الأنسان الرقم الصعب

بقلم: نبيل عبد الرؤوف البطراوي

الانسان هو أصل الأشياء وجوهر وجود الكون وتجلي عظمة الخالق ,من هنا تأتي أهمية الحفاظ عليه ورعايته بشكل إيجابي لكي يكون عنصر فعال وايجابي في المجتمع الذي يحيا فيه وكثر من تحدث من أهل الحكمة والتجربة من القادة والعظماء والفلاسفة وأهل الأدب من أجل العمل على رفع قيمة الانسان لتعزيز الشعور الايجابي عنده ولكي تزداد ثقته بنفسه وتزداد ثقته بالمحيط الذي يحيا به .
فأرسطو ترك لنا قوله (من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم اعداءه لأن أصعب الانتصارات هو الانتصار على الذات)تلك الذات الذي تحدث عنها القرآن الكريم علاقتها بالأهواء والنزوع نحو الشر أو الخير وجميع ذلك نجده في القرآن الكريم) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10(
فالله وضع فيها الخيار والاختيار فهي ملهمة أن تعرف التقوى وتعرف الفجور فمن زكىّ النفس وارتقى بها يفلح ومن جعلها تتبع الهوى والشهوات تخيب ويخيب معها صاحبها فهي تؤدي بك إلى طريقين لا ثالث لهما إما الجنة وإما النار, هذا على الصعيد الفردي الخاص فكيف حينما تكون تلك النفس بين ضلوع من يتحكم ويحكم في الشأن العام وفي أقوات وحياة العباد أليس تلك النفس بحاجة الى فلسفة التهذيب التي أتبعها الخليفة العادل في عام الرمادة حينما كان يقول لبطنه (“قرقري أو لا تقرقري، لن تذوقي اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين” .)ألم ينقش هذا الخلفة أسمه بحروف من نور في صفحات التاريخ ليتم ذكره اليوم وبعد (1436) سنة وكم من حكام اليوم سيبقى أسمائهم تلمع مثله ؟.
بكل تأكيد الاختلاف في الرأي ووجهات النظر لا يفسد في الود قضية ولكن أن يرضخ شعب بمشاعره ومصالحه وقضاياه الانية والمستقبلية نتيجة لتظاهر بوجود خلافات سياسية بين أقطاب تمكنت بشكل أو بأخر التحكم بمصير شعبنا ويبقى أسرارها على السير على نفس الطريق دون أن تمتلك أفق لحل قضايا يومية باتت ملحة أكثر بكثر من قضايا مصيرية قد تشاركنا فيها أجيال قادمة كثيرة ويصل بنا الحال الى تجسيد القول (أن تكره الآخر ليس اثما عظيما ولكن ان تتجاهله هو الوحشية بعينها ) (وجورج برنارد شو ),هذه الوحشية التي باتت تتجللا في الصراخ والتهليل والتطبيل وكأن هذه الوسيلة التي ممكن من خلالها تحقيق الباطل لكي يصح حق وتجاهل الحق ليصبح باطل دون اللجوء الى الحوار الحقيقي والصادق من أجل التفرغ الى القضايا الاهم التي تهم شعبنا الذي مازال جرح صراعه مع العدو الصهيوني مفتوح .ومها تما غاندي يقول (عندما تكون على حق تستطيع أن تتحكم في أعصابك أما اذا كنت مخطئا فلن تجد غير الكلام الجارح لتفرض رأيك). هذا ممكن أن ينجح من خلاله فرد أو جماعة تحقيق هدف آني ولكن كل ما سوف يبنى على هذا النجاح سوف يقود الى مزيد من الفشل لأنه لا يرتقي الانسان الا عندما يلمس بيده حقيقة الحياة التافهة التي يعيشها ,وهذا الرقي بعد هذه المعرفة لن يكون بناء عنكبوتيا بل سوف يكون أساس متين للأجيال القادمة ,لأن للعلم والمعرفة دور فعال في زيادة الوعي وتثبيت القناعة لدى أبناء المجتمع الواحد والتناسب هنا عكسي اذا ازدادت المعرفة قلت الأنانية واذا قلت المعرفة ازدادت الانانية ,
وهنا الناظر الى الحالة التي وصلنا لها بشكل عام كشعب فلسطيني تمكن من أثبات حضوره في كل أسقاع الأرض هذا الحضور المميز الذي ترك الكثير من البصمات الايجابية نجده اليوم يقف صامت وكأنه في حيرة من أمره وكأنه غير قادر على التمييز لتعزير هذا المنهج أو ذاك أو ايجاد خلطة سحرية تجلب الجميع الى الدائرة المستديرة التي تجمع الشعب بشكل عام لتحديد أهدافه وترتبها وفق الاولويات وإمكانيات انجازها لا الاختفاء خلف شعارات براقة ليس في متناول الزمن والظرف المنظور ,فهل يعقل أن يصبح والتحريض ممن هم يركبون ظهورنا ويسوقونا دون أن ندري الى أين والمصيبة أنهم بعدما يسرقونا ويطعمون أبنائهم ويلقون ألينا ما تبقى بعد شبعهم ,يطلبون منا أن نشكرهم على حسن ضيافتهم لنا في زمانهم ؟فهل قرر شعبنا أن يبقى على هذه الحالة الى أن يغير الله شأنا مكتوبا علينا أن نحياه لذاك أمعن في تعلم فن التجاهل باحتراف لكي يعيش ؟دون أن يدرك بأن شعب بلا أرضه: جالية، والهوية بلا وطن: مستودع ذكريات حزينة ,أن حالة التيه التي يمر اليوم شعبنا فيها تستدعي كل أصحاب الضمائر من النخب الحية الحريصة على الحاضر والمستقبل الوطني لتضع أمام عيونها الأنسان الفلسطيني الذي يعتبر عمود الخيمة لقضيتنا الوطنية والعمل على الحفاظ عليه وكرامته لتكون أولا اولويات العمل الوطني (اغرس اليوم شجره تنم في ظلها غداً)فكيف لو بنيت أنسان؟ من هنا يجب الابتعاد عن كل ما يحط من قيمة هذا الانسان لأنه هو أغلى ما نمتلك في هذا الوطن ولا يمكن أن تكون كرامة للوطن دون كرامة للمواطن وفي النهاية أذكر بما تركه لنا الدكتور مصطفى محمود :من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس الى قلبه أبدا وسوف يرى الدنيا أياما يداولها الله بين الناس ,الأغنياء يصبحون فقراء والفقراء يصبحون أغنياء وضعفاء الأمس أقوياء اليوم وحكام الأمس مشردو اليوم والقضاة متهمون والغالبون مغلوبون والفلك دوار والحياة لا تقف والحوادث لا تكف عن الجريان والناس يتبادلون الكراسي ولا حزن يستمر ولا فرح يدوم .
نبيل عبد الرؤوف البطراوي
27-1-2015