الدين والسياسة والإرهاب ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

الدين يجب أن يبقى نقياً محافظاً على رسالته الأخلاقية والقيمية والعقدية، لما فيه من إخلاص العبادة لله وحده، وإقرار للمساواة بين بني البشر، على إختلاف أجناسهم وعقائدهم، مخطئ من يعتقد أنه يوجد صراع أو حروب بين دين وآخر، أو طائفة وأخرى، لأن حقيقة الصراع بين بني البشر منذ الأزل يتمحور حول السلطان والنفوذ وحول المصالح الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وغيرها من المصالح الإنسانية المتعارضة، لكنه عبر التاريخ نجد كثيراً من القوى والفئات قد أسبغت على صراعها مع البعض الآخر ستاراً وغطاء وبعداً دينياً وهالة قدسية لتغطي به على حقيقة أهدافها البعيدة كل البعد عن الدين، فالدين بريء مما يرتكب بإسمه من حروب وجرائم وإرهاب، وإنما يجري توظيفه للتضليل والتحشيد للفئات البسيطة من المؤمنين وتوظيفها وزجها في أتون الصراع الدائر بين القوى المتنازعة والمتصارعة على السلطة والنفوذ والمصالح المختلفة.

الديانات السماوية جميعها من عند الله، ومهمة الرسل كانت واحدة على مر العصور والأزمان منذ عهد آدم إلى رسالة الإسلام الجامعة والخاتمة للرسالات السماوية، وإن المتابع لتطور الفكر الديني وللرسالات السماوية يكتشف أن تتابع الرسالات المتعاقبة جاء دائماً لتصحيح وتأكيد عقيدة التوحيد لدى البشر كلما إعتراها إنحراف، وهي ثابتة وغير متغيرة ولا متحولة في أي من الرسالات السماوية، وقد اتسمت جميعها بالتدرج فيما يتعلق بالجانب التنظيمي والتشريعي فقط، لا فيما يتعلق بالتوحيد فهو ثابت وليس متدرجاً أو متغيراً أو متطوراً، ولكن المتغير والمتطور فيها تبعاً لتطور المجتمع الإنساني المخاطب بالرسائل السماوية، وتطور مدركاته العقلية هو الجانب التنظيمي للعلاقات الإنسانية، وقد جاء على أكمل وجه في الرسالة الخاتمة في القرآن الكريم، والذي أقر للإنسان ولعقله مهمة الإجتهاد والبحث والتطوير فيما يخدم ويحقق سعادة البشر في الدنيا والآخرة، ويرسخ العبودية لله وحده وينفيها عن أي معبود سواه، وفي ذلك كمال الحرية والمساواة.

إن تسييس الدين وتوظيفه في الصراعات السياسية والمذهبية هو الذي يدفع للتعصب الأعمى، ليقابل التعصب بمثله، وتدب الفتنة باسم المذهب أو الدين أو الإعتقاد والأمر في جوهره لا يعدو عن تحقيق مصالح وغايات بعيدة كل البعد عن الدين وعن الإعتقاد وحتى عن المذهب والطائفة، والأمثلة على ذلك في تاريخ الصراعات كثيرة، لا تعد ولا تحصى حيث وظف الدين فيها دائماً في غير محله، ألم ترفع الحروب الصليبية الصليب المسيحي شعاراً لها ؟!!

فقد وظف الصليبيون الدين المسيحي شعاراً ليغطي على أهدافهم الإستعمارية للبلاد العربية والإسلامية سواء في الشام أو مصر أو في بلاد المغرب العربي، ألم ترفع النازية الألمانية الصليب المعكوف شعاراً لها ؟!! وهي التي قتلت عشرات الملايين من المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم ؟!! هل صحيح أن النازية حاملة شعار الكاثوليك كانت تهدف إلى تعميم ثقافة وإعتقاد الكاثوليك ؟! كلا إنها كانت تسعى إلى بسط السلطان والنفوذ الألماني على أوروبا والعالم إلى آخره من المصالح المتصارع عليها في حينه.

ومن يعتقد أن الإسلام قد إنتشر بحد السيف، فإننا نؤكد له أن إعتقاده خاطئ حيث جاء إنحسار الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية أمام الدولة الإسلامية الأولى قبل أربعة عشر قرناً عن بلاد العرب في العراق والشام ومصر والمغرب العربي، كان نتيجة منطقية لعملية تحرر سياسية لهذه البلاد العربية من المستعمر الأجنبي الروماني أو الفارسي، وأنظر في هذا الشأن أطروحة الدكتور / ميشيل صباح / أب الطائفة الإنجليكانية في فلسطين في أطروحته بعنوان إنتشار الإسلام في فلسطين وبلاد الشام، حيث يثبت إنتشاره قبل قدوم الفاتح العربي المسلم كإنتشار النار في الهشيم لأسباب إعتقادية إيمانية.

فإستخدام الدين في الصراعات القائمة داخل الجماعة الواحدة أو ما بين جماعة وأخرى هو إساءة بالغة للدين وحرف له عن رسالته وتشويه له وللمعتقدين أو المؤمنين به، يجب أن يتنزه الدين عن صراع الفئات والجماعات والقائم على أساس السلطان والهيمنة والنفوذ والمصالح المتعارضة، وبالتالي أن ينسب ما تقوم به هذه الفئات أو الجماعات من أعمال القتل والإرهاب للدين الذي تدين به هذه الجماعات خطأ فادح وجريمة كبرى في حق الدين، يجب أن تنسب مثل هذه الأفعال إلى من يقوم بها من الفئات أو الجماعات أو الأفراد فقط وليس إلى الدين الذي ينتسبون إليه حتى وإن استخدم من طرف هؤلاء الأفراد أو الفئات أو الجماعات الدين كشعار وهدف لها، إن جميع الديانات تنهى عن أفعال القتل والإرهاب والكراهية والإزدراء للآخر، واستخدام الدين للأغراض الدنيوية وبسط السيطرة والنفوذ ليس من الدين في شيء وإنما هو إساءة مركبة للدين، واستخدام سيء الغاية له، وأبعد ما تكون عن غايات الدين نفسه.