعب. كذلك تتبع القيادة العامة لقوات العاصفة “مؤسسة الأشبال” التي تتولى أمور نشاط الأشبال والزهرات. والقيادة العامة تعين قيادة مؤسسة الأشيال وتفرز لها المدربين العسكريين والمشرفين اللازمين لمختلف ألوان نشاطها.
السلطة العليا في حركة فتح هي للمؤتمر العام الذي ينعقد كل ثلاثة أعوام. ولا تذكر البيانات والوثائق تاريخ المؤتمر الأول. وقد انعقد المؤتمر الثاني عام 1968 في دمشق، وانعقد المؤتمر الثالث فيها أيضاً عام 1971، ثم عقد المؤتمر الرابع في دمشق عام 1980، بعد تسع سنوات، وحظي بتغطيته إعلامية فلسطينية وعربية ودولية واسعة.
والمجلس الشوري – في حال انعقاده – سلطة أعلى من اللجنة المركزية. وأما اللجنة المركزية فيتوزع أعضاؤها، من غير المشاركين في عضوية القيادة العامة لقوات العاصفة، يتوزعون بينهم المسؤوليات السياسية والتنظيمية والإعلامية والمالية والأمنية والاجتماعية والعلاقات الخارجية وشؤون الوطن المحتل. وهم لا يتجمعون في عاصمة عربية واحدة أو في مكان واحد. وتتبع حركة فتح أسلوب الفصل بين الأجهزة والمؤسسات، وعند تداخل الاختصاصات يتم التنسيق في المستوى الأعلى مركزياً. وقد يتبع أحياناً التقسيم الجغرافي في بعض المجالات (التعيئة والأقاليم)، في حين يتبع في بعضها الآخر التقسيم بحسب المهام (الأرض المحتلة والأمن). ولكن يتم في معظم الأحيان الجمع بين الأسلوبين. مع تحديد الاختصاص بسلطة القرار لأحدهما.
ولحركة فتح مكاتب مختصة بمجالات النشاط الفلسطيني والعربي والدولي المختلفة، ولا سيما مجالات النشاط الفلسطيني الشعبي، كمكاتب المرأة، والعمال، والطلاب، والفنانون، والعلاقات الخارجية، والعلاقات مع حركات التحرر الوطني، والشؤون الدينية، والعشائر، والانصالات الخاصة وهذه المكاتب استشارية من الناحية التنظيمية.
وللعضو في حركة فتح، سواء أكان في قنوات العاصفة أم في التنظيم، أم في أي جهاز أو مؤسسة من أجهزة ومؤسسات الحركة، التزام تنظيمي يضمن أمته الاجتماعي، فيخفض له راتب إن شاء التفرغ، وتقدم له ولأسرته الخدمات الصحية والاجتماعية. كذلك يضمن أمنه السياسي، فيدافع عنه ان اعتقل، أو أسر، وتساعد أسرته، ويضمن أيضاً أمن أسرته إن استشهد. وتعد قيادة فتح هذه الضمانات من أسس العلاقات التنظيمية فيها.
3) عسكرياً: تطور النشاط العسكري لحركة فتح من قاعدة ارتكاز واحدة تضم نحو خمسين مقاتلاً متفرغا في بلدة الهامة، إحدى ضواحي دمشق، إلى قوات يقدر عددها بالآلاف منتشرة في الكثير من القواعد وحول المخيمات الفلسطينية وداخل الأرض المحتلة. وترى فتح أن النشاط العسكري هو النشاط الأساسي، وأن استمرار القتال مع العدو الصهيوني هو السبيل لتوحيد القوى الثورية، وأن الخلافات السياسية والفكرية بينها وبين المنظمات الفلسطينية الأخرى لا تعوق “اللقاء على أرض المعركة، ووحدة البنادق المقاتلة”.
