طالب يشتم معلمه ربما من دون وجه حق، والامتحانات صعبة ربما من دون وجه حق، ومعلم يغتاب مديره ربما أيضاً من دون وجه حق، ومواطن يشعل لسانُه وقود الحكومة ربما من دون وجه حق!
أمّ تلاحق طفلها لتغسل ما تراكم على جسده من حبات عرق يابسة، فيسبُّها دون وجه حق.. وأبٌ يشتم أبناءه الصغار والكبار والمارّة المتطفلين ربما من دون وجه حق، والشاي البارد في الكأس الصغيرة وقعت فيها ذبابة فعكرت مزاج شاربها ربما دون وجه حق، أفسدت عليه متعة الجلوس في لحظة الشمس المريضة، فتُشْتم الحياة بكاملها، ربما من دون وجه حق!!
عامل في باكرة اليوم وباكورة العمل يسبّ صاحب السيارة، لأن الأزمة كانت خانقة، ربما من دون وجه حق، والبرد القارس والملابس غير الملائمة تجعل لابسها يشتم الصانعين وأصحاب المصانع ربما أيضاً من دون وجه حق!
رب العمل يشتم العمال؛ لأنهم قد تأخروا عن أعمالهم، ربما دون وجه حق فتثور الثائرة، وتدور الدائرة، ويصبح اليوم شديدا في برده ملتهبا في شتائمه، ودائما وأبدا ربما من دون وجه حق!!
والفضائيات مملة في أغنياتها الشاتمة والشامتة، وبرامجها الغوغائية السبّابة ورائحة الدم التي تعج فيها، وهدير الفراغ أعلى من هدير طائرات المتقاتلين، فيعلو صوت الشاتمين من المتفرجين، ربما من دون وجه حق
الكل عندنا أصبح يتقن لغة الشتائم دون وجه حق، في الشارع.. في المكتب.. في البيت.. في المسجد.. في الليل.. في النهار.. في الشعر.. في المقالات.. في الصحف والمجلات.. في الفضائيات.. وعلى الفيس بوك، ربما تعلمنا السباب من دون وجه حق!
ربما أجمل ما في هذه البلاد المصابة بالعقم أننا نتقن الشتائم ونبدع في صياغتها حتى لكأنها أصبحت فنّا يتلذذ البعض بصياغة تعابيره المجنونة، كما يتلذذ البعض بسماعها والاستزادة منها، وعلى الرغم من أن اليوم يوم عطلة إلا أنه يوم لإبداع الشتائم الخاصة والعامة!
على فكرة هذه البلاد القهر فيها هو المبدع، وليس الإنسان الذي يتقن الشتائم، ربما من دون وجه حق، وربما وجد الإنسان من دون وجه حقّ مقهورا في هذه البلاد الناتئة كبقعة جغرافية مصابة بالالتهاب الحاد!