بعد مرحلة الشهيد الخالد ياسر عرفات ...وما سبقها من حصار وعملية عسكرية لقوات الاحتلال وحصار مقر المقاطعة والاعتداء عليه والمنع من التحرك ....للرئيس الشهيد خارج الوطن ....وتهديد حياته ومن معه في مقر المقاطعة ...وحتي تسميمه وخروجه للعلاج الي فرنسا ومن ثم استشهاده .
لحظات عصيبة ومؤلمة وخسارة وطنية كبيرة وفادحة ....لفقدان رمز الثورة وقائد المسيرة ومدي حجم المسئوليات والتحديات والفراغ بفقدان قائد وزعيم بمكانة الشهيد عرفات وما تميز به من قدرات استطاع من خلالها أن يعبر البحار والمحيطات والتحرك بطائرته وزيارة معظم دول العالم ...بما تميز به من كاريزما قيادية أكسبته محبة الجماهير والحزن الشديد لفقدانه .
امتاز الشهيد ياسر عرفات بقدرات هائلة في ظل غابة البنادق ...كما في ظل قيادته للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير ..لكنه استطاع بحكمة القيادة وفن التعامل مع الاوضاع الفلسطينية وما يعتريها من تعقيد وتشابك في ظل خارطة حزبية داخلية ليست علي انسجام تام ...كما أنها ليست علي برنامج موحد... ولا حتي علي خيار ووسيلة نضالية موحدة ....كما أن هناك أوضاع عربية ليست علي حالة من الثبات في ظل محاور وتجاذبات واختلافات استطاع من خلالها الزعيم الراحل أبو عمار الاستمرار بخطواته وفق حقل ألغام من خلال تحركه السياسي المتواصل وبناء علاقات وطيدة مع الغالبية العظمي لدول العالم ....وأن يضع فلسطين علي الخارطة السياسية الدولية وفي سلم أولويات القضايا مدار البحث والنقاش لمعظم قادة وزعماء العالم .
تميز الشهيد القائد ابو عمار بشعبية كبيرة علي المستوي الداخلي والعالمي ...الا أن هذا المخزون النضالي والمحبة الكبيرة للملايين... لم توقف المؤامرة التي استهدفت حياته ....حتي أنها لن توقف حصاره ومنعه من التحرك علي مدي 3 سنوات .
ولأن فتح ...ملك شعبنا....ولأن شعبنا لن يستسلم ...ولن يرفع الراية البيضاء.. برغم الخسارة الكبيرة لفقدان زعيمه وقائد ثورته استمر النضال الوطني الفلسطيني من خلال الفعل السياسي والتفاوضي بعد تولي الرئيس محمود عباس مقاليد السلطة بعد اجراء انتخابات ديمقراطية ونتائجها المعروفة علي صعيد المجلس التشريعي والتي أعطت حركة حماس الكتلة البرلمانية الاكبر ...وما جري بعد ذلك من تشكيل حكومة من قبل حماس وعدم القبول الدولي لها ...وما جري بعد ذلك من انقسام فلسطيني لا زال قائما حتي يومنا هذا برغم كافة الاتفاقيات والمصالحات ...وحتي تشكيل حكومة التوافق برئاسة الدكتور رامي الحمدلله والتي لا زالت غير مسيطرة علي القطاع ولا تمارس مهامها الموكلة لها ...مما صعب علي أهلنا في القطاع وزاد علي مشاكلهم المستعصية والتي لا زالت تتفاقم يوما بعد يوم .
واقع الانقسام الفلسطيني وافرازاته ونتائجه وتبعاته كانت سببا جوهريا في استمرار الاحوال المستعصية داخل القطاع والتي لا زالت في ظل المناكفات والتجاذبات السياسية والحملات الاعلامية والتصريحات صباح مساء والتي تزيد الاوضاع سوءا ..والامور تعقيدا .
استمر الرئيس محمود عباس بقيادة حركة فتح والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير ....باستمرار تحركه السياسي علي مستوي العالم بأسره مما زاد من واقع الفعل السياسي الفلسطيني في ظل انجازات سياسية ودبلوماسية لا يستطيع أحد التنكر لها ....حيث وصلت فلسطين الي عضو مراقب بالامم المتحدة وحققت فلسطين العديد من القرارات الدولية التي تمهد الطريق صوب فلسطين الدولة وليس أخرها قرار الجمعية العامة بالأغلبية العظمي بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ....وما يجري هذه الايام من مشروع قرار عربي فلسطيني مقدم لمجلس الامن الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال والمحددة جغرافيا وسياسيا بحدود الرابع من حزيران 67 وتحديد سقف زمني للمفاوضات التي ستودي في نهاية المطاف الي دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية بحدود الرابع من حزيران 67 .
اسرائيل وقد باتت محاصرة بفعل السياسة الفلسطينية في ظل الاعترافات المتتالية للبرلمانات الاوروبية وفي واقع التخبط الامريكي وعدم قدرته علي الاستمرار في دعم اسرائيل وحكومتها .
