حرية صناعة القرار هو أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة

امام خطورة ما تمر بها القضية الفلسطينية ، نكتشف أن بعض المصطلحات والمفاهيم التي نتداولها بيننا في حديثنا وكتاباتنا كل يوم وتشكل الازمة في خطابنا السياسي مفاهيم مبهمة ،ملتبسة ،بحيث أن كل واحد يفسرها كما يريد أو يخضعها لمنطلقه الإيديولوجي أو لحسابات حزبية ضيقة، ويصل الأمر أحيانا أن أصحاب أو رواد هذه المفاهيم يصبحوا عاجزين عن الدفاع عنها ليس لقوة حجة ومنطق المناوئين بل لأن أصحاب المفهوم الذين تعودوا على ترديده كشعار أو أيديولوجيا دون فهمه ودون الالتزام بمضامينه واستحقاقاته الإجرائية، وان هذه المفاهيم أو المصطلحات ، تلحق الضرر في المشروع الوطني الفلسطيني .
ان كل متابع لتطور الاوضاع الداخلية الفلسطينية يقف امام هذه المواقف بستهجن ، وخاصة امام ما وصلت اليه الامور في العلاقات الفلسطينية الداخلية، بدلا من تعزيز وتطوير الديمقراطية الفلسطينية ونقلها خطوة جديدة الى الامام، فالكل يتذكر كان يتعاطى الرئيس الرمز ياسر عرفات مع المعارضة الفلسطينية داخل اطر منظمة التحرير الفلسطينية وكيف يرسم سياسة الاجماع الوطني حول قضايا جوهرية ومصيرية ، بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية ، ولكن ما نراه اليوم هو مزيدا من التصدعات في الوحدة الوطنية الفلسطينية.
إن أهم ما يجعل أي شيء قابلاً للنجاح هو الإجماع عليه من قبل كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر، ولكن هذا لم يحصل فيما يخص مشروع القرار الفلسطيني ، فقد رفضته اغلبية الفصائل بصيغته الأولى وبصيغته المعدلة، نظراً لأنه يحتوي على الكثير من التنازلات التي لا تخدم القضية الفلسطينية، بل وينزل من سقف المطالب الوطنية الحالية ولا تناسب التطلعات الشعبية، إضافة إلى التفرد بالقرار في التوجه إلى مجلس الأمن بهذه الصيغة، فلم تقم القيادة بالتشاور مع الفصائل ولا مع المستقلين. ومن المعلوم أن هذه الفصائل تمثل نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني، مما يجعل هذا المشروع، إن (مرّ)، فاقداً للشرعية، على الأقل في الداخل الفلسطيني، لأن أصحاب الشأن يرفضونه من أساسه.
امام هذا الموضوع نرى ان اختيار التوقيت بالذات كان خاطئاً، وذلك لأن بعض الأعضاء سيتجددون في بداية العام، إذ يجدد مجلس الامن الذي يضم 15 عضواً، نصف المقاعد العشرة غير الدائمة، بحسب المناطق، في اقتراع سري في الجمعية العامة، وسيدخل عليه كل من فنزويلا وماليزيا وأنغولا بدلاً من الأرجنتين وكوريا الجنوبية وروندا على التوالي وأيضاً إسبانيا ونيوزلندا بدلاً من لوكسمبورغ وأستراليا، وهذا التبديل سيخسر فلسطين صوتين ألا وهما لوكسمبورغ والأرجنتين، ولكن في المقابل دخول فنزويلا سيضمن صوتاً لفلسطين، وذلك نظراً لمواقف فنزويلا التاريخية المؤيدة للشعب الفلسطيني من أيام القائد هوغو تشافيز إلى حكم الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، وأيضاً دخول ماليزيا سيشكل دعماً لفلسطين، نظراً لعضوية ماليزيا في مجلس التعاون الإسلامي بصفتها عضواً مؤسساً كفلسطين، وأيضاً دخول إسبانيا وصوتها سيكون له دور في تمرير القرار، فإسبانيا كانت من الداعمين لشعبنا الفلسطيني، وهذا ما ظهر أثناء العدوان على قطاع غزة، إضافة إلى نيوزلندا، إذ تشهد العلاقات الثنائية الفلسطينية والنيوزلندية تطوراً ملحوظاً، وعدا ذلك فإن خروج أستراليا التي صوتت ضد القرار الفلسطيني أمر مفيد.
