من محمد أبو خضير إلى معاذ الكساسبة
في المعادلة هنالك قاسمان مشتركان أعظمان بين الحدين:
القاسم الأول هو كلمة داعش والتي تتطابق وتتماثل بنسبة مئة بالمئة في كلا الحدين من طرفي المعادلة، فإن كان لدينا داعش كظاهرة غريبة علينا وعلى أخلاقنا ودخيلة على تاريخنا، فهي فقاعة أبطالها من حثالة القوم استقطبوا إليهم الحثالات من كل بقاع الأرض لا بل تم دفع هذه الحثالات الغريبة عنا من كل أنحاء العالم بإتجاه المنطقة لتبقى الأمة تدور في دوامة العنف والعنف المضاد خدمة لأهداف لا تخفى على الجميع. وسوف تنفجر هذه الفقاعة العابرة وتتلاشى قريباً بإذن الله لأنها تمثل الشذوذ على القاعدة العامة.
أما داعش الصهيونية فهي بالنسبة لهم تمثل القاعدة والمنهاج، وما خلافها يمثل الشذوذ. ففكرها يتنافى مع كل الأديان والشرائع السماوية من اليهودية الى المسيحية الى الإسلام. وممارساتها منذ نشأتها تمثل خرقاً واضحاً لكل الشرائع والقوانين السماوية والمباديء الإنسانية والأخلاقية الفطرية لبني البشر.
القاسم الثاني هو كلمة صهيونية، والتماهي والتماثل بينهما يصل الى ما نسبته تسعة وتسعون بالمئة مع فارق هامشي ضئيل جداً هو أل التعريف والتي يمتاز بها الحد الأول عن الحد الثاني للأسباب التالية:
• داعش الصهيونية هي المؤسس لهذا الفكر المتطرف المجرم، وهي القدوة والأصل والمعلم والأستاذ والملهم لكل الدواعش المتأسلمة التي ظهرت بعدها، لذلك تميزت عنها بأل التعريف لتكون علماً لا يخفى على أحد، لكن هنالك الكثير من لا يستطيع الجهر به لكي لا يتهم بمعاداته للسامية فيتعرض للمساءلة وفقدان وظيفته ومستقبله السياسي والإجتماعي.
• الصهيونية منذ أن ظهرت للعلن كانت العلامة التجارية الفارقة للظلم والإرهاب والجريمة، وفقدان الرحمة والمشاعر الإنسانية الفطرية، وتحليل المحرم من الوسائل لتحقيق الأهداف الخبيثة.
• محمد أبو خضير طفل يافع وغض، كان يضيء الشموع إستقبالاً لشهر رمضان الكريم، وكانت نفسه البريئة المؤمنة تنتظر صلاة الفجر بفارغ الصبر، لم يكن يحمل حجراً ولا سكيناً، وكان بغضاضته وإيمانه كحمائم السلام ترفرف في قدس السلام ، ولا يعرف معنى للإرهاب والقتل، فوقع عليه الإرهاب الفظيع، وتعرض للإختطاف من دواعش الصهيونية، وأركبوه سيارتهم، وعذبوه وأسقوه البنزين ثم أشعلوا فيه النيران وحرقوه حياً. مع إختلاف عن حالة معاذ الكساسبة الشاب القوي الشجاع المتأهب، الطيار المدافع عن حياض الوطن وعن شرف الأمة وعن دينها السمح، والذي قبض عليه أسيراً في المعارك، فبالمقارنة بين الحالتين نجد أن كلتاهما تمثل جريمة بشعة لا يقرها دين ولا عقل ولا خلق وتخجل من فعلتها الحيوانات المفترسة إلا الضباع التي تمزق الفريسة وتقطع لحمها وأوصالها وتلتهمها وهي حية، فالضبع حيوان كريه الرائحة ونتن، ويعشق لحم الإنسان، وهو متطفل وإنتهازي يعيش على بقايا الفرائس لجبنه وقلة حيلته، ويتجمع في أسراب لتخليص فريسة إفترسها غيره من الحيوانات. ولكن جريمة محمد ابو خضير تمثل منتهى الشراسة الحيوانية وتتجلى فيها القسوة والفظاعة الحيوانية في حدها الأقصى.
لم تكن طريقة إنهاء حياة الطيار معاذ الكساسبة إبداعاً فكرياً في القتل من قبل داعش المتأسلمة، ولا غرابة في أن يقلد التلميذ أستاذه، حيث قامت داعش المتأسلمة بإستنساخ طريقة داعش الصهيونية في إنهاء حياة الطفل محمد ابو خضير وتطبيقها على معاذ الكساسبة مع إدخال بعض الإضافات. مع فارق الخبث والدهاء الذي تتميز فيه داعش الصهيونية والغباء الذي تتميز فيه داعش المتأسلمة التي تتباهى بالقتل والتعذيب وتنشر الصور في العلن لكل من شاء وتتباهى بفعلتها المشينة الحقيرة. أما داعش الصهيونية فقد ألقت بالجثة في أحراش دير ياسين وكأن شيئاً لم يكن. لذلك كانت ردود الفعل العالمية متباينة بين الحالتين. فإلقاء الجثة في الأحراش من شأنه أن يبرد المشاعر الإنسانية وينسيها الحدث لحين الإنتهاء من التحقيق ومعرفة الجناة. هذا بالإضافة الى الحصانة السياسية التي تضفيها الولايات المتحدة على إسرائيل مما يدفعها الى الضغط تجاه التخفيف من وقع الجريمة النكراء.
داعش الصهيونية تمارس العنف المفرط ضد الأطفال الأبرياء، وقصة الطفلة ملاك الخطيب التي تبلغ أربعة عشر ربيعاً آخر أشكال هذا العنف، ولو استعرضنا التاريخ الطويل للإنسانية لم نجد دولة قوية وواثقة من نفسها تضع نفسها خصماً لطفل يافع غض بريئ، وبالمقابل نجد داعش المتأسلمة تزج بالأطفال الأبرياء في معسكرات التدريب ليمثلوا لهم دروعاً بشرية وهو ما يمثل أقسى أنواع العنف المسلط على الأطفال.
لا يمكن إنهاء داعش المتأسلمة دون إنهاء داعش الصهيونية التي يمثلها قطعان المستوطنيين الحاقدين وغلاة الساسة الإسرائيليين المتطرفين الذين يمثلون قادة لهذا الفكر المتطرف المنحرف. وستظل داعش الصهيونية تفرخ لنا الدواعش المتأسلمة للإبقاء على هاجس الأمن محافظاً على توافق المجتمع الإسرائيلي المتناقض.