بغير بشاشةٍ ولا احتفال، ودون سعادةٍ أو فرح، ولا ابتهاجٍ أو زينةٍ، وبغيظٍ شديدٍ وحنقٍ كبير وإن لم يبدُ على الوجوه، ولم يظهر في السلوك وعلى التصرفات، يستقبل اليهود في كل مكانٍ عيد الميلاد المجيد، متظاهرين أنهم به فرحين، وله مستقبلين، ولطقوسه مقدسين، وللديانة المسيحية محترمين، ولأتباعها مقدرين.
فلا يبدون ضيقاً من مظاهر الزينة، ولا يتبرمون من شجرة الميلاد المزينة والمضاءة، ولا يظهرون انزعاجهم من بابا نويل الذي يطوف على الصغار والكبار يحمل الهدايا والمفاجئات كما يعتقد المسيحيون.
ولا يصدر حاخاماتهم فتاوى ولا مواقف، بل يصمتون ويسكتون، إلا أنهم يمنعون أبناء دينهم من الاحتفال بهذا اليوم، أو الفرح فيه، إذ لا يرون فيه يومهم، ولا يعتقدون بأنه يخصهم، بل إنهم يجدون فيه منافساً لأيامهم، ومتعارضاً مع دينهم.
إذ كيف يحتفلون بيوم ميلادٍ رسولٍ "بزعمهم" أنه قتلوه وصلبوه، وأنهم حاربوه وعاندوه، وتحالفوا ضد تلاميذه، وشردوا أتباعه، وعذبوهم ونكلوا بهم، وصلبوهم على جذوع الأشجار، ومشطوا رؤوسهم بأمشاطٍ من حديدٍ، وحرقوهم وقطعوا أيدهم وأرجلهم من خلافٍ، وسملوا عيونهم، وجذعوا آنافهم، وقطعوا ألسنتهم، ومنعوهم من التبشير بدينهم، وهدموا صوامعهم وأديرتهم، واعتدوا على رهبانهم وقسسهم، واستهزأوا بكهنتهم ومطارنتهم، وألبوا الأباطرة والملوك عليهم، وحرضوهم على حربهم، وأسدوا لهم النصح لطردهم وإقصائهم، وخوفوهم من دينهم، وحالوا بينهم وبين الإيمان به، فجعلوا حياة أتباع المسيح عليه السلام عذاباً متواصلاً، ومعاناةً دائمة، وألماً لا ينقطع.
لعل المسيحيين الحقيقيين، المشرقيين والأرثوذكس منهم على وجه الخصوص الذين جاوروا اليهود على مر الحقب التاريخية، أكثر من يعرف الحقد اليهودي على دينهم، والمعاناة القاسية التي تعرض لها أتباع دينهم على أيدي اليهود، لذا فإهم لا يغفرون لهم جرائمهم، ولا ينسون أنهم كانوا يقتلون أطفالهم، ويوخزون بالإبر أجسادهم، ويصفون دماءهم، ويمزجونها في الفطير الذي يصنعونه، ويوزعونه على جميع أبنائهم الحاضرين، لتنالهم البركة، ويحل عليهم الرضا، وتتنزل الرحمة والغفران، وأنهم لم يتخلوا عن هذه العادة القبيحة إلا لقوة المسيحيين واستعلائهم، وحاجتهم إليهم واعتمادهم عليهم.
لا يغفر المسيحيون الشرقيون لليهود الذين يمنعونهم من إحياء ليلة الميلاد في مدينة المهد، ويحولون دون إيقاد الشموع في كنيستهم، ويمنعون الحجاج المسيحيين من كل أنحاء العالم من الوصول إلى مهد نبيهم، وكنسية رسولهم، وينغصون عليهم في يومهم الأغر، وعيدهم الأعظم، فيشعرون بكثيرٍ من الأسى وهم يرون أقدس أماكنهم تدنس ولا تقدر، وتهان ولا تقدس، إذ يحيط بها جنودٌ مدججون بالسلاح، يدفعون المصلين، ويصدون الوافدين، ويعتدون على المؤمنين، ويعترضون على المحتفلين، وينغصون عيش الساكنين، ويعتدون بالضرب على المواطنين، ولا يراعون حرمة مكان ولا خصوصية يوم.
