كيف نعالج واقعنا..

بقلم: مازن صافي

حوادث يومية نفجع بها، تدخل بيوتنا وتفقدنا القدرة على التركيز، وكأن المطلوب أن تتغلغل فينا حد الصدمة، إنها صدمة العنف المفرط .. ونعلم أن مجرد التأثر بالمشاعر واتساعها لن توقف هذا النزيف الذي يجري "ساخنا" تحت أرجلنا وأمام عيوننا، فسيناريوهات الصدمة تختلف مرة تلو الأخرى، ونتحول مع الوقت إلى "متأثرين" وسلاحنا الدموع والكلمات المؤثرة، ويبدو أن كل ذلك جزء من الخطط البعيدة لمن أراد لنا أن نصل إلى هذه المرحلة، خطط قديمة جديدة، يراد بها أن تتعود العيون على المشاهد القاسية حتى تصبح في مرمى "التوقع"، وبالتالي التقوقع وانتظار التالي من الأحداث والصور والفيديوهات المؤلمة جدا والتي تتم صناعتها بواسطة المحترفين، وهنا تبرز الوسيلة الإعلامية واستخدامها للتقنيات الحديثة الغير تقليدية، وبذلك تنتقل الصورة من البدائية والعشوائية إلى المبرمجة والمتطورة جدا، وهذه وسيلة إضافية لصناعة التأثير الخفي في عقول الناشئين والفتية، وزراعة هذه الأفكار في العقول، وهنا يكمن الخطر.

نتساءل فيما بيننا "بفعل الصدمة الناشئة" : ما هو المطلوب وما هي الوسائل التي يمكن أن نقنع بها أطفالنا وشبابنا، وننتقل بهم من مشاهد التدمير النفسي والمعنوي إلى مواجهة الواقع بالإرادة والتسلح بالإقناع والمعطيات والمعلومات السليمة.

ما الذي ينتظرنا اليوم أو يوم الغد، وأين هي المؤسسات الفاعلة والمؤثرة على تكوين الوعي الفردي والجماعي والجماهيري، وكيف يمكن أن ندخل الحقائق في عقول الناس، أو على الأقل ننتقل إلى الميدان من النقاش عبر المواقع التي لا يراها أكثر من 5% من الجمهور، أو تلك النقاشات التي تدور في غرف مغلقة بعيدة عن واقع الميدان.

 وهذا يأخذنا إلى سؤال آخر، حول مؤسسات المجتمع المدني وحلقات المثقفين، لقد تم صرف الموازنات الكبيرة جدا عليهم، ولكنهم انتفعوا بها ذاتيا واشترى كل منهم سيارة وجهاز كمبيوتر حديث وجهاز خلوي "جوال" بأحدث المواصفات، وإقامة المؤتمرات ورشات العمل والفيديوكونفرس، فما مدى تأثيرهم في المجتمع، إن المحصلة أقرب إلى الصفر المخجل جدا، وبالتالي هل هذه المؤسسات إضافة للتخدير المراد على شعوبنا أم هي مجرد ذر الرماد في العيون، أو إبعاد العيون عن المشاكل الحقيقية لشعوبنا وبلادنا ومستقبلنا وقضايانا المعاصرة.

ولسنوات طويلة سمعنا دورات في التنمية الإدارية والتفكير الاستراتيجي الشخصي والعام ومهارات إدارية ووضع الخطط ومواجهة الكوارث وخلايا الأزمات، كل هذا كان أيضا بمبالغ باهظة، استفاد منها الشخص، وتطور، ولكن لم ينتقل ذلك إلى التنمية الاجتماعية والجماهيرية، وبالتالي تحول مسارات النهضة والتنمية المطلوبة إلى "تجارة رابحة" فيما يعرف بهذه المسميات، والتي لا تجيب أيضا على سؤال واحد :" كيف نخدم مجتمعنا ونواجه قضاياه المعاصرة بواقعية ..؟!"

ما يحدث لا يأتي مصادفة أو يهبط علينا من الأطباق الفضائية الطائرة أو العابرة، ولا تحملها الشهب الساخنة، علينا أن نجلس مع أطفالنا ومع شبابنا ومع جيراننا ومع تلاميذنا وطلبتنا، وأن نتناقش بعمق وبواقعية ونضع لكل سؤال جواب، وأن نقتنع نحن أولا أننا مؤهلون حقا للقيام بهذا الدور الهام والمشهود، لأن فشلنا في ذلك يعني فشل منظومة كاملة تبدأ من البيت ولا تنتهي، وستعود إلى بيوتنا وتقتحم أبصارنا وعقولنا ومشاعرنا ودموعنا وكل مكان .

ملاحظة: الصندوق السحري الذي يحول البيانات إلى معلومات في جهاز الكمبيوتر حول ما يتم إلهاؤنا بالبحث عنه دون الالتفات إلى المدخلات التي في النهاية هي مجموعة المخرجات، وهنا علينا أن نعرف أن هذا الصندوق هو " المعالجة "، ولذا وجب معالجة واقعنا لكي لا نقهر الأجيال القادمة بعجزنا وعدم القدرة على تحديد أهدافنا ووسائلنا وماذا نريد .