وقد تزايد النشاط العسكري لفتح من ست عمليات تمت في كانون الثاني 1965، إلى مواجهة حربية مع القوات الصهيونية في معارك الكرامة وغور الصافي والعرقوب (رَ: العدوان الإسرائيلي على العرقوب 1970 – 1972)، وإلى مشاركة في حرب تشرين 1973 في الجبهة الشمالية، ثم إلى حرب مواجهة شاملة للعدو الصهيوني حين حاول اجتياح جنوبي لبنان في 23/3/1978، قوات الثورة الفلسطينية فيها، إلى جانب القوات الوطنية اللبنانية، الصمود وتكبيد العدو خسائر فادحة (رَ: العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان 1978). وبعد أن كانت العمليات قليلة العدد بلغت أكثر من ألفين عام 1969،وانخفضت بعد أحداث الأردن 1970، ولكنها عادت ترتفع فبلغت 360 عملية عام 1978. وقد تطورت من عمليات فردية إلى حرب عصابات استخدمت فيها أحدث الأساليب ومختلف أنواع الأسلحة. وكان من أبرز عمليات المجموعات الخاصة لقوات العاصفة عملية سافوي* في تل أبيب وعملية كمال عدوان* على طريق حيفا – تل أبيب بقيادة المناضلة دلال المغربي* (آذار 1978)، وبلغت فيها خسائر الصهيونيين أكثر من مائتين بين قتيل وجريح.
وشمل التطور التسليح، وبلغ مستوى الآليات الثقيلة وصواريخ أرض – جو، والصواريخ المضادة للدروع والطيارين المدربين. وتقوم قوات العاصفة بتصنيع بعض قطع السلاح الخفيف، وأهمها القاذف المضاد للدروع “ب7″. وتلبية لاحتياجات النشاط العسكري في ظروف وساحات مختلفة تختلف أشكال تنظيم القوات بين مجموعات سرية داخل الأرض المحتلة لا يزيد عدد أفرادها على ثلاثة وكتائب وألوية منظمة على الطريقة الحديثة.
وتشير إحصاءات مؤسسة الشؤون الاجتماعية ورعاية أسر الشهداء والأسرى إلى أن عدد شهداء قوات العاصفة وميليشيا فتح يبلغ 56% من مجموع شهداء الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وإلى أن نسبة الأسرى من فتح في الأرض المحتلة هي بين 70 و80%. وقد استشهد خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، كما استشهد عدد من القيادين الشبان من أعضاء المجلس الثوري للحركة.
ج- فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية: اتخذت حركة فتح موقفاً متحفظاً تغلب عليه السلبية من قرار مؤتمر القمة العربي الأول (القاهرة 1964) القاضي بضرورة إبراز الكيان الفلسطيني أحمد الشقيري* الاتصال بالفلسطينيين لهذا الغرض. وكانت فتح تخشى أن يصيح هذا الكيان أسير الإرادة الحكومية العربية التي أصدرت قرار إبرازه، وهذا يعارض مبدأ الاستقلالية الذي دعت إليه الحركة. كذلك خشيت أن يكون المراد من ذلك خلق كيان سياسي يلتف ويطوق إمكانات الكفاح المسلح.
على الرغم من ذلك حضر المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول (القدس 1964) ممثلو فتح بصفتهم الشخصية كأعضاء مستقلين. واشتركت فتح في الوقت نفسه في الهيئة المشتركة التي تألقت في بيروت من عدد من المنظمات الفلسطينية السرية باسم “المكتب السياسي للقوى الثورية للعمل الفلسطيني الموحد”. وقد أصدر المكتب بياناً دعا إلى توحيد الطاقات الفلسطينية الثورية، وإلى إيجاد كيان فلسطيني ثوري فعال. وأظهر البيان تحفظ فتح والمنظمات الأخرى المشاركة في إصدار البيان على الأثر الحكومي الرسمي في ولادة منظمة التحرير الفلسطينية*، وعلى طريقة تشكيل المؤتمر الوطني واختيار اللجنة التنفيذية. بدء فتح عملياتها العسكرية في مطلع عام 1965 دليلاً على عدم اقناعها بخطة قيادة منظمة التحرير القائمة آنذاك على تشكيل كتائب فلسطينية مسلحة تتبع استراتيجية العمل العربي الموحد.
ولما عقد المجلس الوطني الفلسطيني* دورته الثانية (أيار 1965) لم يحضر ممثلو فتح بصورة رسمية. وقد وجهت الحركة إلى المجلس مذكرة باسم “القيادة العامة لقوات العاصفة” بينت فيها وجهة نظرها وشرحت نقاط الخلاف بين الخطة السياسية للمنظمة التي تضمنها الميثاق القومي الفلسطيني* ومبادىء حركة فتح وأهدافها وأساليبها. وناقشت المذكرة مسألة توقيت بدء الكفاح المسلح، وفكرة “التورط الواعي” للدول العربية في الصراع ضد العدو الصهيوني، وأكدت أن الكفاح المسلح كفيل بتعبئة الجماهير حول الثورة، وأن هذه الجماهير هي الحامية للثورة. كذلك أبرزت أهمية الوحدة الوطنية شرطاً لتحقيق الانتصار، واعتبرت الضفة الغربية قاعدة لانطلاق الكفاح المسلح مخالفة بذلك مضمون الميثاق القومي الفلسطيني. وانتقدت المذكرة بشدة خضوع جيش التحرير الفلسطيني* لقيادات الجيوش المحلية، وأكدت أهمية استقلال دور الشعب الفلسطيني.
