صمتت أصوات المدافع وتوقف زئير الدبابات وتراجع تحليق غربان الاحتلال في سماء غزة كما توقف شلال الدم الذي سال بغزارة في شوارع غزة وازقتها قرابة شهرين ، توقف العدوان ولم ينتهي فما زال كامنا يمكن أن يطل برأسه في كل وقت ، فبرغم مضى ما يقارب شهور اربعة على توقف العدوان الهمجي الذي تعرض له قطاع غزة على مدار واحد وخمسون يوما انهمرت خلالها أطنان القذائف وحمم الصواريخ على هذه البقعة الضيقة جغرافياً والاكثر كثافة للسكان في العالم، مخلفا وراءه وفقاً للإحصاءات الأقرب إلى الدقة خسائر باهظة في الارواح بلغت 2174 شهيداً ، بينهم 530 طفل ،و302 امرأة، كما أصاب بجروح 10870 منهم 3303 طفل ، 2101 امرأة. كما أدى إلى تدمير هائل في البيوت والممتلكات حيث دمر ما يقارب 30000 ألف منزل بين تدمير كلي وجزئي ، بالإضافة ما أصاب البني التحتية من خراب فقد دمر العدوان 9 محطات لمعالجة المياه ، و18 منشأة كهربائية ، 372 و مؤسسة صناعية وتجارية ، 55 قارب صيد، 10 مستشفيات، 19 مركز صحي ، 36 سيارة إسعاف ، 141 مدرسة حكومية، 76 مدرسة أونروا و 48 جمعية، وتدمير محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة مما أغرق غزة في ظلام دامس استمر لفترة إلى أن عاد لوضعه السابق وفق برنامج الساعات الستة إنارة مقابل ظلام طيلة ما تبقى من وقت ، باختصار شديد يمكن القول إن ما تعرضت له غزة من العدوان كان الأكثر شراسة من ما سبق بل كان شكلا فظا من أشكال حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ، واليوم بعد مضي الشهور الأربعة على توقف العدوان و تلاشت سحب الدخان المنبعث من حمم قذائف العدوان التي انهمرت على القطاع طيلة 51 يومًا، وبعد أن كفكفت آلاف العائلات دموعها حزنًا على من فارقت في هذه الأيام ينفتح جرحا كبيرا في قطاع غزة حيث ما زال آلاف يرقدون على أسرة المستشفيات على أمل الشفاء القريب والعودة للحياة الطبيعية ومع كل هذا الألم العميق تنكشف المأساة الأكبر التي تعيشها عشرات الآلاف من الأسر الذين دمرت بيوتهم هؤلاء الذين خرجوا هائمين على وجوههم بعد أن تحولت منازلهم إلى ركام ، لقد كشف هذا الوضع المر نشوء أزمة إنسانية كبيرة تتمثل بأن الآلاف الأسر تعيش في مراكز الإيواءأو في خيم نصبتها فوق بيوتها المدمرة ، ومما يعمق هذه الأزمة ويزيد من حدتها آلة التسويف والمماطلة الشديدة تشوب عملية إعادة الاعمار رغم أن مؤتمر الاعمار الذي نظم في مصر مطلع أكتوبر الماضي نجح في الحصول على تعهد الحاضرين بتقديم مبلغ خمسة مليارات دولار إلا أن شيئا من ذلك لم يصل بل وباتت عملية إعادة الاعمار خاضعة للقيود المحكمة التي تفرضها خطة روبرت سيري على عملية إعادة الاعمار وإخضاعها لرغبة الطرف الإسرائيلي في كثير من بنودها علاوة على استمرار التذرع بعدم تمكين حكومة الوفاق من دورها كل ذلك يؤدي إلى استخدام عملية إعادة الاعمار مرة أخرى في إطار ابتزاز الفلسطينيين ومحاولة فرض ما سعت له دولة الاحتلال بتنظيم الحصار وليس إنهائه على قطاع غزة , ومما لا شك فيه أن بقاء هذه الآلاف من الناس المتروكين بدون عناية تذكر في مئات المدارس والكراجات والخيم التي لن تقيهم زمهرير الشتاء ، إن ذلك يضع كل هؤلاء في مكان تتعرض كرامتهم فيه لامتهان الكرامة تارة بكبونة مساعدات وتارة أخرى بفتات مالي لا يكفي لإيجار غرفة تقيهم برد الشتاء، إن هذا الوضع البائس خلق في قطاع غزة واقعاً أليما يزداد احتقانه يوما بعد الآخر خاصة بعد أن توقفت مسيرة المصالحة في ضوء التفجيرات التي نسبت لجهات متطرفة قبيل مهرجان الرئيس الراحل ياسر عرفات الأمر الذي أدى إلى تعطيل مسيرة المصالحة وتوقف عملية تمكين حكومة الوفاق مما أدى إلى رفع منسوب القلق لدى المواطنين بل وافقدهم بصيص الأمل المعقود على حكومة الوفاق الوطني كون عملية إعادة الاعمار مرتبطة بتمكينها وفقاً لاشتراطات المانحين ،وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس في قطاع غزة نتيجة العدوان واستمرار الانقسام وانسداد الأفق راهنا أمام المصالحة زادت الأمور تعقيداً في غزة فقد وضعتها التحالفات التي تنشئ بشكل مريب في غزة وارتفاع منسوب الجريمة وتنامي الفكر المتطرف التكفيري بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات الضريبة الأخيرة التي فرضتها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة على حافة الانفجار يمكن حدوثه في أي وقت ، والمراقب للوضع في قطاع غزة يلاحظ دون عناء عمليات إقحام القطاع الصحي هذا القطاع الحيوي والإنساني في التجاذبات السياسية فقد شهدت المستشفيات في قطاع غزة كافة سلسلة من الإضرابات منها المبرر ومنها غير ذلك كما تفاقمت الأزمة الحادة الناجمة عن نقص غاز الطهي جراء بدء أجهزة وقوى الأمر الواقع في قطاع غزة، ودون موافقة حكومة التوافق وجهات الاختصاص بفرض ضريبة تقدر بأربعة شواقل على كل اسطوانة غاز مما يمثل بالإضافة لما يجري الحديث عنه من التوجه لرفع رسوم الترخيص للسيارات ، عبئاً إضافياً جديداً على كاهل المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة الارتقاء المضطرد لأسعار السلع الاساسية وفرض الضرائب بشكل متواصل وبتصاعد لم يعد يطاق ، ومما يفاقم من حدة الأزمة ويرفع منسوب حالة الاحتقان استمرار إغلاق معبر رفح للشهر الثاني على التوالي وما يخلفه ذلك من أزمة تطال كل مجالات الحياة ، وفي كل هذا المشهد يتواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع ويشتد الحصار وتستمر الخروقات الإسرائيلية للتهدئة وتتصاعد التهديدات على ألسنة قادة الاحتلال وكأنهم ينسجون خيوط عدوان جديد على قطاع غزة وقد أدى ذلك إليإصابة العديد من المواطنين استشهاد أحدهم في ظل تأخر استئناف مفاوضات التهدئة الغير مباشرة التي ترعاها مصر,
في ضوء ذلك يمكنني القول أن استمرار هذه الحالة المتشابكة داخلياً وخارجياً، واستمرار السياسة التي لا تقيم أي وزن لحياة الناس وكراماتهم الشامخة ولا تأخذ بعين الاعتبار صمودهم وتضحياتهم الجساموتتعامل معهم مجرد أرقام في قوائم الضحايا بل وفي غالب الأحيان تستثمر تضحياتهم في دواوين الملوك والأمراء ويجري ترسيم صمودهم وقوة شكيمتهم كانتصارات توزع بمثابة هدايا لهذا وذاك دون أي تقدير لهم هم أصحاب هذا المجد مجد البطولة والصمود الذي لم ينكسر ، وفي ظل التعطيل المستمر لمسيرة المصالحة الوطنية رغم المحاولات التي تبذل مؤخرا لإخراجها من حالة الجمود التي تعيش فإن كل ذلك سيؤدي بدون شك لزيادة حالة الاحتقان العامة ويوفر بيئة مناسبة لانتشار أفكار التطرف وهو ما شهده قطاع غزة من توزيع بيانات تحمل تهديداً فظا للنساء والمثقفين وقادة الرأي علاوة على العودة مجددا للغة التخوين والتكفير الغريبة عن ثقافة شعبنا الفلسطيني. ,امام كل هذا والحالة هذه لا بد من القول أن ما يعيشه الناس في قطاع غزة من أوضاع بلغت صعوبته مداهابات يتطلب بسرعة ودون أي تأخير العمل على استئناف مسيرة المصالحة وازالة ما يعترضها من عقبات وصولاً لتمكين حكومة الوفاق الوطني وقيامها بدورها في إعادة إعمار ما دمره العدوان ومباشرة اعتمادها لبرامج تنمية شاملة تعيد لعشبنا الفلسطيني كرامته الانسانية وتحفظ لغزة مكانتها وطابعها الاصيل باعتبارها رافعة للمشروع الوطني لتتمكن من الاستمراربدورها المميز في مسيرة الكفاح الوطني كما كانت على الدوام ، وبغير ذلك فإن غزة الان تقف على حافة انفجار وشيك في وجه كل محاولات التسويف والمماطلة واستمرار اللف والدوران في حلقات تبخس غزة حقها تارة بتقديم الوعود وتارة اخرى بتقديم أنصاف الحلول ،إن غزة لن تقبل باي حال من الاحول استمرار الانتقاص من دورها ومكانتها كما ترفض بكل عزة وشموخ استمراررهنها لأجندات خارجية ، إن غزة التي عرفتها عن قرب منذ أن أتيحت لي قبل ثمانية عشر عاما فرصة العودة لهذا الجزء العزيز من الوطن هي ككل فلسطين ستعرف طريقها لاسترداد كرامتها المسلوبة فهي لا تقبل أنصاف الحلول كما لا يعجبها أنصاف القادة الذين يرتجفون قبل أن يعيدوا غزة لمكانها الطبيعي في قلب الوطن في قلب دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس،وبنفس هذا القدر من العنفوان والكرامة لا تقبل أن تغرق في مستنقعات التطرفوالظلمات وهي التي صمدت في وجه الاحتلال ولم يستطع البحر ابتلاعها كما أرادها قادته .
*عضو المجلس المركزي الفلسطيني
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب
[email protected]
غزة : 29—12-2014