في إسرائيل.. كل شيء انتخابات

بقلم: غازي السعدي

اختلط الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي الإسرائيلي، بإقحام هذه العناوين الكبيرة في المعركة الانتخابية للكنيست، وفيما يجري الحديث عن انتشار حالة الفقر في إسرائيل، التي شملت نحو مليون مواطن، وافتقادها للأموال اللازمة لإنعاش حالة الفقر، ومعالجة القضايا الاجتماعية المتراكمة، أضافت الحكومة ستة ملايين شيكل لموازنة الجيش، فجأة مئات ملايين الشواكل، لضخها للمستوطنات، ووفقا ً لجريدة "يديعوت احرونوت 22/12/2014"، وحسب تقرير الفقر فإن كل ولد رابع في إسرائيل وعددهم (950) ولداً فقيراً ينام وهو يعاني من الجوع، فللفقراء لا يوجد ميزانيات، بينما للمستوطنات كل شيء متاح، فإن كل ما يجري حالياً في إسرائيل، يندرج في اصطياد أصوات الناخبين، حتى أن الهواء تلوث من كثرة المناكفات بين الأحزاب، وقد أصبح كل شيء متاحاً للوصول إلى كرسي الحكم، وبينما تحتل الأوضاع الاقتصادية والحياتية والاجتماعية الاهتمام الأول للإسرائيليين، فإن "نتنياهو" يركز على الأوضاع الأمنية.

"نتنياهو" الذي رفض في الماضي، رفع الحد الأدنى لأجور العمال والموظفين تذكر أنه ومن أجل الانتخابات يجب رفع الحد الأدنى ليصل إلى سبعة آلاف شيكل شهرياً، وتخفيض ثمن الشقق السكنية بـ 20%، لكن المستشار القضائي للحكومة، أوقف هذه القرارات، لأنها تأتي عشية الانتخابات، كي لا تعتبر رشاوى انتخابية، كما أن المستشار القضائي، أوقف تعيين المدير العام للشرطة الإسرائيلية، ومفوض جديد لمصلحة السجون، كي لا يستغل هذا التعيين للانتخابات من قبل الحكومة.

"نتنياهو" يستغل كل حدث من قبل الفلسطينيين، مثل إطلاق صاروخ، أو عمليات مسلحة، وحتى شراء إسرائيل أربع سفن حربية من نوع "ساعر" الألمانية السريعة، للحفاظ على أمن آبار الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط، متذرعاً بتهديدات حزب الله وصواريخها، كل هذه يستغلها في حملته الانتخابية، ويتهم حركة حماس بمحاولة السيطرة على الضفة الغربية، للقيام بمهاجمة إسرائيل كذلك يحذر من خطر الإرهاب في الشرق الأوسط الذي قد يصل إلى إسرائيل، لتخويف الناخبين، فإنه هو الوحيد القادر على الحفاظ على أمن إسرائيل من "داعش" وغيرها، فرئيس شعبة الاستخبارات السابق، رئيس أبحاث معهد الأمن القومي حالياً الجنرال "عاموس يدلين"، ينتقد حالة الهلع التي يروجون لها في المعركة الانتخابية، ويقول بأن "داعش" لا تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وحسب محللين إسرائيليين، والصحفي المعروف في جريدة "هآرتس" "تسفي بارئيل 17/12/2014" فإن عدو إسرائيل الأخطر هو التطرف الإسرائيلي، واليمين الإسرائيلي، حتى أن رئيس حركة مستقبل "أزرق أبيض" الإسرائيلية "دار ندلر"، يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لوقف انزلاق إسرائيل إلى الهاوية، ويدعو الصحفي "زئيف تسحور"-"يديعوت احرونوت 27/11/2014"، إلى عدم تفويت الفرصة، لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، للتحرر من أعباء المشكلة الفلسطينية، وبدء حياة طبيعية.

وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" المشهود له بتطرفه وعنصريته، طلع علينا هذه الأيام، بنهج جديد من المؤكد أنه جاء لأسباب انتخابية ليس إلا، فهو يتهم "نتنياهو" بإبقاء الوضع دون طرح مبادرة سياسية لحل الصراع مع الفلسطينيين مما سيؤدي إلى "تسونامي" سيضربنا إذا تواصلت الأمور على هذا النحو، محذراً من فرض عقوبات على إسرائيل، وتدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وقال:"أنظروا إلى ما يحدث في روسيا، فدول العالم لم تعد تتحمل الاحتلال، واستمرار الاستيطان، فالعقوبات بدأت تحاصر منتوجات المستوطنات، في وضع "ليبرمان" المتطرف العنصري .. كل شيء مباح حتى الدعوة للسلام، كذلك فإن جامعات أميركية وأوروبية أخذت تحاصر إسرائيل، وحسب "هآرتس" 7/12/2014 فإن الإدارة الأمريكية تدرس اتخاذ إجراءات عملية وقاسية، ضد قرارات إسرائيل بمواصلتها البناء الاستيطاني في القدس وفي الضفة الغربية، وأنهم يدرسون الانتقال من الاستنكار، إلى فرض إجراءات حقيقية.

رئيس الموساد السابق "أفرايم هليفي" يدعو إلى التفكير بخيارات أخرى غير الحرب ويضيف:" لو أن رئيس الحكومة، كان يعلم أن الحرب على غزة، "الصخرة الصلبة"، ستدوم "50 يوماً"، ولو علم ماذا ستكون نتائجها السلبية، كان سيتردد في اتخاذ قرار الحرب، إذ أن ثلاث جولات من الحرب على القطاع بلا حسم، وأن المطلوب التفكير بخيارات أخرى، وهذا هو الفرق بين "العيش على السيف إلى الأبد"، وكأنه قضاء وقدر وبين اختياره طواعية، فقد خرجت حماس من جميع عمليات إسرائيل العسكرية ضدها، أقوى من ما كانت عليه، والقول لـ "هليفي".

الوزيرة السابقة "تسفي ليفني"، ردت على الانتقادات الموجهة لها من اليمين الإسرائيلي الذي أصيب بالهستيريا، وأن العالم يصغي إليها وليس إلى "نتنياهو"، وذلك بعد أن طلبت من الرئيس "باراك أوباما"، منع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار بتحديد هامش زمني لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، وفقاً للمشروع الأردني-الفلسطيني، مدعية أن مثل هذا القرار، سيعزز اليمين الإسرائيلي، ويفضي إلى فوز "نتنياهو" في الانتخابات، وتساءل موقع "نيوز -1" الإخباري الإسرائيلي "24/12/2014": هل أن "أبو مازن" يدرك ما أدركته "ليفني"؟ من أن إقرار مجلس الأمن بانسحاب إسرائيل من الضفة، سيدفع بالناخب الإسرائيلي لانتخاب "نتنياهو"، ويضيف الموقع، بأن "أبو مازن" أدرك ذلك، وأن التأجيل في مصلحته، فلأول مرة أفادت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، أن رئاسة "نتنياهو" للحكومة القادمة، أصبحت غير مضمونة، رغم أنه من السابق لأوانه، التوصل إلى حسم نتائج الانتخابات قبل أن تبدأ، إذ أن جميع الاحتمالات واردة.

لقد وضع "نتنياهو" عنواناً لحملته الانتخابية، بأن القدس ستبقى موحدة تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد، واستغل أقوال "تسفي ليفني" التي حضرت مراسم دينية في موقع حائط المبكى، بأن هذا الحائط سيبقى للأبد لإسرائيل، فـ"نتنياهو" الذي يريد تحويل كل شيء لصالح معركته الانتخابية قال: هل تكتفي "ليفني" بالحائط دون القدس الموحدة؟ فكيف الوصول إلى الحائط إذا تنازلنا عن القدس الشرقية؟ هل سنصلها بالمجنزرات أم بطائرات الهيلوكبتر، أم بالقوافل المسلحة إذا قسمنا القدس، إنه يستغل موضوع القدس للمناكفة والدعاية الانتخابية، وهذا يذكرنا بحملات انتخابية سابقة، عندما رفع "نتنياهو" في حملاته الانتخابية، شعار أن "بيرس" سيقسم القدس، وها هو يطرح نفس الشعار، في مهاجمة خصميه "ليفني" و"هرتسوغ"، بل ويحمل حزب العمل مسؤولية سيطرة حماس على الضفة الغربية، في حين يتهمه حزب العمل، بأن سياسته أوصلت إسرائيل إلى الهاوية.

