في اربعينية الشهيد زياد ابو عين اكتب كلمات هذا المقال كنوع من الواجب الوطني علينا، مع ان الشهيد زياد ابو عين يستحق اكثر من ذلك بكثير واتمنى ان يتم كتابة الكثير من الكتب لتوثق عظمة ونضال وفكر وحياة هذا القائد الوطني العظيم.
قبيل استشهاد القائد العظيم والصديق الصادق؛ ومن شدة انجذابي بأسلوبه في النضال وطريقته في الكفاح، دونت له تلك العبارة ""زياد أبو عين الوجه الثوري للسلطة"" فأن شهيدنا الوزير منذ بداية حياته كان مقاوما عنيداً ورجلاً صلباً لا يعرف سوى التضحية من أجل الوطن، وفي أصعب الظروف التي تمر على فلسطين كنا نبصر ذلك الرجل شامخاً مرفوع الرأس ويتفاخر بوطنه ويبعث الامل في نفوس المواطنين، خلال حياتي ومتابعتي للمكافحين الفلسطينيين لم أتوقع أنني سوف أذهل برجل بهذا القدر؛ مع ان طبعي هو الانتقاد، فقد كنت ارصد يوميا جولات المقاومة التي كان يخوضها وكنت بعد كل معركة اشكر ذلك البطل على جهوده العظيمة التي كان يبذلها، فكنت من أشد المؤيدين والمناصرين لفكر ومنهج الوزير ابو طارق.
تربى زياد أبو عين منذ صغرة على مقاومة الاحتلال، وانضم الى صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وباشر في الكفاح المسلح للاحتلال، وحسب اعتراف العدو فان شهيدنا قام بتنفيذ الكثير من العمليات المسلحة ضد اسرائيل وما عرف منها هو قتل اثنين من جنود الاحتلال، وتم اعتقاله في الولايات المتحدة وتسليمة الى اسرائيل، وقضى في السجون الاسرائيلية والامريكية قرابة الثلاثة عشر عاما، تولى الكثير من المناصب داخل حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، فكان محل ثقة الجميع، كانت اهم المناصب للشهيد وكيل وزارة الاسرى لفترة وطويلة، ورئيس هيئة مكافحة الجدار والاستيطان برتبة وزير وتم اغتياله بعد تولية هذا المنصب بعدة شهور.
فلسطين رزقت بكثرة ابطالها، ولكن ما الذي يجعل زياد ابو عين يتميز عنهم، ان المناضل الفلسطيني يبقى يكافح ضد الاحتلال حتى اذا ما تولى منصب في السلطة فيتحول عن المقاومة ويتفرغ الى ادارة وظيفته، ولكن نحن امام حلة تختلف عنهم هو الوزير زياد ابو عين فقد خرج عن العادات والعرف، فإننا كنا نتفاجأ عندما يتولى منصب يتحول ذلك المنصب الى ساحة مقاومة ضد الاحتلال، عندما كان وكيلا لوزارة الاسرى لم يكن ذلك المنصب عبارة عن حالة معقدة من الادارة، وانما جعلة ساحة لمقاومة المحتل، فكان لك المنصب في عهد زياد ابو عين يتسم بالطابع الثوري وليس الاداري، ولذلك قام الرئيس بتعينه وزيرا لهيئة مكافحة الجدار والاستيطان، فتحولت هذه الهيئة الى جيش عظيم يهدد المشاريع الصهيونية، واصبحت الهيئة عبارة عن ساحة حرب مفتوحة لمواجهة الاستيطان والاحتلال، ومع العلم ان هذه الهيئة موجودة من قبل ولكن لم نسمع عنها وعن عملها الا بعد تولي الاخ ابو طارق رئاستها.
لماذا أعجبت بالشهيد زياد ابو عين:
بإمكان ابو طارق عندما كان وكيلا لوزارة الاسرى ان يجلس في مكتبه ويقوم بتوقيع الاوراق كل يوم ويمارس الروتين اليومي لكل وكيل وزارة، ومن ثم يعود لمنزلة يستمتع بوقته وبالرفاهية التي يعيشها أمثاله، كان يمكن ان يعيش حياة بدون مشاكل وبدون عبء يتحمله يوميا، ولكنه رفض اغراء الرفاهية والراحة، وكان يحمل امنيات الاسرى في صدرة ويتحمل آلامهم ويصرخ صرخاتهم، لم يكن انسان عادي، بل كان لا يترك مثقال ذرة من طاقة لدية إلا ويستغلها في تحقيق أهدافه التي وضعها نصب عينيه بتحرير كافة الاسرى الفلسطينيين.
