مصر وحماس بين سرعه الرد وضبابية الموقف

بقلم: محمد أحمد ابو سعده

بعد أن أعلنت أوروبا رفع حركة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية ،تفاجأ الفلسطينيون بإصدار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حكما يعتبر كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) منظمة إرهابية , وقد أشار مقيم الدعوى إلى أن كتائب القسام متورطة في العمليات الإرهابية التي حدثت مؤخراً في سيناء، وذلك من خلال استغلال الأنفاق القائمة على الحدود بين جمهورية مصر وقطاع غزة الفلسطيني , كما اتهمت المحكمة الكتائب بتهريب الأسلحة المستخدمة في الهجوم الأخير في سيناء ضد الجيش والشرطة بهدف زعزعة أمن واستقرار مصر.

هنا وبعد صدور هذا القرار جال في خاطري عده تساؤلات وهى ، هل ستحذو بعض الدول العربية التي تمتلك علاقات وطيدة مع مصر على نفس النهج ضد حركة حماس ؟؟؟ وما هو المستقبل السياسي والاقتصادي لحركة حماس ؟؟ وكيف سيتنقل قادتها ؟؟ وهل سيكونون جزء من أي عملية سياسية قادمة ؟؟؟ بالإضافة إلى مستقبل قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ العام 2007 ، وهل سيعتبر الآخر كيان إرهابي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنين الفلسطينيين ؟ هذه التساؤلات وأكثر تجول في ذهني ، وكذلك في ذهن كل مواطن فلسطيني يبحث عن مستقبله المجهول في ظل كل المتغيرات التي تدور حوله .

تداعيات هذا القرار:

أن هذا القرار لا يعني تخلي مصر عن غزة ولكن قد تكون تداعياته خطيرة لأنه أول قرار يصدر على المستوى العربي والإسلامي وبالتالي من الممكن أن يكون له نتائج خطيرة على مستقبل حركة حماس على المستوى الإقليمي ، إضافة لنتائج وخيمة على المدى البعيد وخاصة محكمة الجنايات الدولية والمستوى الأوروبي مما يستوجب الإسراع في استدراك القرار.

كما أن هذا القرار سيكون ملزما للسلطة التنفيذية في مصر إذا لم يتم الاستئناف عليه وسيكون له تداعيات مباشرة على حماس من خلال منع أي شكل من التواجد لها في مصر على مستوى المال والأنشطة والمكاتب أو دخول وخروج قيادتها عبر معبر رفح مما سيترك تداعيات خطيرة على مستقبل حركة حماس.

ماذا على حماس أن تفعل ؟؟

أتمنى على الإخوة في حماس أن تأخذ العبرة مما جري في مصر ، منذ 30 يونيو والذي أدى لنهاية حكم الإخوان المسلمين ، وترك تداعيات على القضية الفلسطينية وخصوصا مع تكرار قول حركة حماس بأنها امتداد إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر مما سيطرح سؤالا حول مستقبل حركة حماس وسلطتها في قطاع غزة بعد سقوط حكم الإخوان وقد كتب وتحدث الكثيرون حول سياسة حركة حماس وعلاقاتها الخارجية ، وإذ نعود للموضوع مجددا بسبب الأحداث التي تجري في مصر وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة ، ونحن هنا لسنا في وارد جلد الذات كفلسطينيين أو تحميل حركة حماس المسؤولية فبالرغم من وجود عده ملاحظات على أداء السياسة الخارجية لحركة حماس ، وبالرغم من الأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية نتيجة الانقسام الذي تتحمل حركة حماس المسؤولية عن جزء منه ، إلا أننا مازلنا نراهن أن تعود حماس للوحدة الوطنية الفلسطينية وأن تراجع حساباتها ومواقفها في ظل ما يجري في مصر.

ومن هنا فإنني انصح الأخوة في حركة حماس بالقيام بالخطوات التالية :-

أولا: على قيادات حركة حماس أن تعي هذه المرة أن قرار المحكمة المصرية يشكل ذروة التأزم في العلاقات بين القاهرة وحماس يتطلب منها اتخاذ قرارات سريعة وحكيمة " بعين العقل والحكمة بعيدا عن خطبة جمعة أو مظاهرة شعبية " تعيد مسار العلاقات إلى الأفضل ، وأن عدم إدانة حماس واتخاذها موقف واضح وصريح تجاه الأحداث في مصر قد يفسر لنا هذا القرار ، وعلى قيادات حماس السياسية أن تعي أيضا بان هذا القرار لا يعني نهاية العلاقة بين الجانبين كونه حكم قضائي يمكن الاستئناف عليه ونقضه ولكنه يحتاج لمبادرة وموقف واضح من حماس باعتبارها حركة وطنية فلسطينية.

ثانيا : أتمنى على حركة حماس أن تحسب حساب كل خطوة وكل تصريح يصدر عنها في هذه المرحلة الدقيقة حتى لا يتحمل الشعب الفلسطيني نتائج تداعيات خطيرة للأحداث في مصر ، إن نظرة قطاع كبير من الشعب المصري لحركة حماس تغيرت كثيرا للأسوأ ، بل أمتد الأمر لنظرة المصريين للفلسطينيين وهذا ما سينعكس في العلاقة المستقبلية بين الشعبين ، وفي طريقة تعامل المصريين مع أهالي قطاع غزة .

