قرأت سابقا عن باولو فرير يقول: " أن إحدى السمات المميزة للعمل الثقافي القمعي، والتي لا يدركها المتخصصون والمخلصون والسذج وحتى المشاركون في النشاط الدائر في آن معا، هي التأكيد على النظرة التي تحصر المشكلات في بؤر بدلا من رؤيتها بوصفها أبعادا لكلٍّ واحد". فنحن دائماً ، مبدعون في التنظير غافلون عن التطبيق و غافلون عن ما بعد التنظير بشبر واحد ، مبدعون في إرسال الرسائل، تائهون في حصر الوسائل ، وباهرون في تلفيق التهم والردح الإعلامي غير المنطقي علي وسائل الأعلام والذي لا يخدم سوي تلك الفئة التى تبتعد من هنا الى القمر عن الوطنية و قضايا الوطن و ثوابته , لذا فانك تجدهم متميزون بتبادل التهاني وعقد الدبكات..,أساتذة في فرش الساحات وإطلاق الشعارات الخاوية ، وضبط الضمّ والفتح والجر في تشكيل الحروف ، مهندسون وفنيون مختصون في"برمجة الخوف"... فلا نجيد رفع الصوت أبدا... إلا بوجه الميكرفون...إنني اشعر بحزن وأسي ليس علي ما يحدث ولكن علي ما سيحدث لأنني أخاف من الغد, أخاف من أن سيأتي يكون بلا خارطة , أو يحمل خارطة مشوهة لا يرقد أسفلها مفتاح واضح ليقرأها كل العابرون عن هذا الوطن ليعرفوا أن الناس والذين هم الشعب يعرفوا من يكذب و من يصدق في هذا البلد و يعرفوا من يستخدمهم لغرض في نفس يعقوب و من يحبهم بعمق لأنهم أبناء وطن ... فالوضع يشبه تماماً ، كمن يعتلي منبر الجمعة ،ليحدّث الناس عن الاخوه والتراحم وحق الجار علي الجار، وعدم التنازع ، محذّراً المصلين ، من دخولهم النار اذا لم يرحم الأخ أخيه والجار جارة.. ثم تكتشف لاحقاً أن من يخطب أمامك متخاصم مع شقيقة منذ سنين ويحارب جارة ويتلذذ في اذاء جاره منذ ان عيّن خطيباً في هذا المسجد ...شعرت بالخيبة والحزن والأسى ، عندما شاهدت قنوات فضائية ومواقع الكترونية لازالت تنادي بمن ضحوّا لأجلنا وماتوا في سبيل العزّة والوجود بكرامة ,حزنت أكثر وأكثر عندما أجد مصروفات تنفق لا لشيء والمنفقون المنافقون مصروفاتهم كفيلة أن تضيء بلده بكاملها بدل أن يموت احدي أطفالها حرقاً بالشمع أو يسهر طالب ينتظر مستقبل زاهر ولن يصل ألي الطريق , او تعيد بناء غرفة تحمي أسرة هدم بيتها. أهكذا يكون الوفاء لأسياد الوفاء؟؟...أهكذا يكون الوفاء للمسحوقين من الشعب الذي يصرخ بصمت من شدة الحصار و الفقر و الجوع ، لمن آثروا أن يلاقوا وجه ربّهم بــ"بزتهم العسكرية" ، بشماغاتهم وقبعاتهم وخوذهم وبساطيرهم...ينزفون شرفاً ورجولة إلى يوم الدين..شعرت بخيبة وحزن... ، وكفرت بكل الاهازيج والقصائد أي كان نوعها ً, وأصبحت لا اثق بمن يسعي ليحمل الناس في عربات ليهتفوا ويطبلوا له ليبدوا انه الأقوى , أصبحت هذه قضيتنا بينما الذين قدّموا أعمارهم ويُتم أبنائهم وترمّلت نسائهم خيطاً في راية الوطن وأصبحت عيونا تتحصر على ما يجري ، يُنسون ويهملون وتطمس ذكراهم ويمسح حبر أسمائهم بمطر الأيام وريح النكران... أصبحت أخاف علي أبنائي من هؤلاء.... أخاف من بعض الأفكار التي وردت في كتاب المتلاعبون بالعقول لهربرت شيللر, وأخاف أن يشتريهم سافل بعد مماتي ليصفقوا له دون انتماء , لذا أقول لهم حبوا الوطن بكل عمق ولا تصفقوا لأحد غير الوطن , فهناك من صفق لأشخاص في تاريخ هذه الثورة وكانت قائمة أسمائهم طويلة لكن وقتهم كان قصير وانتهوا إلي غير رجعة فالوطن هو الذي يصفق لكم عندما تهتفوا عاشت فلسطين وعاش شعبها الأبي , والوطن هو من يشفق عليكم في بأسكم ويفرح لسعادتكم , والوطن هو كل ما لكم في هذه الدنيا فلن يقسوا عليكم لأنه يعرف أنكم عشاق وطن .. إذا ضاع الوطن أين ستجدونه ...!