أقتبس فقره نشرها الشهيد يوم 27 سبتمبر 2014 "الوطن يتطلب انتمائنا اليه، وواضح ان حاله الفعل البشري لنا كمواطنين بها قصور، نتاج تغيب ربط الذات كمصلحه بالمشروع العام فالتقدم والازدهار والرفاهية لن تتحقق الا بتحقيق الحرية والاستقلال ورحيل المحتل ...توجه النداءات لأي فعل نضالي تعبيري ومن اي جهة تجد الاكبر قصورا هم اولئك المستفيدين من المشروع الوطني وظيفه ومركز او خدمه" وفي هذا المنشور يعاتب المستفيدين من السلطة ولا يستمعون لنداء الوطن.
ولشدة اعجابي بشخصيته كتبت له عندما تولى منصب رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ""اخ ابو طارق انت تعلم جيدا انك مسؤول عن اهم عمل وطني في فلسطين وهو ازالة المستوطنات والجدار, وهذا يتطلب جهد كبير, وانا اتوقع ان تكون ازالة الجدار والمستوطنات على يديك انشالله, اتمنى التوفيق والنجاح 19 سبتمبر، 2014، الساعة 02:00 مساءً""، وبالفعل عندما تولى هذا المنصب كان ثائرا لا يتوقف عن العمل، كان بإمكانه ان يكون مثل من سبقوه في الهيئة، فكان الانسان الوحيد في هذا الكون الي يعمل في وزارته على مدار الساعة في الليل والنهار فكان كل وقتة في عمله، يذهب في الصباح الى المستوطنات والاراضي المهددة وفي الليل يكرس وقته في نشر اعمال الهيئة على مستوى عالمي، حتى اصبح يصل صوتها الى كافة المواطنين والى انحاء كثيرة من العالم، واخ ابو طارق على عاتقة مسؤولية فضح ونشر جرائم الاحتلال الى كل بقعة في العالم، وبالفعل أصبح زياد ابو عين يشكل خطر حقيقي على وجود الاحتلال، فعلا كنت احب لك الرجل واقول عنه ماكينة من الابداع لا يمكنها التوقف عن صنع الانجازات الوطنية الفلسطينية.
كيف لا أحب ذلك الرجل الذي كان أول عمل له بعد تولية وزير الجدار والاستيطان هو ذلك المنشور ""19 سبتمبر، 2014 الى كل الاصدقاء اللذين لهم باع او تخصص بالقانون الدولي بالعالم ويرغبون ان يساهموا بالاستشارات او المساعدة الطوعية بالدفاع او المقترح او الراي او الاستشارة بالدفاع عن حقوق شعبنا بمواجهه الجدار والاستيطان لطفا اعلامي لنتعاون معا ونستفيد منكم بمعاركنا القادمة اخوكم زياد ابو عين رئيس هيئه مقاومه الجدار والاستيطان"" هل هناك وزير يطلب المساعدة والنصيحة من العامة في اول عمل له في وزارتة نعم انه الوزير ابو طارق، وبالفعل قدم الكثير من الاشخاص النصيحة والارشادات والمقترحات، وتقدم مرة اخرى بطلب المساعدة ""19 سبتمبر، 2014 اهلنا واصدقائي بالقدس الحبيب وفق قاعده الشراكة بالرأي والفكر والعمل اتقدم منكم للاستنارة والمساعدة بهموم الاستيطان الجدار مقاومته فكركم رايكم وما الممكن مساندته لصمودنا وتعزيز فلسطينية عاصمتنا"" فكتب له الجميع ان هذه الخطوة هي دليل الانسان الناجح والذي يسعى لتحقيق اهدافه وفعلا أصبح الوزير الاكثر نجاحا في فلسطين.
زياد ابو عين كان الاكثر حفاظا على وصية الشهيد ابو عمار، فبعد ان خاضت حركة فتح الكثير من الحروب المسلحة وصلت الى نتيجة ان الوقت غير مناسب للمقاومة المسلحة، فاتخذت حركة فتح بقيادة الشهيد الرئيس الراحل ابو عمار القرار المهم في تاريخ الحركة وهو خيار المقاومة السلمية كخيار استراتيجي مؤقت، وعندما تم ها القرار ظن الكثير ان المقاومة توقفت وخلدوا الى النوم والراحة او الانشغال بالسلطة وادارتها، ولكن زياد ابو عين لم يكن يؤمن بالنوم والراحة، وأخذ بوصية الشهيد ابو عمار بان المقاومة بدأت ولم تتوقف، وكان يعتقد ان المقاومة السلمية اصعب بكثير من المقاومة المسلحة، واننا يجب ان نعمل بكل جهد لتحقيق اهداف المقاومة السلمية لقد اخذ بوصية ابو عمار وحول المواجهة السلمية الى مقاومة حقيقية.
