بعد يوم أو أثنان من صدور قرار القاضي اللبناني الممثل بمقاتلي حزب الله بمهاجمة رتل صهيوني والقضاء عليه في مزارع شبعا والرد بقسوةٍ معهودة على الإعتداء الصهيوني على قادة الحزب في مدينة القنيطرة السورية، ولا زلت أؤمن أن لدى هذا القاضي الكثير ممّا يمكن أن يصدره من قرارات تؤكد للعدو وعملائه أن هناك رجال أشداء لا زالوا على الكرامة قابضين، وإيمانهم بالنضال سائرين. وأن زمن العربده ولى، والاستضعاف لم يعد له وجود في قاموس المقاومة الأصيلة المؤمنة بحتميةٍ الانتصار، وأن الخضوع لم يعد لغة دارجة في أبجديات العمل المقاوم الفاعل. في خضم حالة الإنتشاء المقاوم التي تعتبر هي العلاج النفسي الناجع لشعوب أنهكها النظام الرسمي بخضوعه، واستسلامه، وخيانته لقضايا الأمة، أبى هذا النظام إلَّا أن يُمارس دوره التاريخي في احباط أي نشوة وانتشاء لهذه الجماهير الظمئآ للكرامة ليخرج علينا القضاء المصري في وقت غاية في الحساسية بقرار لم يعد مفهوم، ومقبول وهو اعتبار كتائب عز الدين القسام (الذراع العسكري لحركة حماس) جناح إرهابي، متبنيًا اللسان الأمريكي – الصهيوني في لغته القضائيه، عندما يُصنف أحد أذرع المقاومة الفلسطينية وينتعتها بالإرهابيه، محاولًا أولًا تقديم مسكن ومخدر للشعب المصري البسيط لغض نظرهم عن اخفاقاته وفشله الذريع في سيناء التي أثبتت أن الجيش المصري العظيم يُترك في الصحراء عاريًا، دون غطاء أو حمايه، ولا تتم نجدته إلَّا بعد أن يقع فريسه للقوى الإرهابية، تفعل به ما تشاء، وبأريحية مطلقة، فتنجح في قتل ما تيسر لها من جنود من جهة، ثم تصدير الأزمة النفسية للجندي المصري الذي انتابه حالة اليأس، فهذا الجيش العظيم بني عقيدته الوطنية على الإيمان بالمواجهة والنصر في المعركة، والآن يترك صيدًا سهلًا لقوى الظلام التي يتم التعامل معها كردات فعل، ولا استبعد أن تكون مدعومة أمنيًا، ويترك لها مساحة من الحريه في العمل، وتزود بمعلومات دقيقة لإرتكاب جرائمها في وضح النهار، لتحقيق أهداف ومرامي بعيدة المدى، تمهيدًا لمخطط يجري على الأرض في سيناء، حيث أن عمليات التجريف، والتهجير لسكان سيناء تجاوزت حدود وهامش المساحة الأمنية المزعومة، أو ما يسمى المنطقة العازلة، تجاوزت ذلك كثيرًا، وأصبح المخطط والفعل في دائرة الشك والريبه، وهذه السهولة في مباغتة ومهاجمة الجيش المصري، وقرارات القضاء المصري تدفع المرء لمزيدٍ من التحقيق والتعمق في مجمل الأحداث الدائرة منذ أشهر في سيناء، والتي توحي بأن الفعل هو فعل تمهيدي لإيصال الشعب المصري بأن سيناء عضو فاسد في الجسد المصري، وبؤرة موت للجيش المصري، وأن التخلي عنها أفضل وأجدى لمصر، ولكن لمن يمكن التخلي عنها؟!
بكل ِّ الأحوال لا أعتقد أن " غسرائيل" بحاجة لسيناء، ولا يمكن لها أن تفكر بإعادة سيناء لحظيرتها، لأن هذا الكيان أسقط من ذهنيته وعقليته " أرض أكثر أمن أكثر" وبات يرسم حدوده وفق نظرية" أرض أقل أمن أكثر" وأنه أمنيًا أكثر استقرارًا ممّا هو عليه أثناء سيطرته على غزة وجنوب لبنان، وكذلك سيناء.
