هجرة المسيحيين تزداد بانعدام الاستقرار السياسي

بقلم: حنا عيسى

إن الصراع العربي الإسرائيلي ترك اثاره السلبية على حركة المواطنين الفلسطينيين وتهجيرهم خارج الوطن، فمع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في سنة 1948 هجر ما يقارب 750 ألف فلسطيني عن أرضهم وأصبحوا لاجئين بين عشية وضحاها، ومن بين السكان الذين عانوا  تجربة اللجوء ما بين 000 , 40 ألف إلى 50,000 من المسيحيين العرب  الذين كانوا أكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين في سنة  1948. وفي مدينة القدس كان مجمل السكان المسيحيين في العام 1944  يتجاوز 30,000 فردا، وأصبحوا الآن  اقل من 5000 فرد  في اواخر  سنة  2013 .

بفعل الاحتلال هاجر الكثير من المسيحيين سنة 1967 إلى الأردن و وسكنوا في العاصمة عمان لأنه توفرت الفرص أكثر بكثير منها في القدس، ولا غرابة أن نقول بأن عدد المسيحيين في استراليا  اكبر منه في القدس الشرقية المحتلة، وان عدد المسيحيين الفلسطينيين في الولايات المتحدة الامريكية أكثر بكثير مما هو موجود الآن في مدينة رام الله. مع العلم بأنه منذ بدء الاحتلال سنة 1967 وحتى نهاية سنة 1993 كان معدل هجرة المسيحيين الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة  ما يقارب 13000 مهاجر مسيحي منهم  (8000 في الضفة و 5000 من غزة ). والعامل السياسي والذي مثله الاحتلال الإسرائيلي مع ما واكب من ظروف اقتصادية سيئة ومناخ اجتماعي صعب دوره الأساسي كان في دفع الناس إلى ترك الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويجب التنويه بان الأسر التي تسكن في المدن وذات انتماء للطبقة الوسطى أكثر عرضة للهجرة من الأسر في المناطق الريفية او في مخيمات اللاجئين، حيث أشارت الأغلبية من الأسر أن السبب المباشر الذي دفعهم للهجرة هو الوضع الاقتصادي السيئ والظروف السياسية غير المستقرة. عليما انه لتخفيف الهجرة يجب أن يسبقه تحسين الظروف السياسية و الاقتصادية وإيجاد فرص العمل للحد من البطالة، وإقناع  المواطن بالثقافة الوطنية.

يشكل الحضور المسيحي اليوم ضمن المجتمع الفلسطيني نحو 20% من حجم تعداد الفلسطينيين حول العالم الذي يبلغ ما يقارب 12,100,000 فلسطيني،  4,620,000 منهم في الاراضي الفلسطينية،  2,830,000 في الضفة الغربية، و 1,790,000 في قطاع غزة، وحوالي 1,460,000 مليون فلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، اضافة لـ 5,340,000 في الدول العربية، 0,675,000 في الدول الاجنبية حسب الاحصائيات الاخيرة الناتجة عن مركز الاحصاء الفلسطيني في 31/12/2014م، إلا انه في الوقت الحالي يشكل المسيحيون ما نسبته اقل من1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وذلك لأن معظم مسيحيي فلسطين قد توجهوا إلى العيش في بلاد أخرى لأسباب مختلفة منها (وجود الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأراضي، الوضع الاقتصادي السيئ، حيث الإحصائيات الاخيرة تشير بأن عدد المسيحيين 40.000 شخص في الضفة الغربية، واقل من 5000 في القدس، و1250 في قطاع غزة.

ومن الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين يعود إلى انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، فشل مشاريع التنمية والنهضة  في معظم دول المنطقة وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها، وبالرغم من المصاعب المعيشية إلا أن المسيحيين إلى جانب إخوانهم المسلمين ما زالوا يكافحون من اجل تنمية وازدهار هذا الوطن.

ومن تحديات البقاء للفلسطيني هو العمل على سبيل العدل والسلام والخروج من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالحل العادل الدائم، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. والعمل على توفير القيم المجتمعية التي توثق العلاقات في هذه الأيام الصعبة، بين مختلف أبناء الوطن ولاسيما في المجال الديني. ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الخانقة بدعم اقتصادي جاد، يولد الثقة في قلوب من يرون في الهجرة نجاة وخلاصاً.

 وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فإن العوامل السياسية والاقتصادية هي وراء هجرة المواطنين، وعلى أصحاب الخطاب الديني أن ينتبهوا إلى المشروع الوطني المشترك والذي يشملنا جميعا دون فرق دين أو ملة.... علماً بأن إرادة الصمود والبقاء ما زالت  قوية لدى غالبية الناس عندنا، إلا أن الاستنتاج يقودنا إلى أن الهجرة تزداد في زمن يتميز بانعدام الاستقرار السياسي والذي ينتج عنه عدم استقرار اجتماعي واقتصادي ولا سيما في العلاقات بين مختلف طبقات وفئات الشعب بما في ذلك الفئات الدينية.

المهام الملقاه على عاتق مؤسسات المجتمع الرسمي والأهلي في فلسطين هي منع هذه الهجرة وترسيخ  بقاء هذه الفئة والتطلع من خلال إيجاد الوسائل الفاعلة، والتطلع  إلى هجرة معاكسة  ان أمكن، فهناك حاجة ماسة مشتركة لإيجاد نظرة متكاملة لقضايا الوطن وعمل جاد من قبل المسلمين والمسيحيين معا لمواجهة التحديات المختلفة ..علماً بأننا بمختلف طوائفنا المسيحية فان الكنائس تتفاعل قدر المستطاع  مع احتياجات المجتمع بروح الانفتاح والمحبة واحترام الحياة البشرية دون اعتبار لأية خاصية أو خفية دينية او غيرها. بالإضافة إلى ذلك تشدد كنائسنا في فلسطين على أهمية تحمل المواطن، بغض النظر عن الدين، أعباء ومسؤوليات الحياة العامة إذ ترى في هذا الأمر شهادة للانتماء وللولاء للوطن.