لا تتعدى أحلام المسن الفلسطيني أحمد أبو عيسى( 64 عاماً)، سوى أن يعيش تحت سقف منزل يحميه من برد الشتاء القارص، ويضمن لأسرته حياة كريمة، تنسيهم ما يعيشون من تشرد منذ أن هدم الجيش الإسرائيلي بيته، وقتل نجله خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
ويعيش المتضررون الفلسطينيون الذين دمرت إسرائيل منازلهم أثناء عمليتها العسكرية ضد قطاع غزة "الجرف الصامد" التي شنتها في الثامن من تموز/ يوليو الماضي واستمرت 51 يوماً ظروفاً حياتية صعبة، منتظرين بفارغ الصبر إعادة بناء منازلهم.
وقتلت إسرائيل خلال عملية "الجرف الصامد" ما يزيد عن ألفي فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ إضافة لإصابة ما يزيد عن 11 ألف آخرين، عوضاً عن تدمير البنية التحتية للقطاع وعشرات الآلاف من المنازل.
وخرح أبو عيسى من منزله الوقع بجوار مسجد "المرابطين" غرب منطقة جحر الديك وسط قطاع غزة، أثناء العدوان تاركاً خلفه مسكنه بكل مكوناته ومقتنياته، لتدمره المدفعية الإسرائيلية. ويقول:" خرجنا من البيت بأعجوبة والحمد الله(..) مكثنا فترة داخل المدارس حتى توقفت الحرب."
وذكر المسن أبو عيسى لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" أنه عندما عاد إلى منزله لم يعرف معالمه، وتمكن فقط من إخراج " المواسير الحديدية" التي استفاد منها في صناعة منزل بسيط من "ألواح الزينجو " على أرض حكومية بمدخل حجر الديك.
ويوضح أبو عيسى الذي استشهد إبنه سعيد وهو إمام مسجد "المرابطين"، أنه "يعش حالياً ظروفاً إنسانية في غاية الصعوبة، وتفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة، خاصة وأنه يعيش بمنزل صنعه من "الزينجو" وأقامه على الرمال. "
ويتكون منزل أبو عيسى من غرفتين ومدخل سكنها البرد قبل أن يسكنها هو وعائلته ويقول :" بعدما خرجنا من المدارس أصبحنا في العراء ولم نحصل على أي مساعدات مالية لكي نستأجر منزل، وكل ما حصلنا عليه مبلغ بسيط من وكالة الغوث واشتريت فيه ألواح الزينجو".
واضاف أبو عيسى وهو يحاول أن يخفي دموعه من صعوبة الحال الذي يعيشه:" أنا مش لاقي جزمة أمشي فيها متل الناس، مش لاقي جلبية أغير فيها مش لاقي جوكيت ألبسها لما أطلع في البرد، وضعنا صعب جداً، أنا مش لاقي حد يصرف عليا وأنا ومريض". وتابع :" نحتاج إلى فرش وملابس والبيت مفروش بسط على الرمل ولا يوجد حتى كراسى للجلوس عليها. "
وأوضح أنه يعاني من حالة نفسية منذ حوالي عشرين عاماً، مبيناً بأنه مكثت فترة بمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، لتلقي العلاج وثم أصبح يصرف له علاج نفسي من عيادة "الحرازين" ثم "الصوراني" ثم نقل ملفه إلى مستوصف "الأقصى" وبعده إلى مستوصف "الزوايدة". وأشار إلى أنه منذ ست سنوات يتلقي العلاج في مستوصف مخيم البريج عقب إكتشاف أنه مصاب بمرض الضغط.
ولفت إلى أن عائلته تتلقى مبلغ مالي من الشؤون الإجتماعية يقدر 1800 شيكل بمعدل 200 شيكل للفرد الواحد، ولكنهم منذ أربعة شهور لم يتلقوا شيء منها، وهو ما يفاقم معاناتهم خاصة وأن ما يتلقونه من الشؤون بالكاد يكفي لاسبوعين.
ويستغرب أبو عيسى من تهميش المؤسسات الرسمية والإغاثية بعدم إعطائهم والعائلات المدمرة منازلهم في المنطقة أي إهتمام، حيث أنه منذ أن هدم بيته في العدوان الأخير لم يحصل من تلك الجهات إلا على "حرامين"فقط. وأوضح بأنهم يعانون من تهميش ممنهج من الوكالة، قائلاً : "لم يزرنا أحد فقط جاءنا أطباء قبل شهرين من الوكالة وعالجوا سكان المنطقة ولم يعودوا مرة ثانية".
ولا يتوقع أبو عيسى أن يعاد بناء منزله في الوقت الحالي، مطالباً المؤسسات الدولية والإغاثية النظر بعين الرحمة لمعاناتهم، والإسراع في عملية إعادة الإعمار، مشيراً إلى أهمية أن يتوحد الفلسطينيين من أجل ضمان إعادة الإعمار، مؤكداً على ضرورة إخراجهم من دائرة المناكفات السياسية.
وتوصلت فصائل المقاومة الفلسطينية واسرائيل برعاية مصرية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار 26 آب/ أغسطس الماضي، ثم شهدت القاهرة فعاليات المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وجمعت أموال قدرت بنحو 5,4 مليار دولار أمريكي لإعادة بناء القطاع ، فيما لا يزال السكان بدون إعمار.
وأعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، اليوم الثلاثاء، وقف مساعداتها المالية وبدلات الإيجار للمتضررين من العدوان إضافة إلى قطع بعض المساعدات المقدمة للمتضررين من اللاجئين، معللة ذلك بأن ما وصلها من أموال منذ انتهاء العدوان بلغ 135 مليون دولار فقط، بينما تبلغ احتياجاتها بهذا الصدد 720 مليون دولار لمساعدة 96 ألف عائلة لاجئة تضررت منازلهم نتيجة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولم يصل إلى القطاع سوى مبلغ ضئيل من الـ 5,4 مليار دولار، فيما يقيم آلاف الفلسطينيون في خيام قرب بيوتهم المدمرة، وآلاف آخرون في بيوت أصابها بعض الدمار ويستخدمون المشمعات اتقاء للمطر، ومازال نحو 20 ألف نازح عن مساكنهم يعيشون في مدارس تديرها "الأونروا".
تقرير، وتصوير مراسلنا | سلطان ناصر