تبعاً لاتفاقيات أوسلو، قامت (إسرائيل) بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني وشريك في البحث عن حل سياسي وتسوية من خلال المفاوضات، تلك المفاوضات التي سميت فيما بعد بــ "الملف النهائي" والذي يشمل المستوطنات، القدس، الحدود، المياه، اللاجئين .." وكان هناك خطأً استراتيجيا وهو أن الإدارة الأمريكية تركت مسؤولية التفاوض للطرفين الفلسطيني، والإسرائيلي، وهذا ما أدخل المنطقة في خلافات واختلال وصلت إلى حد الدخول في المواجهة العسكرية والصدام كما حدث في 11/1995، ومن ثم المواجهة الواسعة والتي عرفت بانتفاضة الأقصى سبتمبر 2000م، وأثبت الأحداث أن (إسرائيل) لم تكن مؤهلة للدخول في العملية السلمية، واستمرت في عقلية الحرب والتدمير والاستيطان .
وحسنا ما صرحت به القيادة الفلسطينية بعد تجارب مريرة من المفاوضات أنه يجب أن ترتبط أي مفاوضات بمرجعيات دولية،أو تدخلات دولية، لأن الإدارة الأمريكية أفشلت نفسها عبر انحيازها التام للاحتلال الإسرائيلي واستخدامها "الفيتو" ضد الحق الفلسطيني في الأمم المتحدة، وكذلك نجحت الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة من خلال عرض القضية الفلسطينية من جوانبها الإنسانية والقانونية والعدالة الدولية، والحصول على دولة غير عضو في الأمم المتحدة وأخيرا الانضمام إلى الجنايات الدولية، تطورا دبلوماسيا مطلوبا وتحدياً حقيقيا وترجمة للإرادة الفلسطينية بعد فشل عشرين عاما من فوضى فرضتها (إسرائيل) من خلال رفض مناقشة أو التقدم في الملف النهائي والقضايا الرئيسية والانقلاب على اتفاقية باريس عبر الحصار الاقتصادي والقرصنة الحالية للأموال الفلسطينية، بعد أن فشلت سياسيا في إجبار القيادة الفلسطينية للعودة للمفاوضات لمجرد المفاوضات.
في مقال كتبه موشيه ساسون السفير الإسرائيلي لدى مصر سابقا، وكان في تاريخ 27/8/2001 وقد نشرته صحيفة معاريف بعنوان : "سلام بلا إملاءات" قال : " إن اليسار في (إسرائيل) فوجيء من رفض عرفات – يقصد - يقصد اتفاق كامب ديفيد في واشنطن – والشعب الإسرائيلي أصيب بخيبة الأمل ووصل إلى استنتاج بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام معنا".
وهنا نسي قادة الاحتلال أن السلام لا يتم عبر الإملاءات، أو إخضاع شعب تحت الاحتلال رهينة لأوهام إسرائيلية، وكما أنه قد ثبت فعلياً أن أي اتفاقيات دون الانتهاء من الملف كاملا ومتوجا بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، لن تنجح ولن تؤسس لأي سلام وستبقى الصراع مستمرا، سواء قالت (إسرائيل) أن الشهيد ياسر عرفات لم يكن شريكا للسلام (..؟!) ، أو تقول اليوم أن الرئيس محمود عباس لم يعد شريكا للسلام (..؟!)، فلا شراكة مع بقاء الاحتلال وعنجهيته وقرصنته وحصاره للشعب الذي يناضل من أجل حقه المشروع في الحياة فوق أرضه، ولن يتوقف النضال طالما بقي الاحتلال.
إن النضال الفلسطيني يستند إلى المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تسمى بالشرعية الدولية التي تتعامل مع الأراضي الفلسطينية على أساس أنها أراضٍ محتلة، وليس أراضٍ متنازع عليها كما تدعي (إسرائيل)، وبالتالي فإن (إسرائيل) هي التي فقدت الأهلية الكاملة لاستكمال الملف النهائي وأخرجت نفسها من الشراكة السياسية، ولم يعد أمام القيادة الفلسطينية إلا أن تكثف حضورها وتنقل كافة قضايا الملف النهائي والمستجدات عبر البوابة الدولية وتفعيل كل ما له علاقة بذلك، وبهذا لا معنى لأي مفاوضات أو تسويات خارج هذه المعادلة وهذا ما فهمته (إسرائيل) أخيرا، وبدأت حربها الاقتصادية وحصارها السياسي " المتدحرج" ضد الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية، في انتظار خلط الأوراق من جديد للخروج من أزمتها الداخلية وعُريها السياسي الإقليمي والدولي.