ولربما هذه الحادثة على الرغم من فشلها إلا أنها قد تكون مفيدة، فقد وقع الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين على 20 وثيقة، وذلك للانضمام إلى المنظمات الدولية التي لفلسطين الحق في الانضمام إليها منذ حصولها على العضوية في الجمعية العمومية، وإن أبرز تلك المنظمات الدولية هي محكمة الجنايات الدولية.
ونحن اليوم نرى ان على القيادة الفلسطينية الاستفادة من الاوضاع والعمل على ترتيب البيت الفلسطيني ومواجهة سياسة الحصار المالي ، والعمل على رسم صياغة مشروع جديد باجماع وطني فلسطيني يقدم لمجلس الامن الدولي ورفض اي ضغوطات مهما كانت لان حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن المساومة عليها .
ان حرية صناعة القرار، وصدوره في إطار مؤسسي جامع هو أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، وترتيب البيت الفلسطيني وترتيب أولوياته من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، يمثل مجالاً حقيقياً لاختبار نوايا وجدية كل من الطرفين الرئيسيين فتح وحماس وباقي الأطراف المعنية بالمصالحة الفلسطينية، بعيداً عن الهيمنة والإملاءات الخارجية وفي المقدمة منها الإسرائيلية والأمريكية.
ان الحفاظ على المشروع الوطني وفق إستراتيجية جديدة يجب أن تتجاوز إفرازات المشكلة وتتعامل مع جذورها ومسبباتها الحقيقية، الانتخابات والمحاصصة وتنظيم الأجهزة الأمنية ليست حلولا،الإستراتيجية الوطنية المطلوبة تتطلب التعامل مع القضية كقضية شعب قوامه أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني في الداخل وفي الشتات، دون تجاهل الأوضاع في غزة والضفة كرفع الحصار عن قطاع غزة ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.
وامام الظروف التي تعيشها الساحة الفلسطينية نقول ان الإستراتيجية الوطنية المنشودة يجب أن تكون إستراتيجية حركة تحرر وطني ما دامت كل فلسطين تحت الاحتلال وما دام كيان الاحتلال يرفض حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، إستراتيجية تحرر وطني لا تقطع مع كل الوسائل السلمية ومع الشرعية الدولية بغية تحقيق أهدافها.
وبعيداً عن الشعارات الكبيرة والأيديولوجيات المخادعة والوعود البراقة فإن العمل السياسي الفلسطيني ومنذ التعاطي مع عملية التسوية السياسية يقوم بدون إستراتيجية واضحة المعالم الأمر الذي أدى إلى حالة التيه السياسي المعممة، وأصبحت البوصلة السياسية بلا اتجاه عند الجميع ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة، لم يكن يخطر ببال بعض أصدقاء أمريكا من الزعامات والقوى في المنطقة العربية والشرق أوسطية أن تنقلب عليها الولايات المتحدة من خلال تعميم الفوضى الخلاقة بعد احتلال العراق ودعم القوى الارهابية التكفيرية من اجل الوصول لاهدافها التي رسمتها تحت مسمى الشرق الاوسط الجديد بهدف تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبيه واثنيه والوصول الى تصفية حقوق الشعب الفلسطيني في المرحلة الثانية واقامة ما يسمى مشروع "دولة إسرائيل الكبرى" عبر طرح تحويل هذا الكيان الى "دولة لليهود في العالم".
وامام خطورة الاوضاع الني نعيشها تعمل حركة حماس على اقناع الفصائل الأخرى، بما فيها المنضويّة في إطار منظمة التحرير، لاتخاذ موقف صارم من تهميش غزة. تمخضت عنه دعوة لا قيمة كبيرة لها لتشكيل لجنة متابعة لاتفاق المصالحة وملف الإعمار وعقد الإطار القيادي وإجراء الانتخابات.
