عام كامل مليء بالأوجاع يرحل..

بقلم: عباس الجمعة

عام كامل ، مليء بالأوجاع يرحل ، وعام آخر جديد ، يستعد كي يحل على ربوعنا ، ونحن نسأل ماذا جنينا في عامنا الماضي ، للشعب الفلسطيني ، حيث العدوان يستهدف الشجر والحجر والبشر ، والإنقسام والحصار وغياب الإعمار واغلاق المعابر في قطاع غزة،واوضاع الناس تزداد سوءاً في ظل البرد القارص المشردين بفعل الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة،ما زال اكثر من مئة ألف منهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، والقدس "تغول" و"توحش" استيطاني غير مسبوق وسياسة عقاب جماعي ، واستمرار الاعتقالات طالت حتى الاطفال وتوزيع اوامر لهدم بيوت بنيت منذ عشرات السنين وغيرها ، نزيف دم متواصل وشهيد يودع شهيد، وحرق الشهيد الفتى أبو خضير حياً،بعد خطفه وتعذيبه،وجريمة العصر ما زلت مستمرة ، وفي الضفة الفلسطينية لم تتحسن احوال شعبنا، فسياسة العبث بالحقوق في تزايد تصاعدي، وباسم الشعب الفلسطيني ، وخاتمته حتى هذه اللحظة هو مشروع القرار الفلسطيني العربي الذي تقدمت به القيادة الفلسطينية الى مجلس الأمن، وتطلب من المجلس أن يقرر أن يكون الحل تفاوضيا وأن يقرر المجلس المعايير التي يحتكم اليها التفاوض، وكأن هذه المعايير في حاجة الى قرار جديد ،وكأن الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن ذاته ومحكمة العدل الدولية والقانون الدولي الانساني لم يحدد المعايير التي تحكم إنهاء احتلال اراضي الغير بالقوة، والتي تختصر كلها في كلمتين،انهاء الاحتلال، وهذا يعني انسحاب المحتل عسكريا ومدنيا من جميع الاراضي التي احتلها وإزالة كل ما أحدثه من آثار ومخالفات للقانون الدولي والتعويض عن الاضرار التي ترتبت على الاحتلال، وهذا الأمر لا يحتاج الى معايير جديدة يبتدعها أي طرف من الاطراف، واذا تخلف الاحتلال عن القيام بما يلزم لانهاء احتلاله للاراضي الفلسطينية المحتلة ، يمكن عندئذ الرجوع الى الجهة المختصة في الامم المتحدة لارغامه على الوفاء بالالتزامات لانهاء الاحتلال وفقا للقانون بفرض العقوبات عليه، كما حصل بشأن جنوب افريقيا، وليس لوضع معايير للتفاوض لانهاء الاحتلال، اما المس بمكانة القدس وحق العودة والحدود والثوابت الوطنية ،هو خط احمر غير مسموح لاحد تجاوزه مهما كانت الضغوطات فهذه الحقوق هي حقوق الشعب الفلسطيني .

نعم عام مضى ولا يوجد أفق لمصالحة او رسم استراتيجية فلسطينية موحدة،بل نشهد مواصلة لسياسة الانقسام الكارثي ،وكذلك التحريض،وعبارات التكفير والتخوين ، بدلا من العمل لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وابرزها المشروع الأخطر في هذا الإطار والسياق،هو مشروع يهودية الدولة،هذا المشروع الذي يشكل تعدي صارخ على حقوق شعبنا الفلسطيني التاريخية،ويراد منه شطب حق العودة للاجئي شعبنا الذين هجروا وطردوا قسراً على يد العصابات الصهيونية ،وكذلك يحمل هذا القرار قوننة وتشريعاً للعنصرية والممارسات والإجراءات المرتبطة بها بحق شعبنا هناك.

