يستقبل 7 مليار نسمة في أنحاء المعمورة بدء العام الجديد, ويستقبله الغزيين بوداع أربعة شهور من وقف إسرائيل للعمليات العسكرية في قطاع غزة وهي العمليات الأكثر خسارة وتكلفة سواء من الناحية البشرية حيث بلغ عدد الشهداء 2147شهيد ( في حين عدد شهداء 2008 بلغ 1417 شهيد ؛ وشهداء عدوان 2012 بلغ 177 ) و 11100 جريح أو الاقتصادية كبلوغ الخسائر الإجمالية 6 مليار دولار ( في حين بلغت خسائر عدوان 2008حوالي 1.9 مليار دولار وخسائر عدوان 2012 بلغت 40 مليون دولار ) أو حتى السياسية كتفاقم أزمة حكومة التوافق وعدم استلامها للمعابر وأمور الأعمار وتبعات ذلك على الصعيد الاجتماعي والنفسي حيث يعاني 226 ألف طفل من صدمات نفسية وبحاجة للرعاية النفسية, تلك الشهور الأربعة التي شهدت مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة ومؤتمر المانحين, ومزيداً من التجاذب السياسي المعرقل الرئيسي للإعمار وبدء إسرائيل بإدخال مواد ومستلزمات البناء والأعمار بخطوات بطيئة وفقاُ لمقترح سيري, والمراقب للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة يتضح أن الشئ المؤكد هو تأخر عملية الإعمار لشهور قادمة وربما لسنوات كما جرى في العام 2009 وفي كلتا الحالتين يظهر الانقسام السياسي كأقوى العراقيل للاستمرار في عملية الإعمار والذي لم يولي الاهتمام للحجم الكبير من المأساة والمعاناة التي تتحملها آلاف الأسر الفلسطينية التي فقدت بيوتها ومصادر دخلها , حيث تشير الإحصائيات أن عدد المنشآت المدمرة بشكل كلي بلغت 18000 وحدة سكنية, والمنشآت المدمرة بشكل جزئي بلغت 44000وحدة , والحاجة السنوية لمحافظات قطاع غزة من المواد الإنشائية الأساسية تقدر بحوالي 1000 شاحنة يوميا تشمل 5000 طن من الأسمنت و 1000 طن من الحديد و 1900 طن من الحصمة و 15000 طن من البيسكورس , إضافة لأن غزة بحاجة سنويا ل 5000 وحدة سكنية لسد العجز الطبيعي عدا العجز السابق المقدر بحوالي 70 ألف وحدة سكنية, تلك الأرقام تنذر بكارثة إنسانية خلال السنوات القادمة في حال استمرار الأوضاع الراهنة دون تغيير يذكر كإنهاء الانقسام والإسراع في عملية الإعمار ودون ذلك يعني مزيدا من الضغط على اقتصاد قطاع غزة الذي فقد قرابة 3.3 مليار دولار أي أكثر من 150% من ناتجه المحلي خلال السنوات (2014-2000) بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر وعمليات التصعيد العسكري, الانقسام السياسي بمعنى أن كل فرد في قطاع غزة خسر 1800 دولار خلال تلك الفترة وهناك صعوبة في تحديد مساهمة كلاً من الحصار والإنقسام في تلك الخسائر نظراً للتداخل الكبير بين تلك المتغيرات , وعند تتبع التقارير الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتحديدا في السنوات 2014-2007 يتضح أن للانقسام دورا كبيرا في إعاقة عملية النمو الاقتصادي في قطاع غزة واستدامة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كتفاقم البطالة والفقر ودرجة الحرمان وتفكك النسيج المجتمعي وسيادة ظواهر خطيرة كارتفاع حالات الطلاق في العام 2013حيث بلغت 2725 حالة بعدما وصلت عام 2007 قرابة 1700 حالة وكذلك حالات الانتحار والتي بلغت شهرياً 30حالة , تلك المؤشرات الكارثية استمرارها مع تفاقم أزمة الركود الاقتصادي وكساد بعض الأنشطة الاقتصادية يعني أن الاقتصاد الغزي مُقبل على انهيار محتمل قد ينعكس أكثر في ارتفاع معدلات البطالة لتقفز عن 50% واستمرار درجة الحرمان والاعتماد شبه الكلي على المساعدات الإغاثية ووصول النسبة لأكثر من 80%, وافتقار 47% من السكان للأمن الغذائي ,