أي أننا علي الصعيد السياسي والدبلوماسي قد خطونا خطوات كبيرة وهامة ....لكن هذا لا ينعكس علي أوضاعنا الداخلية في ظل الانقسام القائم ...واضاعة المزيد من الوقت في جدل سياسي واعلامي لا يعود بالفائدة علي القضية الفلسطينية ولا علي تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني .
الرئيس محمود عباس وحسب متابعة مجريات الامور كان أمام خيارين .. الاول : اعطاء الاولوية الاولي للاوضاع الداخلية في ظل الانقسام والجدل الدائر علي الساحة الفلسطينية ....والثاني :مواصلة الجهود السياسية لتحريك القضية وانهاء الاحتلال وعلي ما يبدو أن الخيار الثاني كان علي سلم الاولويات علي حساب الخيار الاول مع كل ما تقدمه السلطة الوطنية وتتحمله من مسئوليات كبيرة .
المشكلة أن هناك متطلبات كبيرة في ظل احتياجات شعبية ..وفي واقع فقر ملحوظ وبطالة متفشية وبنية تحتية ضعيفة وأوضاع صحية وتعليمية ليست علي المستوي المطلوب وفي واقع عشرات الالاف من الخريجين المطالبين بفرص عمل ...جملة كبيرة من القضايا والتحديات والمطالب تحتاج الي الكثير من الجهد والمال والتخطيط للبدء بحل المشاكل المستعصية وفق الاولويات والضرورات الملحة ....لأن المواطن الفلسطيني ينظر الي ظروفه المعيشية ويطالب بايجاد الحلول لها ...وأن ما يتحقق علي الساحة الدولية من انجازات سياسية لا يشعر بها المواطن في حياته المعيشية وقوت يومه وحقه بالسكن والتعليم والصحة ....من هنا يحمل الجميع الرئيس محمود عباس مسئولية ما الت اليه الامور باعتباره رأس الشرعية وقائدا لأكبر حركة سياسية فلسطينية ...وهنا تكمن المشكلة والازمة ...كما ويكمن الحل.. في واقع انقسام قائم لابد وأن ينتهي الي الابد....وحصار جائر لابد وأن يزول... وعدوان اسرائيلي قائم لابد وأن ينتهي ويتوقف ...ومظالم من بعض الموظفين بخصوص رواتبهم وتحتاج الي حلول ...جملة من المشاكل والتحديات ....وفي واقع فصائل وحركات سياسية تراقب وتنتظر وتنتقد وليس أمامها الا التصريح عبر وسائل الاعلام دون أن تقدم أي حلول عملية يمكن تنفيذها وهذه مشكلة فلسطينية أزلية أن من يحكم يتعرض للنقد المستمر ...وأن من لا يحكم يكون شغله الشاغل النقد ...والي حد التشهير والتجريح .
هذه التحديات التي تقع علي مسئولية الرئيس محمود عباس ...وعلي حركة فتح باعتبارها الحركة الاكبر والاكثر قدرة علي حل المعضلات ومواجهه التحديات وفق ثقافة المواطن الفلسطيني الذي ينظر شمالا ويمينا ولا يري أمام مصاعب حياته الا أن يتوجه بالنداء الي الرئيس محمود عباس والي حركة فتح ....ولا تتوقف المسألة عند نداء المواطن ...بل أن كافة الفصائل الفلسطينية تواصل الطلب في ظل تصريحات قادتها ..وكأن المسئولية مختصرة ومختزلة بالرئيس وبحركة فتح ...وهذه مشكلة فلسطينية لابد من معالجتها بشراكة الجميع في تحمل المسئولية وحتي لا تبقي الامور باتجاه النقد وتحميل المسئولية .
خمسة عقود علي انطلاقة حركة فتح وكان قدرها أن تكون البداية ...كما قدرها أن تستكمل المسيرة ...وأن تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال ...وانجاز مشروع الدولة... وحل كافة المشاكل العالقة التي لا زال ينادي بها المواطن ..وهذا ما يستدعي اخراجا فلسطينيا ابداعيا بعمل شراكة فلسطينية كاملة ...ليتحمل الجميع مسئولياته ...وأن لا يترك لأي فصيل فرصة الجلوس علي المقعد منتقدا دون أدني فعل عملي ..هذه هي الحقيقة التي تولدت منذ سنوات ...وأصبحت اليوم أكثر نضوجا والحاحا .
وبمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لا يسعني ككاتب واعلامي مستقل... وكمواطن بالدرجة الاولي ...الا أن أتقدم بالتهنئة القلبية الخالصة لكافة الاخوة في حركة فتح متمنيا من الله عز وجل أن يحفظ هذه الحركة الوطنية ....وأن يحفظ تاريخها ومكانتها ودورها والاهداف التي تسعي لتحقيقها .
الكاتب : وفيق زنداح