رحل عام ولكن الشعب الفلسطيني ما زال مؤمنا بخياره الكفاحي ، وان فلسطين ارتوت بدماء عشرات الالاف من دماء الشهداء الزكية الطاهرة وفي مقدمتهم القادة العظام الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات وفارس فلسطين ابو العباس وفارس الانتفاضة ابو علي مصطفى والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وزياد ابو عين وعمر القاسم ، على مسافة دمعة ولوعة يرحل عام بأيامه الخوالي التي لونتها جراحاتنا وأوجاعنا التي كانت تفترض بنا ان تجمعنا على طاولة واحدة صنوفها من الوجع والأنين تارةً، والصبر والصمود تارةً أخرى ، ورغم وجع شعبنا الذي قدم هذا العام اكثر من الف وثلاثمائة شهيد هؤلاء الشهداء الذين ستبقى سيرتهم محفورة في الذاكرة إلى الأبد ، اضافة الى المرارة التي تعتصر قلوبنا ألما وحزنا لما آلت إليه الأوضاع، وخاصة اوضاع الاسرى والاسيرات داخل سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي ، هؤلاء الابطال الذين يرسمون شعلة مضيئة في سماء فلسطين، كانوا وكنا نتطلع الى كافة الفصائل والقوى ان تكون في مقدمة الهبات الجماهيرية في الضفة، رغم طابعها العفوية والعمل الفردي،والتحرك للدفاع عن الذات، كما كان من المفترض ان يتم تجاوز كل الخلافات ورسم استراتيجية فلسطينية تضع حداً للإنقسام المدمر،وتوحد شطري او جناحي الوطن، وتفعيل وتطوير التحركات الداعمة للاسرى البواسل.

لقد مرت علينا أحداث كثيرة وشاهدناها جميعا ‏,‏ وللأسف معظم هذه الأحداث كانت مريرة تترك في قلوبنا كثيرا من الألام والمرارة، وحالة شعبنا في مخيمات اللجوء،ليست بالأفضل من هذا الواقع والحال،فكل الصراعات والخلافات العربية،خلافات الأقطار مع بعضها البعض وخلافاتها وصراعاتها الداخلية، يدفع شعبنا من خلالها الثمن، طرد وتهجير ولجوء جديد،ومطاردة في الحقوق والوجود المؤقت ولقمة العيش وهذا ما يجري على وجه الخصوص في مخيمات سوريا حيث تختطف المخيمات قوى ارهابية ظلامية تكفيرية هدفها الاساسي تهجير شعبنا وفقا للمشروع الامبريالي الصهيوني لشطب حق العودة ، وهنا علينا أن نعترف بأن أداء قياداتنا،ليس بحجم تضحيات شعبنا،بل نرى انها احيانا في واد والشعب الفلسطيني باغلبيته في واد آخر،وحتى داخل الفصيل الواحد تجد تعارض وليس تعدد إجتهاد وحرية رأي وتعبير،فهي أبعد عن ذلك في التصريحات والمواقف والنهج،وفي قضايا مفصلية وجوهرية،وجدنا بأن شعبنا اصبح متقدم على قياداته وفصائله ،وهذا ما نراه في المخيمات الفلسطينية واماكن اللجوء والشتات ، فهذا الشعب العظيم يحلم أن يجني ثمارا متلألئة بالوحدة الوطنية الحقيقية والمشاركة الفعالة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وهو يناضل من اجل استرجاع حقوقه الوطنية المشروعه وفي مقدمتها حق بالعودة الى دياره التي هجر منها وفق القرار الاممي 194 وليس حل عادل لقضية اللاجئين ، وهنا نتساءل ، هل لنا ان نتفاءل ، ونحن نودع عاما انقضى بالهم والشقاء بعد أن تجرع الشعب الفلسطيني العلقم سنين متواصلة ، ولم تغادره الهمة بان أياما قادمة ستكون اقل عتمة من السابقات ، وأدنى الى التفاؤل من الماضي .