ودعت فتح إلى العمل من داخل المنظمة ومن خارجها أيضاً لأن ذلك هو الحل الوحيد لمنع إجهاض الثورة، لأنه إذا اقتصر العمل على المنظمة فستموت الثورة قبل ولادتها، ولذا لا بد من البدء بالعمل المسلح ليكون دليلاً عملياً على الجدية في تحرير فلسطين.
وعندما انعقدت دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثالثة (غزة 1966) كان نفوذ فتح قد قوي وازداد على الساحة الفلسطينية وداخل المنظمة، وظهر ذلك في قرار المجلس الذي يطالب “بالاهتمام بقوات الفدائيين وزيادة أعدادها بالشكل الذي يتبع لها العمل السريع بما يتفق مع أبعاد المعركة واحتمالاتها والاستفادة من خبرات المجاهدين”. دخلت علاقة فتح ببعض الدول العربية بعد حرب حزيران 1967 مرحلة جديدة وكسبت تأييدها في الوقت الذي قويت فيه الدعوة إلى تطوير أوضاع المنظمة. واتخذت قيادة فتح قراراً يقول قيادة المنظمة على أن يتم التبديل داخلها. واتفق على أن يكون المجلس الوطني الفلسطيني من 100 عضو بدلاً من 400، وتمثلت المنظمات الفدائية بثمانية وثلاثون عضواً معظمهم من فتح، بالإضافة إلى أعضائها الذين تمثلوا في المجلس مستقلين أو ممثلين لمنظمات شعبية. وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة (1968) عدل الميثاق القومي وأصبح اسمه الميثاق الوطني الفلسطيني*، وأصبح أقرب إلى نظرة فتح للأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية. وعدل أيضاً النظام الأساسي فأصبح المجل1س بنتخب أعضاء اللجنة التنفيذية بدل تسميتهم من قبل الرئيس المنتخب. وتم تعديل البند الخاص بجيش التحرير فأصبحت له قيادة مستقلة تحت إشراف اللجنة التنفيذية.
تولت فتح رئاسة اللجنة التنفيذية في الدورة الخامسة للمجلس الوطني (شباط 1969) وتوزعت مقاعدها مع منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية* (الصاعقة) وعدد من المستقلين. وتم التركيز في هذه الدورة على رفض الحلول الاستسلامية.
وقد أضافت قرارات الدورة السادسة للمجلس الوطني (أيلول 1969) فكرة فلسطين الديمقراطية التي طرحها فتح، وفكرة تصنيف القوى العربية إلى تقدمية ورجعية، وهو ما كانت فتح ترفضه. وأكدت الدورة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الوطني لجميع القوى الفلسطينية، وهو ما تطور بعد ذلك إلى شعار “الممثل الشرعي والوحيد”. وتشكلت في هذه الدورة “اللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية” التي ضمت فيمن ضمت ممثلاً قيادياً لكل منظمة من المنظمات الفدائية العشر التي وافقت على قرارات المجلس.
بذلت فتح جهدها لتأكيد شعار دولة فلسطين الديمقراطية ورفض إقامة دولة فلسطينية فوق جزء من التراب الوطني الفلسطيني، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثامنة التي عقدت في القاهرة في شباط 1971 بعد أشهر معدودة من أحداث أيلول 1970 في الأردن. وتبنت الدورة الشعار الذي طرحته فتح بالعمل على بناء جبهة عربية مساندة للثورة الفلسطينية. ولما قررت هذه الدورة إنشاء “القيادة العامة لقوات الثورة الفلسطينية” أصبح ياسر عرفات (فتح) يحمل لقب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية بالإضافة إلى رئاسة اللجنة التنفيذية. وعارضت فتح في الدورة التاسعة للمجلس الوطني (القاهرة، تموز 1971) شعار إسقاط النظام الأردني، واقترحت بديلاً له شعار الجبهة الوطنية الأردنية. ولكنها تنازلت عن تحفظها على شعار الإسقاط في دورة المجلس الوطني العاشرة الاستثنائية التي عقدت في نيسان 1972 اثر إعلان مشروع المملكة العربية المتحدة (رَ: الحسين، مشروع – 1972).