إسرائيل لا تملك خطة سياسية لحل القضية الفلسطينية، حتى أن "نتنياهو" يتهم "أبو مازن" بتشجيع الإرهاب، وبتنمية أوهام مستحيلة لشعبه، مثل عودة اللاجئين، والانسحاب إلى حدود عام 1967، بما في ذلك القدس، وبإخلاء المستوطنات، لكن ليس كل إسرائيل "نتنياهو"، مع أن الخارطة الحزبية-السياسية في السنوات الأخيرة، تتجه نحو اليمين والتطرف، وعلى سبيل المثال، فإن رجل الأعمال "كوبي رايختر" يديعوت احرونوت 17/12/2014" وهو طيار حربي سابق، ومستثمر في المجال التكنولوجي، يخشى من عزلة إسرائيل دولياً، وانهيارها اقتصادياً نتيجة رسائل المقاطعة التي تصلها من الدول الأوروبية، ويذكر بالمقاطعة التي هدد بها الرئيس الأميركي "كينيدي" لفرنسا إن لم تنسحب من الجزائر، ووضع مشابه لجنوب إفريقيا في المقاطعة التي طالتها في سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وأن إسرائيل تمر بوضع مشابه، وأن الاحتلال يشكل التهديد الوجودي الوحيد لإسرائيل، وأن السلام هو الحل والمخرج الوحيد لإسرائيل، ويتهم الصحفي المختص بالشؤون العربية "تسفي برئيل" "هآرتس 17/12/2014"، بأن إسرائيل في الطريق إلى تحولها لدولة منبوذة عالمياً.

وكما ذكرنا بأن كل شيء في إسرائيل انتخابات، فإن المرحلة الحالية التي يجري فيها إعداد مرشحي الأحزاب لوضعهم في قوائمهم الانتخابية، البعض من خلال "البرايمرز" أي الانتخابات الداخلية، والبعض الآخر بالتعيين، و"نتنياهو" عقد اتفاق مع خبير أميركي مخضرم بالشؤون الانتخابية، وبالدعاية لها، كان مسؤولاً عن حملة الجمهوريين في الولايات المتحدة، التي أدت إلى نجاحهم في الانتخابات البرلمانية النصفية لعله ينقذ "نتنياهو" من الغرق في هذه الانتخابات، فالاعتقالات التي طالت نحو (40) مسؤولاً برلمانياً ومستشارين لوزراء، وجميعهم من حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يرأسه "أفيغدور ليبرمان" صباح الخميس 25/12/2014، في واحدة من عشرات قضايا فساد ورشوة ضخمة في إسرائيل، باتهامهم باختلاس نحو (15) مليون شيكل، من أموال المساعدات للجمعيات، فقائمة الفساد في إسرائيل كبيرة، والتي طالت رئيس دولة، ورئيس حكومة، ووزراء ونواب كنيست، ومسؤولين ورجال أعمال، لكن السؤال لماذا هذه الاعتقالات الآن؟ هل هي لتحول "ليبرمان" إلى الوسط، ومعاقبته في توجيهه انتقادات لاذعة لسياسة "نتنياهو"؟ فهل توقيتها ضمن الحملة الانتخابية؟ ولماذا يجري اعتقال الصحفي "جدعون ليفي" والمصور الذي كان يرافقه، لدخولهما منطقة A في الضفة الغربية، التي يحظر على الإسرائيليين دخولها، هل لهذا السبب؟ أم لأنه يعد تقريراً أسبوعياً عن التجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم؟ فأين ديمقراطية إسرائيل المزعومة وحرية الصحافة لديها؟ وفي بحث إسرائيلي جديد "هآرتس 23/12/2014"، يؤكد أن التوتر والخوف من أخطار المقاومة، يضاعف أعداد الإصابة بمرض القلب والجلطات، وأخيراً فإذا كان التطرف الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي، يشكلان عدو إسرائيل الأخطر، اللذان يؤديا إلى انهيار إسرائيل ، فلماذا علينا محاربته، بل لنتركه يخوض الحرب نيابة عنا.