عام يمضي وهو يمثل نقطة تحول في مسار العالم كله في ظل الهجمة الأمريكية الاستعمارية الارهابية التكفيرية التي تستهدف مصادرة ثروات الشعوب والدول العربية وتقسيم المنطقة الى كنتونات طائفية ومذهبيه واثنيه ، والسيطرة على القرار و حماية الكيان الاسرائيلي من خلال العودة الى سايكس ـ بيكو القديم بنسخة جديدة منه، وللاسف بالتآمر الواضح من الدول الرجعية في المنطقة ، وتسعير الشعور المذهبي الطائفي والمتبلور بشكله الجديد "عبرعصابات داعش والنصرة " الذي لا تعرف سوى لغة القتل والتدمير وقطع الرؤوس وارتكاب افظع المجازر بحق الشعوب العربية ، حيث تخوض الوى الامبريالية والاستعمارية من خلالها معركة تدمير الدول والكيانات الوطنيه في سوريا والعراق وتمزيق وحدتهم ، وضرب وحدة استقرار لبنان ، ومصر واليمن وتدمير ليبيا بهدف الوصول للقضاء على نضال شعب فلسطين من أجل تحقيق حقوقه الوطنية المشروعه، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وحق الشعب الفلسطيني بالعودة الى دياره، وان ما تمارسه عصابات الارهاب هو لإبادة التنوع الثقافي والقومي والطائفي في منطقتنا، وتحويلها الى دول دينية وطائفية كما يبشر ” فوكومايا” من جديد بعد فشله السابق في توقع نهاية التاريخ .

من هنا نرى ان صمود قوى المقاومة وسوريا في معركة ضد الحاضر والمستقبل العربي، بمواجهة الحلف الأميركي وقوى الظلام والرجعية هو بكل تأكيد الذي يشكل بوصلة النضال الوطني نحو رسم مستقبل المنطقة ، وهذا يستدعي من كافة الاحزاب والقوى العربية توحيد جهودها وطاقاتها وابقاء البوصلة باتجاهها الصحيح نحو فلسطين القضية المركزية للامة .

وامام كل ذلك نتطلع الى لبنان وما تحمله الأيام القادمة من اجابة بعد لقاء حزب الله - المستقبل، وما يسفر عنه من نتائج قد تصل لانتخاب رئيس جمهورية، وإجراء انتخابات نيابية مؤجلة منذ سنوات، وصيانة وحدة لبنان واستقراره وامنه والحفاظ على مسيرة السلم الاهلي ، واطلاق سراح الجنود اللبنانيين المختطفين الذين يقبعون في كهوف الإرهاب بإنتظار مفاوضات نأمل ان تنجح في اطلاق سراحهم ، ومواجهة ما يتعرض له لبنان من مخاطر القوى الارهابيه والعدو الصهيوني .

عام مضى وفيه انجاز كبير هو انتصار كوبا واطلاق سراح اسراها الابطال ، وهذا الانتصار سيعطي حافز لكل المناضلين في حركة التحرر العالمية والعربية، وفي المقدمة المقاومة العربية ، الذي سيعزز من صمودها في التصدي للإرهاب الصهيوني الاستعماري التكفيري ، ويحقق الانتصار لفلسطين وسوريا ولكل قوى المقاومة كما انتصرت كوبا .

ختاما: لا بد من القول ، يرحل عام بطعمه المر و لونه الأسود على شعب لا يزال صابرا وصامدا يجترح المعجزات ويصارع المستحيل خلف خطوط المستحيل، وننتظر ما يخبئه لنا العام الجديد، فلم يعد يرهبنا شيء، بعد أن تعودنا الوجع والصبر والصمود وكذلك الانتصار، وبعد أن تعودنا الموتَ مرات ومرات دون أن نُسلم أو نَستسلم ، فعلينا ان نتوقف امام ‏الأخطاء والإخفاقات، و الإنجازات، وان نسعى الى التغير وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات الشعب الفلسطيني ، فهل نشهد العام القادم انهاء للانقسام الكارثي وتطبيق للاتفاقات المصالحة وتعزيز للوحدة الوطنية الفلسطينية قائمة على شراكة وطنية حقيقية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها ورسم استراتيجية وطنية تستند لخيار المقاومة بكافة اشكاله حتى جلاء الاحتلال وتحقيق رايات الحرية والاستقلال والعودة.