استقرت علاقات فتح مع المنظمات الأخرى داخل اللجنة التنفيذية على أساس التمثيل الجبهوري في الدورة الحادية عشرة (كانون الثاني 1973) فاحتفظت فتح برئاسة اللجنة وقيادة القوات، وتمثلت كغيرها بعضو واحد بالإضافة إلى المستقلين.
وفي الدورة الثانية عشرة (حزيران 1974) التي شهدت مناقشات واسعة حول برنامج النقاط العشر، وانسحاب ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين* من اللجنة التنفيذية، حاولت فتح منع الانقسام بين الاتجاهات الرافضة لمرحلة الأهداف الفلسطينية والأطراف الراغبة في ذلك. يلاحظ مما سبق أن علاقة فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية بدأت سلبية يسيطر عليها الشك، وبلغت في الآونة الأخيرة مرحلة أقرب إلى التطابق الكامل، وأصبح عدد من مسؤولي فتح يجمعون بين مسؤولياتهم في منظمة التحرير ومسؤولياتهم في الحركة. وغدت قيادة قوات العاصفة منذ 1971 تصدر بياناتها العسكرية باسم القيادة العامة لقوات الثورة الفلسطينية. وتؤكد بيانات فتح التمسك بمنظمة التحرير إطاراً للوحدة الوطنية وممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب العربي الفلسطيني. الرغم من ذلك ما يزال الكثير من الجوانب المالية والعسكرية غير موحد. وتلعب فتح في القيادة المشتركة للقوات الفلسطينية، وفي القيادة المشتركة للقوات الفلسطينية والوطنية اللبنانية، دوراً يتناسب وحجمها.
د- فتح والدول العربية: تنطلق فتح في علاقاتها مع الدول العربية من أن فلسطين فوق الخلافات العربية لأنها قضية العرب الأولى، ومن إيمانها بضرورة إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية واستقلال نضالها. ولذلك لا تتدخل في الشؤون المحلية للدول العربية، ولا تسمح لهذه الدول بالتدخل في شؤونها، وتحرص على حرية العمل الفدائي. وعلى الرغم من ذلك أعلنت استعدادها للتنسيق مع الجيوش العربية.
لكن فتح واجهت، منفردة أو ضمن إطار منظمة التحرير، مشكلات كثيرة في علاقاتها بالدول العربية. وقد نجحت فتح منذ 1963 في إقامة علاقات إيجابية مع القيادة السورية البعثية في الحرب والدولة، ومع جبهة التحرير الجزائرية، وتم افتتاح أول مكتب لحركة فتح، خارج المشرق العربي، في مدينة الجزائر سنة 1974. وبعد حر حزيران 1967 أصبحت علاقة فتح بجمهورية مصر العربية طيبة، الأمر الذي ساعد الحركة على الظهور العلني في عدد من الأقطار العربية الأخرى.
أما العلاقة بالحكومة الأردنية فقد شهدت توترات مبكرة ظهرت في صدامات مسلحة بلغت أعلى أشكالها في صدامات أيلول 1970 التي انتهت باتفاقيات القاهرة وعمان. وفي الوقت نفسه تزايد العمل الفدائي والوجود السياسي على الساحة اللبنانية، ووقعت صدامات بين المنظمات الفلسطينية، وفيها فتح، والسلطات اللبنانية ترسخ عبرها وجود الكفاح الفلسطيني المسلح واشتركت الجماهير اللبنانية في تأييد العمل الفدائي الفلسطيني. وانتهت اشتباكات شباط 1970 بعقد اتفاقية القاهرة بين منظمة التحرير والحكومة اللبنانية.
وكانت فتح تحرص على أن تكون لها مكاتبها التمثيلية المستقلة عن منظمة التحرير في العواصم العربية التي سمحت للمنظمة بافتتاح مكاتب تمثيلية لها فيها. أما بعض البلدان العربية التي لم تعترف بمظمة التحرير، كالمملكة العربية السعودية فقد قام مكتب فتح فيها بمهام مكتب منظمة التحرير أيضاً.
وقد كان قوام علاقة فتح بالدول العربية الحياد بين هذه الدول، والحرص على الحصول على الدعم المادي والمعنوي للقضية الفلسطينية، والحذر من محاولات فرض الوصاية على القرارات الفلسطينية.