اليهود في هذا اليوم ليسوا فرحين ولا مبتهجين، بل إنهم حاقدون وناقمون، وحاسدون وكارهون، وعلى المسيحيين بكل طوائفهم أن يعرفوا ذلك، وأن يكونوا على يقينٍ أن اليهود لا يدفنون أحقادهم، ولا ينسون ثاراتهم، ولا يتخلون عن عاداتهم، فهم لا يحبون الخير لغيرهم، ولا يتمنونه لسواهم، ولا يرضون عن أحدٍ حتى يتبع ملتهم، ويلتزم منهجهم، ويؤمن بتوراتهم، ويسلم بهرطقاتهم، ويرون أن الله انتقاهم من بين البشر، واصطفاهم من بين الخلق، الذين سخرهم لهم عبيداً، يخدمونهم ويركبونهم، ويقضون بهم وعليهم حاجاتهم.
لكن آخرين من اليهود يفرحون في هذه الأيام من جانبٍ آخر ولأسبابٍ مغايرة، إذ يتهيأ تجارهم ورجال الأعمال منهم لهذه الأيام الخاصة طمعاً ورغبةً، وجشعاً ونهماً، إذ يتجهزون لكسب المزيد من الأموال، وبيع الكثير من المنتجات، وتنشيط مختلف المرافق والفعاليات، مستفيدين من حركة الزوار وكثافة السياحة وأعداد الحجاج الوافدين، والمؤمنين المحتفلين، فيعمرون فنادقهم، ويروجون بضائعهم، ويزيدون في دخل شركات الطيران والنقل والسياحة، بشراهةٍ ونهم، وجشعٍ واحتكار، واستغلالٍ دنيءٍ ومعاملة سيئة، تعكس جبلتهم القديمة، وعاداتهم السيئة القبيحة، التي كان يكرهها الأوروبيون المسيحيون وهم الذين جاوروهم وخبروهم، وعانوا منهم وشكوا من سلوكهم، وذاقوا مرارة غدرهم، وعاقبة الاطمئنان إليهم والوثوق بهم.
يخطئ العالم المسيحي عندما يصدق اليهود ويؤمن بهم، ويضل عن الحق عندما يتعاطف معهم ويناصرهم، ويخون المسيحيون دماء السابقين، ويفرطون في تضحيات المؤمنين عندما يلينون مع اليهود، ويحسنون معاملتهم، ويفضلونهم على أنفسهم، ويتبرعون لهم من أموالهم، ويتنازلون لهم عن حقوق مواطنيهم تكفيراً لهم عن ذنبٍ لم يقترفوه، وجريمةٍ لم يرتكبوها، ويجرمون في حق أجيالهم عندما يحالفونهم ويعينونهم على باطلهم، ويساعدونهم على الهيمنة والاستعلاء، ويأخذون بأيديهم نحو مزيدٍ من الظلم والقهر، وهم يعلمون أنهم ظالمين ومستبدين، وطاغين ومعتدين، وأنهم يستقوون على الآخرين بمال الغرب المسيحي، ويبطشون بسلاحه، ويرهبون جيرانهم، ويطردون أصحاب الحق من أرضهم، ويثبتون أنفسهم، ويرسون قواعد كيانهم الغاصب بنفوذهم وسلطانهم، وهم يدركون أنهم بدون هذا الدعم والإسناد فإنهم يزولون ويذهبون، ويغيبون ولا يبقى لهم وجود.
في يوم مولد السيد المسيح، رسول الله وروحٍ منه، وكلمته التي ألقاها إلى مريم، الرسول الذي عرف الآلام، وعانى من دروب العذاب، وسار على الأشواك، واحتمل الظلم والاضطهاد، واكتوى من نار اليهود، وخبر حيلهم ومكرهم، وتأذى من خبثهم وغدرهم، فإن الفلسطينيين يأملون أن ينتصر أتباعه المسيحيون الصادقون لقضيتهم، وأن يقفوا إلى جانبهم، وأن يؤازروهم في حقهم، وأن يدعموا صمودهم، ويؤيدوا مقاومتهم، فرسولهم الذي نؤمن به كان هو الفدائي الفلسطيني الأول، وهو الذي دعا إلى مقاومة الظلم ورد العدوان، ودعا من لا يملك سلاحاً أن يبيع قميصه ويشتري به سيفاً، فلا تعيبون علينا مقاومتنا، ولا تناصرون علينا عدونا، وهو الظالم لكم قديماً، والمعتدي على رسولكم كثيراً، والمعتدي علينا وعلى مقدساتنا ومقدساتكم حديثاً.