وهذه التجربة التي خلص إليها الكيان منذ انسحابه من المناطق المحتلة في جنوب لبنان، وغزة على وجه التحديد، وعليه فسيناء خارج تخطيطه المركزي السياسي والأمني وكذلك العسكري، وهو ما يدعونا للبحث عن دوائر أخرى في الجهة التي يمكن لها أن تتحول منها سيناء لخلاص من هذه الأزمة المؤرقة للضمير العالمي، أي هل يمكن أن تكون سيناء الوطن البديل للفلسطينيِّين؟! إن مجمل الأحداث على الأرض تؤكد أن ما يدور في سيناء أبعد من حزام أمني، ومنطقة أمنية، والتوالي للأحداث والأزمات يؤكد على حقائق بعيدة المرامي، خاصة مع فشل كل محاولات المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي ترعاها مصر، وعدم موافقتها على راعي أخر مهما كان وزنه في المنطقة أو خارج المنطقة، وتجميد الرعاية المصرية للمفاوضات مع " إسرائيل" والمقاومة بعد حرب 2014، مكتفية بأنّها قدمت المقاومة كمهزومةٍ أمام شعبنا الفلسطيني، والشعوب العربية، وكذلك توالي الهجمات الإرهابية الموجعة ضد الجيش المصري، وتشديد الخناق على غزة، وسرعة الرد السياسي والقضائي المصري، وهي حالات غير مصادفة، وغير عفوية، فهل ما يتم هو تمهيد لتوسعة دولة غزة في سيناء؟ أم دولة فلسطين في غزة وسيناء؟
في ظل ما وصلت إليه الحالة العربية الحالية، وطبيعة الأنظمة التي أصبحت أكثر وظيفية من سابقاتها بعد حرّاكات الشعوب العربية، وتدمير العراق وسوريا، لم يعد هناك أي رهانات وطنية يمكن التعويل عليها بالنسبة لهذه الأنظمة، ولم يعد مجالًا على المراهنة على وطنية وقومية هذه الأنظمة، خاصة وأنها تنفذ المخطط والخطط بدقةٍ وطواعيه ... فلا يمكن استبعاد أي احتمالية قائمة.
فالنظام المصري ومنذ إنهاء نظام الأخوان المسلمين وهو يُصدر كل الأزمات المصرية صوب غزة عامة، وحركة حماس خاصة، بل إنه يدفع باتجاه عدم قبول أي محاولات لبناء علاقة معه من قبل حركة حماس التي حاولت التقرب له أثناء وبعد حرب حزيران 2014، إلَّا أن النّظام المصري كان يزداد قسوة ضد غزة عامة، وحماس خاصة التي سلمت في نهاية الأمر لإرادة القيادة العسكرية القسامية واتجهت عائدة نحو إيران التي قفزت وتجاوزت موقف الحركة من سوريا، واحتوت الحركة مرة أخرى، وهي تُدرك طبيعة المرحلة والضغوط التي تواجهها حركة حماس خاصة، والمقاومة الفلسطينية عامة بعد حرب 2014. وبذلك يمكن القول أن إيران بإعادة احتوائها لحركة حماس تمكنت من السيطرة على غزة وقواها المقاومة الممثلة بحركتي " حماس والجهاد الإسلامي" وكذلك من بعيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
إذن في ظل طرد مصر لأي علاقات مع حماس، وتعميق الهوة معها، خاصة بعد قرارها الأخير فإنها تمهد الأرضية الخصبة للنظر فيما تمارسه في سيناء بتحفز وريبه، وأن ضغطها على غزة وحصارها المشدد وتهاونها مع الكيان الصهيوني في التفاوض على القضايا الحياتية الفلسطينية بعد حرب 2014 يضع أمامنا ما يمكن أن نفكر فيه، وما يمكن أن نتعمق فيه، وما يمكن أن يدفعنا للتخوف منه، وممّا هو قادم على صعيد القضية الفلسطينية، خاصة وأن هناك أطراف فلسطينية فاعلة تُبصم للنّظام المصري، وتوقع على كل ما يريده، ولا تبغى منه أكثر من شهادة حسن سير وسلوك فقط ... ولننتظر قادم الأيام.
د. سامي الأخرس
الأول من فبراير (شباط) 2015
[email protected]