ان دور سلطة غزة اصبح واضح من خلال تعزيز الخلافات الداخليّة في حركة فتح، وتهديدات قيادتها بشكل غير مباشر من عودة الفلتان الأمني، اضافة الى تصاعد نفوذ التنظيمات الجهاديّة المتطرفة، فإن بقاء الأمور على حالها في غزة، لا يترك أمام الغزيين خيارات كثيرة، من بينها الهجرة غير المتاحة التي تحمل معها خطر الموت في البحار، والبحث عن الخلاص من خلال الانضمام إلى منظمات متطرفة، او إيجاد بديل فلسطيني عنها ، وهذا يستدعي دعوة الجماهير من اجل الخروج لانهاء الانقسام الكارثي الذي يهدد الجميع بما فيهم فتح وحماس والكل الوطني والعمل من اجل سرعة تطبيق اتفاقات المصالحة الفلسطينية ورسم استراتيجية وطنية واضحة تستند لكل الثوابت الوطنية ورفض اي تعديل على هذه الثوابت والحذر من تمرير مشاريع على حساب المشروع الوطني ، واي خروج عن ذلك تحت تعديلات وطرح مبادرات او العودة بمشروع اخر الى مجلس الامن الدولي سيؤدي الى كارثة وطنية ، وخاصة ان الشعب الفلسطيني سيقاوم اي مشروع يستهدف حقوقه الوطنية المشروعه وخاصة حق العودة الى دياره وممتلكاته التي هجر منها عام 1948 وفق القرار الاممي 194 ، واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، لان هذا الشعب العظيم يعي خطر المشروع الصهيوني الذي تعمل عليه إسرائيل اليوم هو توسعي واستعماري، واستيطاني واحتلالي، وهذا يتطلب خطاب جامع، من خلال تعزيز الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية والتمسك بخيار المقاومة، بعد أن أثبت صوابيته على أرض الواقع، والمضى بالتوجه الى دول العالم مع المضي قدما نحو محكمة الجنايات الدولية لان في ذلك طابع اشتباكي مع الاحتلال على المستوى السياسي والدبلوماسي ، ومطالبة الامم المتحدة بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وارسال قوات حماية دولية تشرف على انهاء الاحتلال ايضا عبر مؤتمر دولي جديد كامل الصلاحيات يعيد للمفاوضات ولدور الاسرة الدولية مصداقيتها من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي داستها الجرافات الاسرائيلية طوالواحد وعشرون عاما من المفاوضات العبثية بلا طائل او نتيجة .
تركيا لم تقدم على خطوة واحدة لمراجعة علاقاتها مع الكيان الصهيوني في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية، واستمرّت مواقف تركيا من الكيان الصهيوني على ما كانت عليه قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، فالتعاون العسكري ما زال قائماً، والتعاون الاقتصادي زاد عما كان عليه في السابق، وحتى عندما قتلت القوات «الإسرائيلية» عدداً من الناشطين الأتراك لم تبادر أنقرة إلى قطع العلاقات الديبلوماسية المستمرة منذ اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني في مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي.
