غزة عام مضي ...وعام قادم

بقلم: وفيق زنداح

غزة بأهلها وتاريخها ...وبكل ما كانت عليه وما وصلت اليه ...الكل يصدرها لتلقي الضربات ...والكل يتقاذفها ويحقق من خلالها مراده ...والبعض يحاول أن يتلاعب بعقول أهلها للاصطفاف والانحياز ...ولا يعرف أهلها ومنذ الأزل الا اصطفافهم وانحيازهم لتراب وطنهم وحرصهم علي مجموعة القيم والمبادئ التي تربوا عليها وعاشوا وماتوا من أجلها ...غزة التي تعرف طريقها وتتفهم دورها ...وتدرك تاريخها ...غزة هاشم ليست وليدة لحظة عابرة ...أو مدينة مستحدثة ...بل هي قديمة بقدم الزمان وتاريخه ...وهي من أكثر المناطق والمدن الفلسطينية التي اكتسبت خبرات متراكمة وأيقنت ما حولها وما بداخلها وما يعتري طريقها من عثرات ومصائب وتحديات ...غزة ليست سهلة ويسهل هضمها ...ويمكن لأحد أن يأكلها ويشرب قهوتها .
غزة المقدامة والمتقدمة دوما في دفاعها وحرصها ...مثابرتها وتضحياتها ...غزة طوال تاريخها تنزف دما ...وتحترق من داخلها ...وتغضب لحرمانها ...لكنها العاشقة الأزلية لفلسطينيتها وقدسها وشرعية نضالها ....غزة لم ولن تكون عبء علي أحد... فأهلها شهامة كرامة وكبرياء .
غزة المقيدة بأياديها وأرجلها والمتروكة في ساحة واسعة ومزدحمة ومليئة بالمشاكل المستعصية والكوارث والنكبات ...لن يستطيع أحد ايقاف فكرها وادراكها واحاسيسها ومفردات وجودها .
غزة أصل وجذور تاريخيه ...وعراقة تراث يتجذر بأشجارها وبرتقالها وزيتونها ونخيلها ...غزة ببحرها الملوث بمجاريها ....وبنيتها المدمرة وبكل ما فيها من أمراض مزمنة ....لن تكون ملعبا ...ولن تكون مسرحا ...ولن تكون بالتأكيد فيلما دراميا للبكاء عليها وعلي أحوالها ...غزة بكل فقرها وجوعها وسوء أحوالها المعيشية... وما طرأ عليها من كوارث ونكبات ....ستبقي شامخة ولن تهزها الرياح العاتية والعواصف ...حتي وان أغرقتها الامطار في ظل ألاف الاسر التي تعيش دون مأوي ودون عمل ودون أدني دخل يمكن أن ييسر حياتهم ...لكنهم رغم ألامهم وقهرهم ...لن يهتز كبريائهم وشموخهم وصلابتهم .
جوع مبرمج ...وحصار جائر ..ومخطط لكسر ارادتها ...وانهاك مخزونها النضالي في عام القسوة والظلم الذي مر عليها... ليضاف الي سنوات انقسام أسود حل بأهلها وتفشي في نسيجها ..وأمرض أهلها ..وصعب عليهم حياتهم ...وضيق عليهم تحركهم حتي وصلوا الي العراء والبرد القارس دون رحمة.... في واقع غياب للإنسانية وتباطء واضح لإعادة اعمار ما دمر وما أحدث الشتات والتهجير والعيش بظروف قهرية غير انسانية .
غزة تعرف طريقها ...وتدرك دربها ...وتعشق كل وطنها وتتمسك بشرعيتها وتتحمل بصبر وثبات كل ما يجري علي أرضها وما يستهدفه الاحتلال العنصري الفاشي من محاولة اركاعها وهزيمتها .
غزة لا يفرض عليها رغم أنفها ...لأنها تمتلك من الصبر والثبات ...الوعي والادراك والمعرفة التاريخية بما يمكنها ويقوي ويصلب مفاصلها وعودها ...غزة لن تكون كرة تتقاذفها الارجل ...ولن تكون ساحة للتلاعب بعقول شبابها استغلالا لاحتياجاتهم وحقوقهم وظروفهم القهرية وأوضاعهم المأساوية ...حتما غزة لن تكون ملعبا للعبث والتخريب ...لأنها اعتادت وعبر تاريخها ان تكون أياديها مدافعة عن حقوق الوطن ..وليست مفتته ومشتته لوحدة الوطن وأهدافه وتطلعاته .