ثالثا: إن استمرار الانقسام بالجسم الفلسطيني الجغرافي والسياسي ، يخلق ظروفا تكون قاسية على الشعب الفلسطيني ومستقبله الوطني والسياسي ، ويبدد الحقوق الفلسطينية ، ويهددها بالضياع والذوبان ، فيكفي ما يزيد على سبعة سنوات من الانقسام والمصالح الفئوية والذاتية ، يجب الإسراع لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطيني ، أما غير ذلك وأعني به استمرار الانقسام ، وعدم إنجاز الوحدة سيقود الشعب الفلسطيني وقيادته إلى مزيد من الانتكاسات والهزائم . إن شرط من شروط الانتصار هو إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية .

رابعا: أن تبادر حركة حماس وبشكل عاجل إلى تسليم معابر قطاع غزة كافة لحكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد لله من اجل تخفيف الحصار على أبناء القطاع وكذلك إبطال كافة الحجج المتعلقة بإغلاق المعابر أو توجيه اتهامات للقسام بالعبث بالأمن المصري من خلال اتهام حماس بالسيطرة على الأنفاق ، وأنا هنا أتفهم طلب حماس بضمان مستقبل موظفيها المقدر بحوالي خمسون ألفا " وهى قضية عادلة بدون شك " فلا يمكن أن أتخيل "ضمان الأمن الوظيفي لموظفين الإدارة المدنية فترة الاحتلال لغزة قبل قدوم السلطة ولا يتم التعاطي مع موظفين عينتهم حركة حماس " إلا إنني أقول وبكل صراحة باننى أتفهم حصار مليون ونص فلسطيني في غزة وحرمانهم من ابسط الحقوق كالعلاج والتعليم و فرص العمل أكثر من هذه الملفات الصغيرة الشائكة والتي لها حلول ان صدقت النوايا وقدمنا حلول وسطية.

تداعيات هذا القرار على دور مصر الإقليمي:

قد يترتب على هذا القرار نتائج سلبية أيضا على سياسة مصر الخارجية ومنها :-

أولا: إن الدبلوماسية المصرية ستفقد قدراتها على إدارة الملف الفلسطيني وأداء أدوار محددة والاحتفاظ بجسور اتصال مع الفلسطينيين وأهمهم حماس وفتح ، فكيف يمكن للدبلوماسية المصرية أن تمارس هذا الدور وهي تتهم أحد أركان الملف بأنها منظمة إرهابية ، وكيف ستكون مصر وسيطاً مقبولا لدى كل الأطراف .

ثانيا: قد يدخل هذا القرار جمهورية مصر في موجه جديدة من انتقادات بعض حكومات الدول الإسلامية والعربية والتي تربطها علاقات مميزة مع حركة حماس كتركيا وقطر وماليزيا ، بالإضافة إلى حالة سخط في صفوف شريحة واسعة من أبناء الأمة العربية والإسلامية المحبة لحركة حماس وتضحياتها قد يستغلها الكارهين والحاقدين لمصر بتشوه صورة مصر العظيمة .

ثالثا: هذا القرار سيفتح أعين و شهية كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال على وسيلة جديدة ضاغطة على الفصائل الفلسطينية وذلك خلال الطلب من مصر بالضغط على باقي الفصائل الفلسطينية من اجل تقديم تنازلات لصالح دولة الاحتلال ، فاليوم حماس واغد فتح ، و بعد غد الجهاد حتى جميع الفصائل ليكتمل" المشروع الصهيوني "، وهذا ما لم ترغبه مصر بمختلف شرائحها شعباً وجيشاً وحكومة بدون أدنى شك .

نداء للإخوة المصريين :-

حقا لقد اختلفت العديد من قوى المقاومة الفلسطينية مع حركة حماس ، والخلاف مازال قائما حول المصالحة الفلسطينية لكن قرار المحكمة المصرية كان خارج حدود التصور والمنطق فيما يتعلق بحركة حماس التي تحكم قطاع غزة . حين وصفتها المحكمة بأنها حركة إرهابية ولا يجوز التعامل معها ، ولا فتح مكاتب لها وحظر جميع نشاطاتها وأموالها في مصر ، وقد تعلقت حيثيات الحكم بقصص وروايات تتداولها الصحف والمواقع الإلكترونية في مصر ، دون أن يثبت شيء منها بدليل أو برهان حقيقي أو حتى حكم محكمة ، وبطبيعة الحال أن توصف حركة مقاومة فلسطينية بأنها حركة إرهابية فهو موقف يشعر الجميع بالاستغراب ، فلم يكن يجول على خاطر احد ، ولا في الأحلام والكوابيس أن يأتي اليوم الذي توصف فيه حركة مقاومة فلسطينية بأنها إرهابية ، هذا يوم أسود في تاريخ العلاقات الفلسطينية المصرية.

و أقول باسمي كمواطن فلسطيني ، ومحباً لمصر العروبة وللشعب المصري شعب جمال عبد الناصر البطل الذي ضحى بدماء أبنائه ، جيلا وراء جيل من أجل فلسطين وكرامتها واستقلالها وحريتها ، كيف دولة مثل مصر " الحاضنة الأولى للقضية الفلسطينية " أن تقدم على هذا القرار؟ وللأسف أقول هذا القرار ناتج عن حملات الآلاف من الإعلاميين والصحفيين وبعض السياسيين من التيارات المصرية المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .

وختاما : أترحم على شهداء الجيش المصري البطل وأوجه نداء للجميع من خلال جملة قالها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "ما يحدث في مصر وما يحدث في فلسطين هو جزء من مخطط استعماري يستهدف الأمة العربية" فأفيقوا...