التمهيد الناري والسياسي للانتخابات

بقلم: علي بدوان

بدأت -بشكلٍ أولي- رمايات التمهيد والتصعيد العسكرية النارية "الإسرائيلية" المُلازمة لكل دورة انتخابية برلمانية، تَصُبّ باتجاه قطاع غزة، مع استمرار خرق التهدئة قصفاً وإطلاقاً على الصيادين والمزارعين، وتجريفاً للأراضي المحاذية لغلاف غزة، وإطلاقاً للصواريخ من الجو، من حين لآخر باتجاه بعض البنى التحتية والمنشآت في القطاع.

كما بدأت معها رمايات التصعيد السياسي المُتوقع لها أن تزداد نسبتها خلال الفترة الزمنية التي تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية للكنيست العشرين، المقرر إجراؤها يوم السابع عشر من مارس/آذار 2015 القادم.

موسم اللعب على الغرائز
لقد عودتنا الحالة "الإسرائيلية" الداخلية، وحدّة التنافس بين الأحزاب، ومزايداتها على بعضها البعض، على اللجوء إلى التصعيد والتطرف لكسب المزيد من الجمهور الانتخابي لكل منها، خصوصاً جمهور الأحزاب الدينية الحريدية وجمهور المستوطنين، الذين يُساهمون في العملية الانتخابية بنسبة عالية.

إذ يقترع نحو (90%) من أعضاء تلك الأحزاب الدينية الحريدية ممن يحق لهم الانتخاب في عملية اختيار أعضاء الكنيست، وكذلك المستوطنون الذين يقترع منهم نحو (85%)، بينما يقتصر اقتراع باقي الكتل السكانية في المدن والبلدات المختلفة على نسبة (70%) فقط، وتصل تلك النسبة عند الجمهور العربي الفلسطيني داخل "إسرائيل" إلى نحو (55%) فقط.

فموسم الانتخابات البرلمانية في "إسرائيل" هو موسم رفع الشعارات العالية الوتيرة، كشعار "يهودية الدولة" الذي يطرحه بنيامين نتنياهو الآن بقوة، وموسم دغدغة المشاعر واللعب على الغرائز، وتغذية نزعات المستوطنين وعتاة المتطرفين الذين تتصاعد شهيتهم ويهرعون نحو تبني المواقف المُتشددة.

إن الاستخدام الأوفر والأفعل للماكينة الدعائية والانتخابية قبيل انتخابات الكنيست في "إسرائيل" يتم على قاعدة الشعار والموقف السياسي والأمني وحتى العسكري وترجماته على الأرض. فكلما استطاع هذا الحزب أو ذاك تقديم موقف يدغدغ مشاعر الجمهور استطاع أن يحصد أصواتا واسعة من القطاعات العامة للناس.

حيث يصبح عندها الدم الفلسطيني مُكوِّناً رئيسياً في بورصة الانتخابات "الإسرائيلية"، وهو ما قد تنتج عنه جولة دموية "إسرائيلية" جديدة خلال الفترة القريبة، تستهدف قطاع غزة وحتى الضفة الغربية، خدمة لبورصة المزايدات والعملية الانتخابية القادمة.

وبالتالي فإن كل شيء مُتوقع على صعيد السلوك "الإسرائيلي"، من حيث المغامرة والقيام بعملية عسكرية ضد قطاع غزة، أو الانكفاء والتراجع عن القيام بها، وهو أمرٌ مشروط بالمناخ الدولي الذي يُمكن أن يساعد أو أن يَلجُم الموقف "الإسرائيلي" عن القيام بعملية عسكرية.

المكيافيلية الطاغية
المكيافيلية طاغية في السلوك السياسي عند مُختلف الأحزاب "الإسرائيلية" بما فيها أحزاب "اليسار الصهيوني" و"يسار الوسط"، فالغاية تبرر الوسيلة حتى ولو كانت تلك الوسيلة الدخول في عمليات عسكرية تتسم بصفة المُغامرة من حيث المُخاطرة بنتائجها أو ارتدادها على الداخل "الإسرائيلي"، الذي لا يتحمل الأوجاع المؤثرة كسقوط أعدادٍ متزايدة من الجنود على جبهة العمل العسكري.

ولنا في ما ذهبنا إليه أكثر من مثال حي وطازج، وأكثر من حالة ملموسة، فالدورتان الانتخابيتان السابقتان للكنيست، ترافقتا أثناء الحملة الانتخابية لكل منهما مع عدوان عنيف على قطاع غزة.

ففي ذروة الحملة الانتخابية للكنيست الثامن عشر -التي كان مقرراً إجراؤها في العاشر من فبراير/شباط 2009- قامت حكومة إيهود أولمرت حينها بعدوان "الرصاص المصبوب" في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2008.

وقد انتهت تلك الحرب بما انتهت إليه على الصعيد الداخلي في "إسرائيل"، ففاز اليمين واليمين المتطرف، وتراجع حضور حتى أحزاب يمين الوسط، ومنها حزب كاديما بالذات الذي بدأت أوضاعه من حينها في الانحدار إلى قاع الهاوية على صعيد حضوره بين الناس في "إسرائيل".

وفي ذروة الحملة الانتخابية للكنيست التاسع عشر -التي كان مقرراً إجراؤها في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني 2013- شنت حكومة الائتلاف بقيادة نتنياهو حرباً مباغتة تحت عنوان "عمود السحاب" في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بدأت باغتيال القائد العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام الشهيد أحمد الجعبري، رغم ما ساد آنذاك من أجواء انفراج وتهدئة قبل تلك الجولة الدموية.

