مفارقة سياسية بين حماس غزة والنهضة التونسية

بقلم: حسن السعدوني

تعتبر الأزمة حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قرارا ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أم إيجابية- تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة. أما إدارة الأزمة فهي سلسلة الإجراءات والقرارات الهادفة إلى السيطرة على الأزمة، والحد من تفاقمها حتى لا يفلت زمامها: مؤدية إلى نشوب صدام بين أطراف المعادلة، وبذلك تكون الإدارة الرشيدة للأزمة التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للشعب والدولة وحمايتها من الأخطار المحدقة.
وبالتطبيق على مفهوم الأزمة وإدارتها فنحن- الفلسطينيين- وبالذات في غزة نعيش في أزمات دائمة ومتواصلة تبدأ هذه الأزمات بالتعريف و التأصيل المفاهيمي للمقاومة والهدنة مرورا بالخدمات الحيوية للمواطن وصولاً إلى خلق حالة الصمود والتصدي للمشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية. هذه الأزمات القت بظلالها على طبيعة العلاقات الوطنية الفلسطينية- الفلسطينية. كما أن هناك مشكلة حقيقية، تكمن في عدم فهم التأصيل النظري والعملي لمفهوم المشاركة السياسية. فاذا كانت حركة حماس جزءاً أصيلاً من حركة الإخوان المسلمين فإن حركة النهضة التي يتزعمها راشد الغنوشي في تونس هي أيضاً جزء من حركة الإخوان المسلمين بعبارة أخرى فإن قيادة الإخوان المسلمين في تونس هم من نفس مدرسة الاخوان المسلمين الموجودين في غزة, ولكن ثمة هناك اختلافاً يكمن في تأثير الحصار وتداعياته التي مست الصف الأول من قيادة حركة حماس وجعلت من القيادة منفصلة عن الواقع المعاش لأزمات غزة، فالانفصال والانقسام يكمن في مضامين الحياة اليومية المطلوبة لغزة لتصمد وتقاوم وتمكَن المواطن للوقوف على جميع الصعد مع من يقوده فهناك حقوق، وهناك واجبات، تؤدي بالضرورة لعدم خلق فجوة بين تصورات القيادة الحمساوية و الانطباع الاولي للشعب ٕ في كيفية إدارة الأمور.
فالمشكلة الحقيقية في الحصار الذي ضربته إسرائيل على غزة والذي جاء بذريعة إسرائيلية بعد حسم حركة حماس الصراع الفلسطيني – الفلسطيني بقوة السلاح، علماً بأن الحصار بدأ مع بداية الانتفاضة الثانية ، فكان الهدف الأساس من الحصار هو تدمير الشخصية الفلسطينية بجعلها مسلوبة الإرادة والتفكير دائماً في حالة العوز لكل شيء وبتالي ضرب الحصار الأسرة الفلسطينية، وجعل الجميع يفكر في مصالحه الضيقة، والتي للأسف لم يحققها، هذا السلوك منطقي وهو أيضاً نتيجة حتمية لمثلث ماسلو الحاجات البيولوجية والأمن وإحترام الذات وتقديرها، المهم في الموضوع الدور الفلسطيني والعقل الفلسطيني يتجه الى أين؟ بعدما نجحت إسرائيل بوضعنا في قفص الحصار اللعين؟
لهذا كله، دائماً هي المخاوف، وعدم الثقة، والتوتر، هو المحدد الرئيس للسلوك والتفكير الفلسطيني من الأحداث التي ألمت بالشعب، وهي نتيجة طبيعية للاحتلال ، الذي استمر 66 عام، ونتيجة لذلك رتب نوعاً من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي القى بضلاله على الحالة النفسية والمجتمعية للشعب الفلسطيني على مدار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وما زاد الطين بله هو التفكير دائماً بتعميق الانقسام الفلسطيني الذي أعطب جميع مناحي الحياة سواءً في النظام السياسي الفلسطيني أو على الصعيد المجتمعي وما أفرزه من وضع اقتصادي واجتماعي وخدماتي متردي، كل هذا جعل من الشخصية الفلسطينية تنتهج أسلوب الحذر من كل ما هو آت لديها حتى لو كان ايجابياً ويجلب لها الراحة لبعض الوقت ويعطيه أمل في مواصلة النضال والاستمرار في المشروع التحرري وبناء الدولة الفلسطينية،( بمعنى لا تصدق كل ما ترى فهذا هو حصيلة الوعي الفلسطيني زمن الانقسام) .
أما الآن فنحن مقدمون على مرحلة سياسية قد تكون صعبة إلى حد ما، وأهم ما يميزها، أنها مرحلة فاصلة وانتقالية فيما يخص الحالة النضالية التي تجسدّت بعدما تقدمنا بطلب عضوية الى محكمة الجنايات الدولية والتي وضعت النضال الفلسطيني تحت عنوان النضال الدبلوماسي القانوني والذي حدد بدوره طبيعة العلاقة مع إسرائيل ونقل الملف الفلسطيني من حالة الستاتيكو( الثبات) الي معركة قانونية قضائية سياسية تدور رحاها في اروقة القضاء الدولي والمؤسسات الدولية. فكانت البداية بفتح تحقيق أولي ما إذا كان قد وقع جرائم حرب في الضفة الغربية وغزة خلال العامين الماضين من قبل دولة الاحتلال، الأمر الذي يبشر بانبعاث الأمل لكل فلسطيني بمعاقبة إسرائيل وغل يدها تجاه حياة الفلسطينيين، كما أن حركة حماس مستعدة لتقديم الوثائق والأدلة والأسانيد للحكومة، من أجل إنجاح القضايا المراد تقديمها بمعنى أن هناك قواسم مشركة يمكن أن يبنى عليها بين الحركتين، من الناحية السياسية النضالية مثلما حصل في تونس وما قدمته حركة النهضة في حالة المعارضة والحكم للشعب التونسي يبنى عليها، لتأسيس مرحلة جديدة، لخدمة الوطن والمواطن لهذا فنحن نحتاج الى راشد الغنوشي وحركة نهضة وإن اختلفت الظروف الموضوعية بين فلسطين وتونس لدفع القاطرة الأولي من القطار إلى القدس .

 الدكتور/ حسن السعدوني