من كان يقترب من الشهيد زياد ابو عين كان يؤمن ان هذا الشخص يحمل بداخلة مكونات انسان عظيم، لم يكن يعرف اليأس، رغم كل ما تعانيه فلسطين من مصائب كان يؤمن بأنها زائلة وان الفرج قريب، فمنذ اليوم الاول لحرب غزة 2014 كان يقول لي بأنها قريبا سوف تنتهي واستمر يردد هذه المقولة طوال الحرب، فكان متفائل بالنصر والحرية والوحدة، كانت اخر كلمة قالها لي قبل استشهاده بانه بإذن الله قريبا سوف ننتصر ونحقق الدولة.
وبعد ايام من هذه الكلمة وصلتني رسالة لوكالة اخبار على الهاتف مكتوب بها اغتيال الوزير زياد ابو عين، لم اصدق ما في الرسالة، وقلت لنفسي اكيد جريح او لم يتم إصابته من الاصل، ورجعت مسرعا الى المنزل كي أتأكد من الخبر، ورغم ان الكهرباء كانت مفصولة تدبرت امري من خلال بطارية لتشغيل الانترنت، وبحثت عن الخبر واذا صدمني مقطع فيديو يوثق عملية الاغتيال، فكانت جريمة على مرأى ومسمع العالم كله، كان زياد ابو عين في ذلك اليوم ذاهب لزراعة اشجار الزيتون في اراضي مهددة بالاستيطان، ليثبت حقنا في هذه الارض، وكنت أنتظر يومها بفارغ الصبر ان يعود الوزير من قرية ترمسعيا وينشر إنجازاته لهذا اليوم ويوثق ذلك بالصور كما كان يفعل بعد كل معركة.
فمنذ ان تولى منصب رئاسة هيئة مقاومة الجدار والاستيطان اخذ بتكرار المعارك في الاراضي المهددة بالاستيطان وتوثيق ذلك، وكان يذهب بنفسه الى ساحة المواجهة، لم يكن يؤمن بانه يمكن ادارة الثورة من المكتب، فكان يتقدم الناس قبل دعوتهم لأي فعالية، وهو من يواجه الجنود والمستوطنين بصدره العاري، كان يحرج إسرائيل بنشاطاته المميزة التي كانت تهدف لفضح جرائمهم وارهابهم، حتى انه يوم استشهاده أقسم لاحد الصحفيين أنه اليوم سوف يحرج اسرائيل.
كانت اخر كلمة له قبل لحظات من اغتياله قال هذا جيش ارهابي يقوم بالاعتداء علينا ونحن جئنا لزراعة الزيتون ولا نحمل سلاح ولا نعتدي عليهم.
أي انسان كان يعرف الشهيد ابو طارق حقاً وعن قرب كان لا بد أن يبكي على استشهاده، فبعد ان تأكدت من خبر استشهاده شعرت ذلك الشعور عندما استشهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وامتلئ قلبي بالحزن واخذت اعبر عن مشاعري الحزينة في ذلك اليوم وكان اهم ما كتبت في ذلك اليوم هو قصيدة رثاء للشهيد زياد ابو عين مع انني ليس بشاعر ولكن حجم الحزن كان لا يطاق وهذه هي القصيدة:
أتقدم لروح الشهيد القائد زياد ابو عين بهذه القصيدة
كـــــلــــنــــــا زيـــــــــــاد
حـــــــــمــــلـــت فــــيـــنـا حــــــلــم الـــوطــــــن يا زيــــاد .... ولــــــــقــــنــــتـــنـــا حــــــب الارض فــــي كـــل مــــيــعــاد
طـــــاردت بــني صـــهيون بـــسلاح الاجــداد .... وجــــعــــــلــــــت فـــــي الـــــــــســــلام وجـــــعـــاً للأوغـــــــــــاد
أســــروك ثــلاثة عــشر عــاماً كــلها أمــجاد .... ومـــــــــا اســـــتطاعـــوا اخـــــضاعــك يا قــلب العناد
أكـــــمــلــت مـــــشـوارك وحـــبـك للــوطــن ازداد .... فأنت خير من ضحى للوطن وأكثر من جاد
في كل منصب بالنضال (أبو عين) عاد .... مــــــــــــــواجــــــهــــة ومــــــــطـــــاردة وحــــــــــــسن اعــــــــــــداد
كـــــنــــت بـــيــنــهــم بطلاً مهما كثرت الاعداد .... وصـــــــــنـــعـــــت فــــــلــــســفـــة الــــمواجــــهة بـــلا فساد
فــــيــا عـــيــن لا تــبـــكي عـلى مــن بالدم جاد .... شـــــــــهــــــيـــــــدا ســــــكـــــــن الـــــوجــــدان بـــحـــب ووداد
قـــــتــــلــوك وانـــــت تــــــــزرع زيــــــــتـــــــون الـــــــــبـــلاد.... فــــــــكـــــــان الـــــــــــرد الـــــثـــوري كـــــــــــلــــنــــا زيـــــــــــــــــــــــــــــاد