ففي تلك الحرب أطلق نتنياهو حملته الانتخابية فور انتهاء الحرب تحت شعار "نتنياهو قوي ضد حماس"، واستطاع بالفعل كسب المزيد من أصوات الجمهور الانتخابي في مجتمعٍ بات يميل بأغلبيته نحو صفوف اليمين بشقيه: التوراتي المُتطرف، واليمين "القومي العلماني العقائدي".

التصعيد الخطابي
إن المعطيات إياها، وواقعة ما جرى قبيل الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين، يُمكن أن تُشكِّلَ مؤشراً لتكرار ما سبق على أبواب الدورة الانتخابية البرلمانية للكنيست العشرين، خصوصاً مع التحركات العسكرية "الإسرائيلية" التي بدأت تتواتر مؤخراً على جبهة قطاع غزة.

حيث بات الحديث عن جولة عسكرية دموية جديدة ضد قطاع غزة، يأخذ حيزاً في الإعلام "الإسرائيلي" المرئي والمكتوب والمسموع، ولدى المحللين الأمنيين والعسكريين "الإسرائيليين".

مع تركيز وسائل الإعلام "الإسرائيلية" على الحديث عن العرض العسكري الذي أقامته حركة حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام مؤخراً في قطاع غزة والذي ترافق مع ظهور عتادٍ جديد، وتنامي قوة فصائل المقاومة، وزيادة قدراتها التسليحية، وهو ما يزداد صداه اتساعاً في أوساط اليمين والمستوطنين الذين يعيشون داخل مستعمرات الغلاف المحاذية لقطاع غزة وحتى داخل العمق في منطقة النقب.

وانطلاقاً من الوارد أعلاه، نلحظ وجود حالة من التصعيد الخطابي لرئيس الوزراء واللاعب الأساسي في الانتخابات القادمة بنيامين نتنياهو، حيث تحدث عن إمكانية القيام بتوجيه ضربات عسكرية إلى قطاع غزة، حين قال "أمن إسرائيل يأتي قبل أي شيء آخر، ولن أمر مرور الكرام حتى على إطلاق صاروخ واحد على أراضينا، ولذا رد سلاح الجو على إطلاق هذا الصاروخ بتدمير مصنع إسمنت استخدمته حماس لترميم أنفاق تم ضربها أثناء عملية ‘الجرف الصامد‘.
حماس تتحمل المسؤولية عن أي تصعيد، ونحن سنحافظ على أمن إسرائيل".

كما نلحظ أن هناك عودة جديدة للمبالغة "الإسرائيلية" الاستخدامية في الحديث عن الموضوع الأمني، ومحاولة فرض هذا الموضوع على أجندة الانتخابات في ظل الحملة الانتخابية التي بدأت فعالياتها الملموسة تَدبّ على الأرض.

احتمالات الإحجام واردة
ومع ذلك، فإن احتمالات الإحجام "الإسرائيلي" عن الدخول في مغامرة عسكرية ضد قطاع غزة واردة أيضاً، انطلاقا من المكيافيلية ذاتها التي تحكم مسارات عمل الكتل الحزبية وسياسات "إسرائيل" التكتيكية بشكلٍ عام. فهناك ثلاثة أسبابٍ وجيهة قد تجعل أصحاب القرار في "إسرائيل" يحجمون هذه المرة عن الدخول في مغامرة عسكرية جديدة.

وأول تلك الأسباب أن أي مغامرة عسكرية "إسرائيلية" جديدة ضد قطاع غزة لن تكون كسابقتها من حيث نتائجها وحدة المواجهات التي قد تقع فيها، فهناك حالة عسكرية أفضل نسبياً لدى الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية من حيث الاستعداد للمواجهة.

وثاني تلك الأسباب أن هناك عامل القلق "الإسرائيلي" من نتائج الحرب واحتمال فشلها في تحقيق إنجازات جدية، وهو ما قد ينعكس سلباً على مسارات العملية الانتخابية القادمة ونتائجها بالنسبة لبنيامين نتنياهو.

وثالث تلك الأسباب هو أن المناخ الدولي قد لا يساعد حكومة نتنياهو في الإقدام على مغامرة عسكرية جديدة، حيث هناك درجة لا بأس بها من التأفف الأوروبي المتزايد من سياسات نتنياهو خلال العامين المنصرمين.

أخيراً، وبانتظار انتهاء الأسابيع الباقية للوصول إلى انتخابات الكنيست العشرين، يُفترض في قوى وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية ألا تبقى على مقاعد المتفرجين والمراهنين على ما ستفضي إليه نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في "إسرائيل".

وعليها أن تغادرها هذه المقاعد، وأن تعمل من أجل تطوير استعداداتها لمواجهة ما تحمله المرحلة المقبلة من صعوبات. فهي مدعوة لبناء إستراتيجية جديدة، تبدأ باستعادة الوحدة الوطنية الحقيقية الائتلافية التشاركية، والتي تنطلق من برنامج سياسي وكفاحي يسقط المراهنات، ويقطع نهائياً مع السياسة الانتظارية.

كما يقع على عاتق قوى الشعب الفلسطيني داخل حدود عام 1948 في "إسرائيل" أن تعبر الامتحان الأقسى إذا توافقت على المشاركة في الانتخابات، بالعمل لإنجاز "القائمة العربية الواحدة" ووضع "وثيقة ائتلاف" على القواسم الوطنية المشتركة بين كل الأحزاب العربية.

المصدر : الجزيرة