ومما لا شك فيه أنّ هذه التصريحات تكشف عن حقيقة مزدوجة، فهي من جهة تؤكد أنّ مواقف الحكومة التركية في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية لا تختلف عن مواقف الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، بل حتى عن الموقف النظري لحكومة العدو «الإسرائيلي»، إذ أنّ تل أبيب توافق أيضاً من حيث المبدأ على حلّ الدولتين، ومن جهة أخرى أنّ حماس غلّبت انتماءها لـ«الإخوان المسلمين»، وولاءها لهذه الجماعة ولخياراتها السياسية على القضية الفلسطينية، لأنّ حماس كانت تقول إنها ترفض حلّ الدولتين وتتمسّك بتحرير أرض فلسطين من النهر إلى البحر، وعندما يؤكد وزير خارجية تركيا أنّ حماس وافقت على حلّ الدولتين ولكن ما عطل الاتفاق هو تدهور العلاقات التركية «الإسرائيلية»، فهذا يعني أنّ حماس تخلّت عن شعار تحرير كلّ فلسطين، وإنْ لم تعلن موافقتها حتى الآن على حلّ الدولتين، حيث جاء ذلك تحت تأثير الوفاء للحكومة التركية والتضامن معها بعد تدهور علاقاتها مع الكيان الصهيوني وليس لاعتبارات تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وامام ما جرى من اعتداءات ارهابيه في فرنسا حيث نددت كل دول العالم بهذا العمل الاجرامي ، بينما لم نسمع تنديدا بهذا الحجم بارهاب الدولة المنظم التي تقوده حكومة الاحتلال الذي يضرب فلسطين منذ ستة وستون عاما اضافة الى الارهاب المستورد والذي يضرب سوريا و المنطقة تحت مسمى الربيع العربي الذي سوق له بأنه يحمل الحرية إلى الشعوب العربية، وينطلق بها نحو الحضارة المنشودة التي ينعم بها الغرب، وما هو في الحقيقة إلا "ربيع امبريالي صهيوني" ومشروع تقسيم استعماري جديد، هدفه الأول والأخير تنفيذ أجندة المصالح الامريكية الاستعمارية التي تستهدف إ تفتيت المنطقة خدمة للمشروع الامبريالي وصولا الى يهودية اسرائيل .
ان العمل الإرهابي الذي ضرب فرنسا ويضرب المنطقة والتى اتت فيه القوى الامبريالية عبر القارات حيث يتوزع في كل الأنحاء، ويتحرك في كل الاتجاهات، ويهدّد بالانتشار في عمق الدول الاوروبية، حرب لا يشنّها قتلة في الظل، بل سفاحون يتحركون بمنهجية وتنظيم، ويظهرون وحشيةً تثير الرعب، ومن هنا، يأتي السؤال، مَنْ الذي جعل هؤلاء الإرهابيين يتحركون بمنهجية وتنظيم، لولا الدعم الامريكي الصهيوني الاستعماري الرجعي الذي ضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية السابقة واللاحقة المؤكدة على ضرورة محاربة الإرهاب ومكافحته.
لذلك نرى على دول العالم قاطبه مد جسور التعاون الدولي للقضاء على الارهاب ومكافحته، ليس بالأقوال وبالقرارات فقط، وإنما بالمكافحة الجدية عبر إيقاف كلّ أشكال الدعم له، والتخلّي عما سمّته "معارضات مسلحة معتدلة"، لأن المعتدل في الفكر والديمقراطية لا يحمل سلاحاً في مواجهة دولة، كما أن على دول العالم أن تستيقظ من أحلامها الاستعمارية، وتدرك فعلاً أن مشروعه الاستعماري التدميري، لن ينجح في المنطقة، لأن صمود قوى المقاومة في المنطقة وعلى راسها سورية ، ما زالت، له بالمرصاد، وبكل طاقتها، فهي السد المنيع الذي لا يستطيع أي مشروع يراد به الشرّ للمنطقة المرور من خلاله، مهما عظمت التحديّات، وكبرت المؤامرات.
ختاما لا بد من القول : ان هنالك عدة مخارج قادرة على الضغط السياسي والشعبي للوصول إلى انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وتمكين حكومة التوافق الوطني من اخذ دورها ، ولكن كل ذلك يتطلب الاستعداد لاحترام مبادئ الشراكة والتعدديّة، واهمية توحيد الجهود الفلسطينية بالدرجة الاولى من خلال احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، واستنهاض طاقات كافة الاحزاب كل القوى العربية ذات المصلحة في التحرر والتغيير وندعوها الى العمل معا، أولا لمواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني الجديد ضد فلسطين والعالم العربي، وثانيا الى التلاقي جبهة مقاومة متحدة تشكّل الأداة الفعالة لبناء حركة تحرر عربية مهمتها دعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني حتى تحرير ارضه وتحرير الاراضي العربية المحتلة.
كاتب سياسي