انتفض العالم لإدانة واستنكار الحادث الإجرامي التي تعرضت له صحيفة شارلي ابدو الفرنسية، ولم يكتف العالم بمشاركة باريس مسيرتها الحاشدة المنددة بالجريمة، بل سارعت ايضاً دول العالم كل على طريقته للتعبير عن تضامنها مع الشعب الفرنسي، واختلطت مفاهيم التضامن لتخرج احياناً عن سياقها المقبول، فإن كانت الجريمة التي تعرضت لها الصحيفة هي محل إدانة واستنكار ولا يمكن تبريرها، إلا أن إدانتها يجب ألا يكون تحت يافطة "أنا شارلي"، فما قامت به المجلة عبر سنوات من نشر رسوم مسيئة لرسولنا الكريم لا يمكن لنا تجرعه بمفهوم حرية الرأي، القيمة النبيلة لحرية الرأي التي يجمع عليها العالم لا تمنح ترخيصاً لأحد بأن يسيء إلى المعتقدات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية.
الجريمة التي تعرضت لها المجلة دفعت اليمين في العالم الغربي للعزف من جديد على وتر "اسلامو فوبيا"، ونشطت وسائل الاعلام التي تدور في فلكهم بتوصيف الإرهاب بالمولود الذي جاء من رحم الاسلام، والمؤكد أننا نحن من خلق البيئة التي ترتع فيها عنصريتهم، افتقدنا القدرة على العمل بسماحة الاسلام تحت وطأة التطرف الذي تتسع رقعته بين ظهرانينا، تقاعست الدول الاسلامية في إقناع الغرب بأن حرية الرأي لديهم يجب ألا تكون على حساب معتقداتنا، كان على الأنظمة الاسلامية أن تدرك بأن عجزها في وضع حد لهذه الإساءات سيفتح باب التطرف على مصراعيه، وبديهي أن يكون الاسلام هو الخاسر الأكبر.
ما زال الغرب يرى الإرهاب بعين فقدت قدرتها على الإبصار، يتحسسه عندما يطرق بابه ويتعرض لمصالحه، لم يحرك ساكناً والإرهاب يلاحقنا ويحول أجساد أطفالنا إلى أشلاء، يبحث دوماً عن تبرير لجرائم اسرائيل، دون أن يكترث إلى أنه بذلك يمهد الطريق للتطرف بيننا، آن للغرب أن يعرف بأن الإرهاب منتج من مصانع سياسته الخارجية، وأن حديثه المتواصل عن القيم الغربية المتعلقة بحقوق الانسان والحريات يشوبه الكثير من الشك فور تخطيه لحدودهم الجغرافية.
كان على العالم أن يقف أمام حادثة شارلي ابدو "المدانة" بكثير من التمحيص، لكن يبدو أن إهتمام الغرب ينصب بالمقام الأول على إلقاء اللوم علينا دون أن يحمل ذاته قسطاً من المسؤولية عن الإرهاب، ما يجدر قوله أن ادانتنا لحادثة شارلي ابدو وتضامننا مع الشعب الفرنسي لا تعني البتة الأقرار بحرية الرأي التي تنتهك حرماتنا، فحرية الرأي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، إن كانت الجريمة التي استهدفت مجلة شارلي ابدو، المغمورة التي تبحث من وراء نشر رسوم مسيئة للرسول والمسيح الخروج من أزماتها المالية، قد حققت للمجلة ما تصبو إليه، فالمؤكد أن إصرارها على نشر رسوماً مسيئة لرسولنا الكريم في عددها القادم ينذر بمزيد من ردات الفعل، المجلة التي تسعى لطباعة اكثر من ثلاثة ملايين نسخة من عددها القادم وبأكثر من خمس عشرة لغة، تضرب بعرض الحائط مشاعر الشعوب الإسلامية، والرفض لدينا يسبق الإدانة.