اليوم الثاني للعاصفة (7-1-2015)
يبدو أن "الست هدى" لم تكن عاصفة، كما كان يتخوف منها القوم، ويتحدونها بثياب سميكة وصوبات مشتعلة وأجساد مرصوصة، ويتوعدونها بالنوم العميق، جاءت هدى ناعمة طرية وخفيفة دم، ثلجها ناعم وبردها غير عنيف، جاءت كما لم تأت عاصفة ثلجية من قبل، فكانت (بردا وسلاما) على الكهرباء وشبكات الإنترت، ولكن الفضائيات غابت كليا، فقد تحقق فيها القول (إذا حضرت هدى غابت الفضائيات)، ليس على اعتبار أن هدى ملاكٌ أبيض طاهر نازل من السماء كعمود نور، والفضائيات شياطين أنس وجان وحسب، ولكن لتعطي الفضائيات فرصة للناس ليقفوا خلف النوافذ فيتأملوا نعومة الثلج، وليلتقطوا الصور لهذا الزائر الأبيض، وما يحيط به.
وربما امتدت الصور لتكون نوعا من المزاح، فتصل إلى منزل (جارة) ما فتحظى بصورة من بعيد، ولكن لم يظهر ما كان ينبغي أن يظهر من ألوان فسفورية، فقد غطى الثلج كل لون وكان الأزهى والأجمل، وربما عاد الأصدقاء إلى ذكرياتهم، فبدأوا ينشرون صورهم القديمة مع الثلج استعدادا لذلك المشهد المرتقب بعد أن يتراكم طبقات، لتبدأ فصول أخرى من يوميات "هدى"!
تركت لنا الست هدى الأوضاع هادئة، فقد أحسنت تقدير الأوضاع الاقتصادية والسياسية فلم تكن هي والحكام والمحتلون والدكتاتوريون علينا، بل كانت أرحم من حكومات تتحكم بمصائر الشعوب، وتتلاعب بالأسعار تلاعبا مضحكا غبيا، وأشد رأفة من محتل جبان عصري بامتياز لا يعرف من الإنسانية شيئا مطلقا، يخنق شعبا كاملا، ليس في غزة وحسب، بل أيضا في المناطق التابعة لجمهورية رام الله المستقلة، حيث لا رواتب إلى الآن.
كانت "هدى" أسمح وألطف من كل ذلك الغثاء الذي يحاصرنا في كل مكان، تساهم في صنعه دكتاتوريات لا تعرف إلا الارتواء من دماء المقهورين، ونظام عالمي مجرم، يهندس الموت في كل لحظة وفي كل بقعة من هذا العالم، لا توقفه هدى ولا غير هدى، فعواصفه مجنونة مع سابق إصرار وترصد!
جاءت هدى اللطيفة الفاتنة، عروس الأشجار والأسحار والربى، عروس متألقة البريق تختال فرحة وهي أشد إنسانية من بعض بني الإنسان، وأكثر دفئا من حضن امرأة لم يعد يتسلل الحنان إلى أطفالها، فقد شمّعها الهباء، وشدت في السعي وراء أشكال من الغباء، تتقافز من هناك إلى هناك، لا تبحث إلا عن ضياعها في هذا الرحب العنيف!
جاءت هدى وهي تحرص على رسم القدر بتأن ورحابة صدر، فهي مأمورة ومأسورة، ولكنها بكل تأكيد ليست مقهورة، إني أراها تنظر إليّ من بين أضواء
الشاشة تبتسم ابتسامتها الظريفة المليئة حبا ولطفا، امرأة قلبت بحكمتها ذلك السيل الجارف من التعليقات والتغريدات الإلكترونية إلى مادة أدبية ظريفة، فنجحت في أن تترك بصمتها في هذا الكون بأنعم طريقة ووظفت قوتها الناعمة المهيبة لتعشش في الوعي والذات والأسفار.
إنها هدى! ونعم العاصفة اللطيفة هي، فامكثي فينا ما شئت من وقت، وليفض حنانك فينا دفئا أبيض يقتل ما تحجر في أرواحنا من لهيب الحروب وحقد القلوب!! فأهلا وسهلا ومرحبا أيتها اللطيفة الرئيفة "هدى"!