الأصل في المثل الشعبي "إذا فاتك الميري اتمرغ في ترابه" لا يمت للمفهوم المتداول به اليوم، والأصل يعود لفترة الحكم الروماني لمصر، حيث يخزن القمح "الميره" في صوامع لتصديرها إلى بلاد الرومان، ولا يملك المزراع المصري الحق في أخذ حاجته من القمح الذي زرعه إلا بأمر من الحاكم الروماني، فإن تم شحنه إلى الخارج دون أن يحصل الفلاح المصري على نصيبه لن يجد امامه سوى التمرغ في تراب الصوامع بحثاً عن حبوب القمح فيه، التصق اليوم المثل بالبحث عن الوظيفة الحكومية لما تتمتع به من خاصية الثبات التي لا تتأثر بالأهواء الفردية.
بجانب الوظيفة الحكومية التي لم تعد هي الأخرى ثابتة، تشعبت المسميات بين موظف ثابت وآخر مؤقت، واقتحمت البطالة منظومة العمل بالدائم منها والمؤقت، فمن يحصل على وظيفة "بطالة دائمة" يقترب من التصنيف الميري حتى وإن تنازل رغماً عن أنفه عن باقي حقوقه، وصاحب البطالة المؤقتة يتقدم خطوات عن عامل المياومة، حيث يكفل له المؤقت تسيير حياته لشهور عدة، فيما عامل المياومة يقتصر برنامجه على المساحة الفاصلة بين طلوع الشمس وغروبها، ويصبح همه متعلقاً بيومه ويترك الغد لنصيبه.
ما يعنينا هنا أن عامل المياومة تحكمه فلسفة العمل اليومي، المبنية بالأساس على غياب الخطة المستقبلية وأدوات القياس، والحكومة التي تفتقد لخطة واضحة في التعامل مع إحتياجات مجتمعها ضمن أدوات قياس واضحة، تتحول إلى حكومة مياومة يكون همها طي اليوم، وإن كنا أسقطنا صفة تسيير الأعمال عن الحكومة ومنحناها مقاليد الحكومة الكاملة وألبسناها ثوب الوفاق، إلا أن الواضح أنها تحولت لحكومة تسيير الأيام.
لم يعد برنامج الحكومة الواضح المعالم مقتصراً على الدول المتقدمة، بل تلك التي تمارس نشاطها في أدغال أفريقيا تضع أولويات لعملها تكون مسؤولة عن تنفيذها أمام مواطنيها، وأعتقد من الضرورة بمكان اليوم، بعد مضي ثمانية اشهر على تشكيل حكومة الوفاق، ان نستمع لتقرير حكومي توضح لنا الحكومة من خلاله ما حققته وما عجزت عن تحقيقه من الأهداف التي وجدت من أجلها، فما نلمسه أن الحكومة تحولت لحكومة تسيير الأيام بنظام المياومة، الأدهى من ذلك أن الحكومة لا تجتهد في حل مشاكل مواطنيها بقدر ما تصدر لهم المزيد منها، وكون الحكومة محصنة من حجب الثقة عنها بفعل صفة الوفاق من جهة وغياب المجلس التشريعي من جهة ثانية، كنا نأمل أن تنتقل بعملها من نظام المياومة إلى البطالة حتى وإن أخذت الطابع المؤقت.