يصلُ إلى بيته عِندَ المساء .. يقرعُ باباً خشبياً متهالكاً.. تفتحُ زوجته المُتجمّدة مِنَ البَردِ .. فيُباغتها بالقوْلِ : أتتْ هُدى .. تبدأ الزّوجةُ بالصّراخ عليه .. تقومُ بدفعه مِنْ أمامها بكل قوّتها .. تخرجُ كالمجنونةِ تَحْتَ المطرِ، وتبدأ بالبحثِ عَنْ هُدى في الزُّقاقِ وخلف الشُّجيرات الحانية بفروعها.. تعودُ بعد لحظاتٍ مِنَ البحثِ المجنون مُبلّلةً مِنْ المطرِ.. تسأله بهستيريةٍ تملأُ مُحيّاها أينَ هي؟ أينَ خبأّتها .. يُحاولُ إفهامها بأنّ "هُدى" مُجرّد اسم لعاصفةٍ ستدخلُ المنطقةَ الآن ، لكنّها لا تفهمُ مِنْ كلامه أي شيء .. وتبدأُ بالصُّراخ.. فيرفعُ سمّاعةَ الهاتفِ ، ويتّصلُ بالأرصادِ ويتركُ عمداً مُكبّرَ الصّوت مفتوحاً، فتسمعُ زوجته ماذا يقولُ أحدُ العاملين في محطّةِ الأرصادِ.. تبدأُ الزّوجةُ المسكينةُ بالقهقهةِ بصوتها العالٍ .. وزوجُها المغلوب على أمره يضحكُ خفيةً ومستتراً خلفَ ستارةٍ متّسخةٍ ويقول بصوتٍ خافتٍ يا للسّذاجة ما أجمَلُها .. يتمتمُ في ذاته لا ألومُ هذه المسكينة ، فهي امرأةٌ أُمّيّةٌ ، وبسبب أنّه لا يوجدُ لدينا تلفاز ولا مِذياع ، فمِنْ أينَ لها تعرفُ عَنْ "هُدى"، لكنْ الحمدُ للهِ بأنّنا نملكُ هاتفاً ، ولولاه لكُنتُ تَحْتَ صُراخها أئِنُّ..
في المرّةِ القادمةِ سأقولُ لها بأنّ مُنخفضاً جوياً يدخلُ منطقتنا ، فهكذا هي تستوعب الحديث ، وحينها سأُوفّرُ على حالي إزعاجها المجنون، وأتّقي ضرباتَ يديّها القويتيّن .. فأنْ تعيشَ مع امرأةٍ ساذجةٍ لدرجةِ الجُنونِ ، فمعناه عليكَ تحمُّل النّتائج .. وإلّا ستجدُ نفسكَ غارقاً في معاركٍ جانبيّةٍ أنتَ في غِنىً عنها ..