تقع المملكة العربية السعودية على مفرق الطرق السياسة في المنطقة، حيث لا صعود ولا هبوط في ساحة الشرق بعيداً عن السعودية، ولا أمن وازدهار في المنطقة دونها، ولا اختلال في موازين القوى داخل بعض بلاد العرب دون السعودية، التي ما انفكت حاضرة في خاصرة الأحداث على هيئة سكين إن لزم الأمر، أو على هيئة بريق في موقدة الجمر.
وكما تؤثر المملكة العربية السعودية في مجريات الأحداث على مستوى الشرق الأوسط والعالم، فإنها أيضاً تتأثر بالأحداث التي عصفت بالمنطقة، ووضعت السعودية في بؤرة الحذر، وهي تجري تغييرات قيادية وإدارية تأخذ بعين الاعتبار المستجدات، ومنها:
أولاً: سيطرة الحوثيين على اليمن، هذا الحدث الذي فاجأ السعودية، وأربك حساباتها من جهة الجنوب، ولاسيما أن الجماعات الإسلامية الأخرى قد تركت الميدان دون مواجهة، وهذا على خلاف تقديرات السعودية التي حسبت أن صراعاً داخلياً سيعفيها من المواجهة المباشرة.
ثانياً: توسع نفوذ الدولة الإسلامية في كل من العراق والشام، وانتشارها في أكثر من بلد عربي، مما يؤثر على الاستقرار في المملكة، ويرسل لها عدة إشارات تحذير من مستقبل غير آمن.
ثالثاً: تعاظم الدور الإيراني في كل من سوريا ولبنان، وأثر ذلك على مستقبل التحالفات المنطقة، بما يشبه تقاسم نفوذ غير معلن بين قوى الشرق والغرب، وهذا الواقع الجديد يدق ناقوس الحذر والخطر لدى المملكة العربية السعودية.
رابعاً: تخلي الإخوان المسلمين عن المظاهرات السلمية التي عشقوها على مدار عامين، وظنوا أنها أقوى من رصاص الجيش، وما رافق ذلك من إعلان أكثر من مجموعة شبابية عن البدء بالعمل العسكري ضد الجيش المصري، وما سيرافق ذلك من انتشار السلاح في كل المنطقة، وفي تقديري أن هذا هو السبب الذي حرك أمريكا، وجعلها تعاود تقييم موقفها من جماعة الإخوان المسلمين، فكان استقبال وزارة الخارجية الأمريكية لوفد من جماعة الإخوان المسلمين بمثابة رسالة طمأنة على أهمية دور الجماعة في السياسة الدولية، وفي الوقت نفسه تحذير من اللجوء إلى العنف الذي سيضر بكل الأطراف، وأزعم أن هذا هو السبب المباشر للإعلان الأمريكي قبل أيام، الإعلان الذي أكد على أن الإخوان المسلمين ليسوا إرهابيين.
وإذا كانت المتغيرات الميدانية على ساحة الشرق العربي قد فرضت على أمريكا أن تعاود ضبط سياستها وفقاً لمصالحها، فمن باب أولى أن تقدم العربية السعودية على إعادة تقيم موقفها من جماعة الإخوان المسلمين، وأن تنفتح بالعلاقة معهم على عدة احتمالات قد تكون أقل ضرراً على السعودية من انفلات الوضع في المنطقة على احتمالات غير معلومة النتائج.
لا شك إن ما سبق من مستجدات سياسية لها بالغ الأثر على القضية الفلسطينية، ولها انعكاسها على حركة حماس سلباً وإيجاباً، وبالتالي لها تأثيرها على حياة الناس في قطاع غزة، من هنا فإنني أقدر أن جملة النداءات التي صدرت في الأيام الأخيرة، عن الرباعية الدولية، والتي طالب بضرورة إيفاء المانحين بتعهداتهم تجاه غزة، وما سبق ذلك من نداء صدر عن بان كي مون بضرورة العمل على إعادة اعمار غزة، وما صدر من نداء عن الاتحاد الأوروبي بالمضمون ذاته، وما أبدته إسرائيل من استعداد لإدخال مئات الشاحنات الإضافية لسد حاجات قطاع غزة، كل ذلك يدخل ضمن استراتيجية التهدئة، واحتواء الموقف المتفجر، والقفز عن الخطر المجهول، والتعامل قدر الإمكان مع الواقع المعلوم.