هـ- فتح والعلاقات الدولية: تنطلق فتح في علاقاتها الدولية من مبادئها التي تقول إن نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية، وإن تحرير فلسطين واجب قومي وإنساني. فتح ضرورة إقامة أوثق الصلات مع القوى التحررية العالمية المناهضة للصهيونية والإمبريالية التي تدعم كفاح الشعب الفلسطيني المسلح العادل.
كانت علاقات فتح بالقوى السياسية تتم من خلال ممثليها في الاتحادات والروابط الطلابية والعمالية، باستثناء زيارة وفد منها لجمهورية الصين الشعبية سنة 1964 ولقائه الرئيس شو إن لاي، وافتتاح مكتب للحركة في بكين ما يزال يقوم بعمل منظمة التحرير. وباستثناء لقاء عدد من قياديي فتح سنة 1965 بأرنستو تشي غيفارا في الجزائر.
لم تأخذ العلاقات شكلاً رسمياً إلا ابتداء من عام 1968 حين توقفت صلة فتح بعدد من الأحزاب الأوروبية اليسارية، ولا سيما في فرنسا وإيطاليا، ونجحت في إقامة أول معسكر دولي للتضامن عام 1970، وزار قواعدها في الأردن وفود من الصين وكوريا الديمقراطية وفيتنام وكوبا، وبدأت الحركة ترسل أعداداً من مقاتليها للتدرب في الصين وكوبا وفيتنام.
قويت صلة فتح يوغسلافيا وبرئيسها تيتو ووصلت إلى درجة افتتاح مكتب لمنظمة التحرير وتقديم منح دراسية ومدنية وعسكرية للمنظمة. وبعد عام 1970 تطورت علاقات فتح مع الاتحاد السوفييتي من خلال لجنة التضامن الآسيوي – الإفريقي، ودعي وفد قيادي من الحركة لزيارة الاتحاد السوفييتي وأجرى حواراً فكرياً مع مسؤولين في الحزب الشيوعي السوفييتي عام 1977. نجحت فتح، من خلال ممثيلها أو من خلال وجودها في إطار منظمة التحرير، في إقامة علاقات ثنائية مع عدد من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، ولا سيما في النمسا والسويد والسنغال. وقد تضمن البرنامج السياسي الذي أقره المؤتمر الرابع لحركة فتح (1980) فقرة خاصة تظهر أثر هذا التطور في العلاقات الدولية وتشدد على تدعيم التحالف الاستراتيجي مع الدول الاشتراكية، والعلاقات النضالية مع حركات التحرر في العالم، والعلاقة مع الشعوب والدول الإسلامية والإفريقية ودول عدم الانحياز.
حركة فتح استطاعت، بعد خمسين عاما من تأسيسها الحفاظ على ديمومتها ومسيرتها النضاليه وهي تجسد حقيقة التطلعات الوطنيه للشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الاسرائيلي وهي في تطور دائم ومستمر ، وان منظمة التحرير الفلسطينية هي التجسيد العملي والرسمي لهذا الإطار الفلسطيني ، ولا بد لكل القوى الوطنيه والاسلاميه من ان تشارك وتنتسب لمنظمة التحرير الفلسطينيه كاطار تنظيمي تمثيلي يجمع كل القوى والفصائل الفلسطينيه ضمن مفهوم يقوم على ان منظمة التحرير الفلسطينيه الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وا ن حركة فتح تشكل عمودها الفقري. حركة فتح حافظت على التصور الأول في تكوينها الداخلي وكسب اسم فتح في ذاته مدلولاً جبهوياً واسعاً. وإذا كانت الحرب الشعبية الفلسطينية قد تحققت فعلاً فإن تصور فتح كان وما يزال ان تكتسب القضيه الفلسطينيه اهتماما اقليميا ودوليا وان تبقى القضيه الفلسطينيه في اولوية الصراع العربي الاسرائيلي ، وان احداث ما تشهده الامه العربيه يقتضي الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطينيي ووحدة الاطار التمثيلي للشعب الفلسطيني وذلك ضمن الحفاظ على الحقوق الوطنيه الفلسطينيه والحفاظ على ثوابت العمل النضالي والوطني الفلسطيني الذي اخطته حركة فتح عبر تاريخ نضالها حيث تحتفل بانطلاقتها الخمسين وفي جعبتها الكثير مما يجب ان يتحقق

اعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله