تنطوي صفحة عام مضى حمل الكثير من الأحداث للقضية الفلسطينية أبرزها حرب غزة المدمرة والإعتداء على القدس ومقدساتها وتزايد عدد الشهداء والأسرى والسيطرة على مزيد من الأراضي والإستيطان وغيرها من الأحداث التي حفرت في الذاكرة عل الأجيال القادمة تستذكرها في كتبها حول تاريخ قضيتها المتتالي الذي لا ينتهي نزفه منذ نكبته حتى هذه اللحظة .
تنطوي صفحة العام وقد تركت حال المصالحة الفلسطينية متجمداً لا يبرح أن يتحرك من مكانه لا أفق أمل فيه ، وبقيت صراعاتنا ومناكفاتنا السياسية تطل برأسها السام كل يوم لتُميت ما بقي فينا من أمل أن يصلح حال حياتنا ونعود لوحدتنا ورص صفوفنا .
طوي العام صفحته وغزة في حصارها وقهرها ووحدتها الحزينة لا يزاد عليها إلا المعاناة والألم والحروب والدمار كأنها في عالم لا دخل له في الحياة وليس لها على خريطة الأرض مكان، تصنع وحدها الأمل وتستنشق هواء البحر عله يأتي مع نسائمه الشفاء لحالها والخروج من زجاجة الموت .
ويطوى العام صفحته والإستيطان في زيادة ونهب لأراضي المواطينين في الضفة الغربية والقدس المحتلة لا أفق لحل سلمي ولا طريق مفتوحة للتفاوض إنما المماطلة والكذب والخداع كل ما تحصلنا عليه من كيان لا يؤمن بالسلام ولن يؤمن به على الإطلاق .
تطوى صفحة العام وهويتنا الوطنية مشتتة ومفاهيمها مغيبة حيث غابت عن عقلية الأجيال الكثير من معاني الإنتماء والحب في العطاء وتقديم التضحيات ومؤسساتنا باتت في تراجع في الأداء وتقصير في العمل وما زال الفساد والصراع ينخر الكثير منها ويختفي فيها العدل والمساواة في الحقوق والواجبات .
ينطوي العام وأثر الإنقسام ما زال يجلل علينا بأثره في كل مجالات الحياة وأهمها السياسي والإجتماعي حيث غيبت المؤسسة التشريعية عن العمل وعطل أداؤها بل ازدادت فجوة التشريع من خلال الإزدواج القانوني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وباتت الأراضي الفلسطينة منقسمة في شطري نزاع كل له وجهته وتطلعه ولا نرى إلا بعض لقطات تجمع الخصمين في إتفاق مصالحة جديد لا علاقة له بالواقع وتغير الحال.كما غيبت الحريات والحقوق من خلال ممارسة الإعتقال السياسي من قبل طرفي الإنقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة .
تطوى صفحة العام بالكثير من المشكلات في المجتمع الفلسطيني لم توضع لها الحلول ولن ترسم لها السياسات الفاعلة المطور للأداء والمنتجة لما هو أفضل لنشهد فيه تغيرا ملحوظاً في مجالات الحياة ، فالمسيرة التعليمية لا جديد في مواردها ولا في أساليبها ولا في جودة إنتاجها والإقتصاد لا تقدم في نموه وتطوره ولا إنشاء لمعامل ومصانع تعزز الإنتاج المحلي ولا تقليص لنسب البطالة والفقر، والإجتماعي لا تحسين لأحوال الأسرة الفلسطينية ولا للعلاقات الإجتماعية بين الأفراد ولا تعزيز للمشاركة والتفاعل والإنداماج في مؤسسات المجتمع والمساواة في التوظيف والفرص ، ولا تطوير للبنى التحتية إلا في القليل منها، والسياسة في تخبط وترنح بين حلم بتحقق السلام هنا وإشعال للحرب هناك وتسابق على إكتساب الولاءات من الخارج لإحتساب القوة والموارد الداعمة كأننا دولتين متناحرتين بين شمال وجنوب .
لا ننكر أن صفحة العام إنطوت على بعض الإنجاز القليل في صالح القضية الفلسطينية من زيادة للدعم لها من دول أروبا من خلال الإعتراف لبعض برلمانتها بالدولة الفلسطينية إلا أن هذا لن يحقق لنا على أرض الواقع تغيراً ملموساً في نيل الحقوق وتحقيق الإستقلال بعد أن ختم العام يومه الأخير في الفيتو الأمريكي لتحقيق الإستقلال للدولة الفلسطينية .
كما لا ننكر أسطورة الصمود للمقاومة الفلسطينية في حرب غزة الأخيرة التي مثلت أعظم إنجاز لصالح المقاومة وقدرتها على الإبداع رغم قلة الإمكانيات ومدى قدرتها على التحمل وبث الرعب في قلب الكيان وإيقاع الهزيمة النفسية به قبل إيقاع الهزيمة المادية .
يفتتح مع الساعات القادمة القليلة صفحة عام جديد نحمل فيه الأمنيات الكثيرة على أمل التغير ولمس ما هو جديد في واقعنا ، فلا أريد أن أهول من حجمها ولا سرعة تحققها ولكنها تبقى أمنيات الوعي الجمعي الفلسطيني بالأمل لما هو قادم أن يكون أفضل مما مضى قبله .
لا أريد أن نعول على العالم الخارجي كي يصلح حالنا وأن يغير فينا إنما سأعول على قياداتنا وأصحاب القرار بيننا ومن لهم قدرة على التغير في واقعنا أن يقفوا وقفة صدق مع الذات ويراجعوا النفس قليلاً في ممارساتها وأن ينظروا نظرة حقيقة على الواقع المرير الذي يعيشه المواطن الفلسطيني وأن يتطلعوا لحال القضية ومنجزاتها وأين وصل الحال بنا وما هو المخرج لنا من معاناتنا المستمرة .
أتمنى أن تكون وقفة مع الذات تراجع فيها الأخطاء والتقصير وأن يعترف كل طرف من جهته أنه كان له الحظ والنصيب في الخطأ والتقصير والصواب حيناً كما كان في غيره ممن خاصمه، ولا يدعي كل منهما النبوة ولا الملائكية في تصرفاته ، ويعزم الكل بجد على مصالحة الذات الفردية والجمعية والتوجه نحو التغير لتحقيق بعضاً من أمنيات هذه الشعب الذي طال إنتظاره في البحث عن مخرج لأزماته أو التقليل منها.
أمنياتنا أن يبتدأ العام الجديد صفحته برسم سياسات موحدة تصبو بنا نحو التطور والتغير وبتحقق وحدتنا الفلسطينية وطي صفحة الإنقسام البغيض وإنهاء الولاءات العصبية الحزبية وأن تعزز المشاركة السياسة وتعطى الفرص للجميع وأن تقام العدالة والمساوة وأن يفرض القانون ويُحكم في جميع مؤسساتنا وفي تنظيم سلوكياتنا وأن تفتح أبواب الحريات وممارستها وأن نرتقي في تطورنا وأدائنا في مجالاتنا كلها وأن نعزز العمل الوطني المشترك في مقاومة العدو الصهيوني بكافة الطرق كي نحقق حريتنا وكرامتنا بأيدينا نحن ولا ننتظر رحمة الغرباء بنا ونحن في فرقة و تخاصم .
و أن نعيد الولاءات لأخوتنا وهويتنا الوطنية وننشىء جيل يتعلق بهذه الأرض ويعرف حقوقه وطريق حريته وننزع من بين صدورنا الشحناء والبغضاء وتهميش الأخر ومحاربته ونرتقي كما كنا من قبل في سنوات الكفاح شعباً واحداً يتألم الكل في ألم الفرد مهما كان توجهه وإنتماؤه فلن يعيد الحق إلا صاحبه ولن تمتلك القوة إلا بوحدة الأفراد والجماعات ولن ينمو المجتمع ويتطور إلا بصدق الإنتماء و العمل المشترك .