ورغم أن الاقتصاد الغزي قد شهد نمواً في ناتجه في سنوات 2010-2013 إلا أن ذلك كان عابراً وغير حقيقي سرعان ما تلاشى بسبب أن النمو كان سببه النمو المطرد في قطاعات الإنشاءات وطفرة الأنفاق الظاهرة التي استمدت شرعيتها من الخصوصية التي عاني منها سكان القطاع بسبب نقص الغذاء وبعض الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن إغلاق إسرائيل ل5 معابر من أصل 7 مع قطاع غزة , ومع إغلاق الجانب المصر ي للأنفاق الحدودية ( ذات الاقتصاد ( التدميري) اللا منتج من الناحية الاقتصادية ) في مايو 2013 ظهرت الحقيقة الغائبة الحاضرة وهي أن ظاهرة الأنفاق والتي استمرت قرابة 7أعوام انحرفت عن المسار الحقيقي التي وُجدت من أجله
وهو توفير السلع الأساسية والضرورية إلى نشاط تبادلي ولم يؤسس لمرحلة من البناء والاقتصاد المقاوم وتوفير السلع بأسعار منخفضة وبجودة مرتفعة بل العكس سيد الموقف, الشئ الذي يعتبر سيئ هو أن ذروة العمل بهذه الظاهرة لم ينجم عنها تحسن ملموس في مستويات المعيشة في قطاع غزة رغم النمو في الناتج وهذا يعني أن عوائد النمو قد خلقه نشاط معين أو أنشطة محددة ومنها الإنشاءات وتجارة الأراضي والعقارات والصرافة والتحويلات المالية وبعض الأنشطة الطفيلية الأخرى.
عملية الإعمار تسير ببطء السلحفاة رغم أن مؤتمر المانحين بالقاهرة الذي انعقد في 12 أكتوبر 2014 قد وافق على خطة الإنعاش المبكر والأعمار المقدمة من حكومة التوافق الوطني وتعهد بدفع 5.4مليار دولار منها 2.7 مليار للأعمار والباقي لتمويل عجز الموازنة العامة , وبعد مرور ثلاثة شهور على مؤتمر المانحين ما زالت عملية الإعمار تراوح مكانها والمأساة مستمرة والسبب يعود للعوائق الخارجية , والانقسام السياسي , وتأخر المانحين بدفع التزاماتهم التي تعهدوا بها في المؤتمر .
وفي المقابل ونقيضاً للسير البطيء للإعمار فإن إسرائيل قد وافقت على إدخال المواد اللازمة لإنشاء مصنع للمشروبات الغازية تعود لشركة أمريكية عملاقة علماً بأن مصنعاً للمشروبات الغازية سيقوم في منطقة معبر كارني الصناعية بتكلفة 20مليون دولار وستوفر 1000فرصة عمل ؛ ورغم أن المصنع سيوفر ألف فرصة عمل إلا أن ذلك سينعكس بالضرر على مصانع المشروبات المحلية كونه سيكون منافس قوي للماركة العالمية التي يحملها وللجودة وللسعر القريب من الأسعار المحلية.
مفارقة عجيبة مئات الأسر الغزية تستقبل العام الجديد تحت وطأة الشتاء القارس وإعادة إعمار منازلهم تسير بخطوات كبطء السلحفاة , وإنشاء مصنعاً للمشروبات الغازية تسير بخطوات سريعة كخطوات الأرنب !!
وفي ظل المؤشرات الاقتصادية الراهنة فإن العام 2015 سيكون الأسوأ من خلال :
- تراجع الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة وتحديداً بطالة الخريجين
- ارتفاع درجة الحرمان والفقر ودخول مئات الأسر ضمن خط الفقر بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول الحقيقية .
- ارتفاع في الأسعار بسبب ارتفاع قيمة صرف الدولار مقابل الشيقل وبقاءه في حدود 3.9 إلى 4.05 خلال الشهور القادمة.
- استمرار الانقسام السياسي وتأخر عملية الأعمار وسينعكس ذلك على مستويات المعيشة .
- مزيداً من الضرائب ستفرض على السلع الأساسية والضرورية .
- تراجع في أسعار الأراضي والعقارات بشكل محدود ناجمة عن حالة الركود الاقتصادي وكساد قطاع الإنشاءات رغم العجز المتزايد في الوحدات السكنية.
- حالة من الركود ويصاحبه ارتفاع في الأسعار والمحصلة الأخيرة تباطؤ الناتج المحلي وتراجع نصيب الفرد من الدخل.
- ارتفاع حالات الطلاق و العنوسة ونقص الأمن الغذائي ونقص العديد من السلع من الأسواق .
- استمرار أزمة الكهرباء وغاز الطهي والمياه والوقود.
- تراجع أسعار الوقود في قطاع غزة بحدود 10% بسبب التراجع المتواصل لأسعار النفط عالمياً وهذا التراجع سُيمتص من خلال الضرائب التي من المتوقع فرضها والتي تبلغ 1500 شيكل على شاحنة الوقود, وبالتالي حتى لو تراجعت أسعار اللتر من البنزين ل 6 شواقل( 1.5 دولار لكل لتر ) في قطاع غزة فستكون الأعلى عالمياً, حيث تراجع النفط عالميا بحدود 55% خلال الشهور الأربعة الأخيرة ( من 116 دولار للبرميل في يوليو إلى حدود 55 نهاية ديسمبر للعام 2014) ولم يرافقه انخفاض في الأسعار محلياً.
- ارتفاع نسبة عمالة الأطفال ونمو ظاهرة الباعة المتجولين .
- استمرار توسع ظاهرة المرض الهولندي أفقيا ( الفقر المجتمعي مقابل الثراء الفردي) ويظهر ذلك من خلال سياستين متناقضتين هما ارتفاع الضرائب وما يحملها من إجراءات تقشفية من جهة والسياسة الإنفاقية اللا مسئولة وغير الرشيدة كحملة الترقيات الأخيرة التي اتُبعت في إبريل للعام 2014 عشية الإعلان عن حكومة التوافق الوطني وفقا لدراسة أجريت في ديسمبر 2014 لجريدة الاقتصادية بغزة أن عدد الوكلاء قد ارتفع من 51 وكيلا عام 2013إلى 58 وكيلا في العام 2014, وعدد الوكلاء المساعدون ارتفع من 101 وكيلاً مساعدا عام 2013 إلى 103 وكيلاً للعام 2014, والمدراء العامون ارتفع عددهم من 647 عام 2013إلى 694
وزاد عدد مدير عام وزارة من 5 عام 2013 إلى 16 عام 2014.
أما الوظائف العسكرية فكانت الترقيات كالتالي :
121 لواء في حكومة الضفة مقابل 13 لواء للحكومة المقالة بغزة
651 عميد حكومة الضفة مقابل 53 عميد للحكومة المقالة بغزة
2957 عقيد حكومة الضفة مقابل 187 عقيد للحكومة المقالة بغزة
3158 مقدم حكومة الضفة مقابل 360 مقدم للحكومة المقالة بغزة
7309 رائد حكومة الضفة مقابل 916 رائد للحكومة المقالة بغزة
2591 نقيب حكومة الضفة مقابل 2289 نقيب للحكومة المقالة بغزة
5363 ملازم أول حكومة الضفة مقابل 2871 ملازم أول للحكومة المقالة بغزة
7322 ملازم حكومة الضفة مقابل 1296 ملازم للحكومة المقالة بغزة
ومن خلال تلك الترقيات الكبيرة في الوظائف العليا يتضح أن نسبة كبيرة من موظفي السلطة الفلسطينية هم ضمن خط الفقر , في حين أن جُل الموازنة ستذهب لنسبة ضئيلة من كبار الموظفين , وهذا سيتحمله الفقراء وذوي الدخول المنخفضة من خلال تسديد فاتورة النفقات عبر الضرائب وغالبا المقاصة ( الضرائب غير المباشرة ) سترتفع لحدود 17% مع التوقعات بأن الموازنة الفلسطينية للعام 2015 ستواجه عجزاً بحدود 700 مليون دولار, والانعكاسات ستكون على قطاع غزة أكثر بسبب تراجع حصة قطاع غزة من الموازنة واقتصار المشاريع التنموية والتوظيف وعملية الاستيعاب بالضفة الغربية على حساب قطاع غزة مما يستوجب إعادة النظر بالموازنة للعام 2015 وتحديدا ً في قضية دعم المشاريع التنموية والتطويرية وعدم الاقتصار على تمويل العجز المستمر, حيث أن قطاع غزة بحاجة لمشاريع تنموية كمشروع تحلية المياه وتنمية الأراضي غير المستغلة وتطوير القطاع الصحي واستغلال غاز بحر غزة المُقدر بحوالي 4 مليار دولار .
وفي الختام فإن (استمرار الانقسام السياسي , وتأخر الإعمار , استمرار معاناة النازحين , تراجع نصيب قطاع غزة من الموازنة التطويرية والتنموية ) لا دين لها .