تعود أهمية المخيم وصموده في وجه الإحتلال، إلى موقعه الحيوي على المستوى الجغرافي والسياسي والديموغرافي؛ فجغرافياً يقع بالقرب من حاجز قلنديا العسكري الصهيوني، الذي يفصل ما بين الضفة الغربية والقدس، عدا عن أن الطريق الذي يربط ما بين القدس ورام الله يمر من المخيم، بالإضافة إلى موقعه بالقرب من مطار قلنديا الذي يسيطر عليه الإحتلال، وشكَّل بناء جدار الفصل العنصري مزيداً من التضييق على اللاجئين وحال بينهم وبين الوصول إلى مدينة القدس سواءً للزيارة أو العمل، أما على المستوى السياسي، ووفقاً لإتفاق "أوسلو" الذي وُقِّع بين م. ت. ف ودولة الإحتلال في أيلول 1993، فقد تم تصنيف مخيم قلنديا ضمن الفئة "ج"، أي يقع بالكامل تحت سيطرة الإحتلال، أما على المستوى الديموغرافي فجميع من يسكن المخيم عاش فترة نكبتيْ فلسطين، في عاميْ 1948 و 1967، وكمحصلة فإن المخيم في مواجهة دائمة مع الإحتلال وإعتداءاته المستمرة دون أي حماية سواءً من السلطة الفلسطينية أو وكالة "الأونروا".
قسَّم اتفاق أوسلو الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق "أ"، و"ب"، و"ج"، وتم إلحاق الإتفاق بإتفاقات أخرى قسَّمت مخيمات اللاجئين إلى ثلاث فئات مختلفة من حيث نوع السلطة التي تخضع لها، فمخيم شعفاط يقع داخل حدود بلدية القدس وهو تحت سيطرة الإحتلال، ومخيمات الفوار والفارعة ونور شمس ودير عمار والجلزون والعروب تحت الفئة "ب" أي تحت سيطرة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، وفي العام 1998 جرى ضم مخيمي الفارعة ونور شمس إلى الفئة "أ" ليصبح عددها 13 مخيم تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
لا يحتاج الإحتلال الإسرائيلي إلى تصنيف المخيمات، أو تحديد قواعد للقيام بإقتحامات ومداهمات وممارسة سياسة القتل أو هدم المنازل أو الإبعاد بحق اللاجئين الفلسطينيين..، فالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية لا يتعدى الإخبار، وهذا لا يمنع اقتحام أي منطقة أو أي مخيم من مخيمات الضفة دون إخطار أو سابق إنذار، فما بالك بالمخيم الذي يسيطر عليه الإحتلال بالكامل؟، لذا فإن اقتحام المنازل وقتل السكان مستمرة، وآخرها كان إستشهاد الشاب محمود عبد الله عدوان (21 سنة) بتاريخ 16/12/2014 برصاصة في رأسه أطلقها الإحتلال وهو على سطح منزله أثناء عملية إقتحام بهدف القيام بإعتقالات، وقبلها في 26/8/2013 حين استشهد ثلاثة شبان وجرح 19 فلسطينيا بنيران قوات الإحتلال أثناء عمليات اقتحام ومداهمات، وفي 19/11/2012 استشهد الطفل نجيب احمد نجيب (20 شهراً) بسبب سقوط قنبلة مسيلة للدموع في منزله في المخيم.. وفي كل عملية إقتحام يستخدم الإحتلال القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي والمطاطي مما يؤدي إلى ترويع الأهالي لا سيما الأطفال خاصة أن معظم عمليات الإقتحام تكون في ساعات الفجر.. أما "الأونروا" فلا تستطيع وفق سياسة العمل، إلا أن تراقب وتستنكر وتدين وتحصي عدد الإنتهاكات لترفع تقريرها إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وفي المقابل لا يملك أهالي المخيم سوى الثبات والصمود والتصدي بصدورهم العارية وحجارتهم الوازنة والألعاب النارية الحارقة وزجاجات المولوتوف محلية الصنع..
مخيم قلنديا هو واحد من 19 مخيماً للاجئين في الضفة الغربية المحتلة. أنشأت وكالة "الأونروا" المخيم في العام 1949 فوق أرض مساحتها 0.35 كيلومتراً مربعاً استأجرتها من الحكومة الأردنية. حسب إحصاء وكالة "الأونروا" في 1/1/2014 يسكن المخيم 11 ألف لاجئ مسجل، وتعود اصول اللاجئين في المخيم الى 74 قرية وبلدة فلسطينية مهجرة تابعة لأقضية اللد والرملة وحيفا والقدس والخليل وبئر السبع وغزة مثلها مثل باقي مخيمات الضفة الغربية.
يشكل وجود المخيم تحدي للإحتلال و"الأونروا" على حد سواء، فلا يتورع الإحتلال عن ممارسة كل أنواع التضييق على اللاجئين، وإنتهاك كرامة الناس من خلال منعهم من التنقل أو الوصول إلى أراضيهم الزراعية ومصادرة الأراضي وإعاقة وصول الخدمات، ومنع رعي المواشي في الأراضي المحيطة، وبهذا يسعى الإحتلال لتحقيق جزء من أهدافه كمشروع صهيوني إحلالي بطرد المزيد من السكان الفلسطينيين واستجلاب اليهود من مختلف دول العالم، واللاجئين في مخيم قلنديا وغيره من المخيمات والفلسطينيين عموماً يساندهم المتضامنين يدركون حقيقة المخطط، لذلك لديهم رؤية واضحة وإن غَلَت في سبيلها التضحيات، بأن المخيم محطة على طريق العودة، وأن هذا الصراع مع الكيان الصهيوني لن ينتهي إلا بزوال الإحتلال وعودة اللاجئين، بقي أن يوفر المجتمع الدولي حق الحماية الجسدية للاجئين ومحاسبة القتلة وإنهاء الإحتلال.
علي هويدي*
*المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني/ لندن – المنطقة العربية
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 13/1/2015