غزة هذا الجزء الجنوبي من الوطن... وبرغم حصاره وظروفه المأساوية ونكباته المتلاحقة وتهديده المستمر من قبل عدو لا يرحم ...لا زال شعبها جزء من الوطن ..متمسكين بثوابته... ومرابطين علي أرضه ....حتي وان شرب أهلها ماءا ملوثا ...أهل غزة من ولدوا علي أرضها ..وتربوا في أحضانها ..ولعبوا بطين أرضهم وبرمالها الصفراء ...وبكل ما فيها وعليها ...ستبقي البلسم الشافي ...والملاذ الاول والاخير ...لأنها أرض الاجداد والاباء ..وستبقي محل عزة وفخر لأجيالنا فنحن من ولدنا علي أرضها... وسندفن بترابها كما أجدادنا وأباءنا .
غزة التي تهدد وأصبحت مخرجا لأزمات عدو محتل ..لا يجد أمامه الا القتل والتدمير وسفك دماء الابرياء.. وقتل المدنيين وتدمير منازلهم ومحاصرتهم لتجويعهم ومحاولة اركاعهم واستسلامهم...لكنه الدرس التاريخي ... ومعالمه الواضحة ومجمل حيثياته والتي توكد علي أن من هم علي هذه الارض لا يخيفهم الموت... بقدر حرصهم علي الكرامة والعزة والأنفة والكبرياء والحرية التامة غير المنقوصة ....غزة لا تقبل أن تكون مذبحا وذبيحة ما بين فترة وأخري ..وتبدأ رحلة الاستعطاف ودفع الزكوات والتبرع ومحاولة البكاء علينا .
لا والله ....غزة لم ولن تكون أسيرة قانون مجرم ...وأسيرة احتلال عنصري يعمل علي الدوام من أجل تدمير ما يبني تحت ذريعة ومزاعم أمن مزعوم ..وروايات كاذبة ..وتهديد كاذب ...لقد عملوا علي إهانة غزة وشعبها ...لكن لا والله ...لن يهان شعبنا ...ولن تهان غزة هاشم ...ولن نهزم ...ولن ننكسر ..ولن نسمح بالعبث بدمائنا .
غزة الصابرة والمرابطة ...تمسك علي أعصابها ...وتتوازن بفكرها ولا تدخل بمغامرات غير محسوبة ..,ولا بعلاقات مضرة وخاسرة ...ولا بنتائج لا تخدم مستقبلها المرتبط بقضيتها ...غزة الواعية والمثقفة والاكثر تعليما برغم ازدحامها ومصاعب حياتها ...الا أنها تدرك مكانتها ودورها ولن تكون الا عامل وحدة واستقرار وبناء .
غزة وبكل ما فيها من أمراض وظواهر ومظاهر ...جسد واحد برغم تياراتها السياسية المتعددة... الا أنها بمجموعها وبأهلها تربطهم علاقات قرابة أو نسب أو صداقة ...الكل يعرف الاخر ...والاغراب نعرفهم ...ويمكن تمييزهم هكذا التاريخ والواقع وثقافة أهل غزة .
مضي عام علي غزة ...وكان عاما قاسيا قاهرا مذلا ومميتا ...ليضاف الي أعوام سابقة لحروب ثلاثة قام بها عدو لا يرحم وفي واقع حصار جائر ...لكننا لا زلنا علي صبرنا وثباتنا ...لكننا في ذات الوقت نحتاج الي حكمة القيادة والقيادات ..الفصائل والحركات وكل ذو الشأن العام.... أن تنهوا هذا الملف الاسود الذي أصبح عبء ثقيل ومصيبة كبري ألمت بنا وبتفاصيل حياتنا ...ولم يعد هناك مبررا مقبولا لاستمرار هذا الانقسام الذي أضر بنا وبقضيتنا ...نأمل أن ندخل العام القادم وقد انتهي الانقسام للأبد...وأصبحنا ندرك مدي أهميه الوحدة والتماسك..... وحتي ينعم شعبنا بفرصة الحياة الكريمة... أملين من العلي القدير أن يكون العام القادم عام خير وبركة وسلام...عام دولة واستقرار .
وكل عام وانتم بخير.

الكاتب وفيق زنداح