مشكلة الكهرباء تحتل مساحة كبيرة في حديث سكان قطاع غزة، وجدول فصل التيار الكهربائي هو محل إهتمام الجميع حتى وإن تمتع بالزئبقية وعدم الثبات، ويتابع المواطن المغلوب على أمره العوامل المؤثرة في تمدد وإنكماش الفترة الزمنية التي يصل التيار الكهربائي فيها إليه، بدءأ بالعوامل الجوية مروراً بأموال المانحين وإنتهاءاً بحركة المحروقات وصحة محطة التوليد، ويصب المواطنون جام غضبهم على شركة توزيع الكهرباء، حيث يرون فيها عنواناً لمأساتهم، المؤكد أن شركة توزيع الكهرباء تتحمل الجزء اليسير من الأزمة المتعلق بالتوزيع العادل لساعات الفصل، وكذلك الحال شركة التوليد التي تسأل عن ساعات عملها مقارنة بالمحروقات التي تصل إليها.
الحقيقة التي تفصح عنها الأرقام المتعلقة بأزمة الكهرباء في قطاع غزة، أن ما يصل إلى القطاع من تيار كهربائي من الشركة الإسرائيلية ومحطة التوليد ومن مصر لا يكاد يغطي نصف إحتياجات القطاع، وبالتالي حصر الأزمة في الإدارة يعني فقط زيادة أو تقليص هامش المدة الزمنية التي يصل فيها التيار الكهربائي للمواطن، دون الحديث عن حل جذري للأزمة التي يعاني منها قطاع غزة، أزمة الكهرباء في قطاع غزة تتطلب حلولاً جذرية أكثر منها ترقيعية، خاصة وأن عمر الأزمة قارب على الثلاثة عقود دون أن يلوح في الأفق حتى مجرد التفكير الجاد في الحل، رغم إدراك الجميع بأن حاجة قطاع غزة من التيار الكهربائي تزداد يومياً، وأن الحصار المفروض على قطاع غزة وتوقف الصناعة من جهة والجمود في التطور العمراني من جهة أخرى هو الذي يستر ما تبقى من عورتنا ويمنع إنهيار قطاع الكهرباء بشكل كلي.
أزمة كهرباء غزة المدمنة بقدر ما تفاقم من معاناة سكان القطاع بقدر ما تكشف عجز الحكومات المتعاقبة في التعاطي الجاد معها، أكثر ما يثير الضحك أن يخرج علينا هذا المسؤول أو ذاك ليبشرنا بأن أزمة الكهرباء في طريقها للحل، دون أن يكلف نفسه الإفصاح عن الآلية التي ستعمل على تحقيق ذلك، وهو ما يدفعنا دوماً للإعتقاد بأن ذلك المسؤول بات يمتلك الفانوس السحري الذي يمكنه من تحقيق الحل دون الحاجة لمقدمات تفضي إلى ذلك، وهو في الوقت ذاته يعول على تلهف المواطن لسماع ذلك دون التدقيق في محتواه، والحقيقة التي يجهلها المسؤول أن المواطن تشبع على مدار سنوات طويلة بالتصريحات التي تبشره بحل أزماته فيما الواقع يكشف له عن استفحالها.
السؤال الذي يتطلب منا أن نقف أمامه بكل جرأة هل مشكلة الكهرباء في قطاع غزة من المشكلات المستعصية عن الحل؟ وإن عجزنا على مدار عقود عدة عن وضع نهاية لهذه المشكلة فكم من العقود نحن بحاجة إليها كي نعالجها ونعالج الكثير من أزماتنا على شاكلتها؟.
مشكلة كهرباء غزة ليست بهذا القدر من التعقيد التي تحولت لواحدة من المسلمات الواجب علينا العيش في كنفها والتأقلم عليها، نحن بحاجة إلى زيادة التيار الكهربائي الذي يصل إلى قطاع غزة، ولتحقيق ذلك أمامنا خيارات محددة، الأول يتمثل في زيادة الطاقة القادمة إلينا من الشركة الإسرائيلية، والثاني في خلق مصدر توليد جديد في قطاع غزة، والثالث في فكرة السفينة في عرض البحر، والرابع في الربط على الشبكة الثمانية العربية، والخامس في اتفاق مع الحكومة المصرية لإنشاء محطة توليد على الأراضي المصرية، كل ما نحتاج إليه أن نحدد اي من هذه الخيارات علينا تبنيه وتوفير متطلبات نجاحه، ببساطة نحن أمام أزمة إرادة أكثر منها أزمة كهرباء.