حينما نتحدث عن الواقع الراهن أو المستقبل ، فإننا جميعا ندرك أننا نتحدث عن أحوال ومتغيرات تحققت أو مستجدات ومتغيرات لم تتحقق بعد ، ولكنها ستحدث بالضرورة ، انسجاما مع مسيرة الحياة وصيرورتها التي لا تتوقف عن الحركة والنشاط ، صعودا في هذا الجانب، وهبوطا في الجانب الآخر ، يحددهما في الظروف السياسية ، لذلك فإن الحديث عن المستقبل في ظروفنا المعقدة ، هو في جوهره رؤية تقوم على قاعدة الاستشراف الملتزمة بالمنهج العلمي الذي لا يترك مجالا واسعا للاحتمالات وتنوعها ، ويوفر القدرة على تفسير الظواهر والأحداث استنادا إلى أسبابها الواقعية الملموسة المحددة بعيدا عن أية عوامل لا تمت لهذا الواقع أو ترتبط معه بصلة .
في ظل هذه الظروف نشهد في هذه اللحظة من تاريخنا وضع معقد في الساحة الفلسطينية رغم الافكار التوحيدية التي عبر عنها اجتماع الامناء العامون لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، حيث نرى ان هنالك افكار سوداء بمواجهة هذا الوضع حيث تروج لعوامل القلق والإحباط واليأس في هذه المرحلة التي يتبدى فيها نوعاً من التطابق في النتائج السياسية الكارثية، بين مسار الحركة الوطنية ، ومسار يضع الشروط التعجيزية للوصول الى انهاء الانقسام الكارثي، حيث يساهم بنقل موقع الأزمة إلى موقع المأزق شبه المسدود عبر مجموعة من العوامل أو الإشكاليات ، لذلك نرى من الاهمية ان تبادر القوى السياسية الفلسطينية إلى إعادة تجديد وتفعيل الحوار الوطني الشامل بما يضمن تجاوز حالة العجز الراهنة وإعادة إصلاح وبناء النظام السياسي الفلسطيني في السلطة والمنظمة وفق رؤية سياسية جديدة، بما يضمن تأسيس وترسيخ العلاقات الديمقراطية بين كافة القوى .
ومن هنا نرى ان التناقضات الراهنة في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة تثير العديد من الإشكاليات والملابسات والغموض ، حيث ندرك بوضوح أنه إذا ما بقي هذا الوضع على ما هو عليه، فلا تفسير لذلك الا تكريس الانفصال السياسي والقانوني والجغرافي بينهما، وهذا يعني أن لا مستقبل للدولة الفلسطينية او المشروع الوطني أو حتى الوحدة الوطنية ووحدة المجتمع الفلسطيني ، في ظل هذا المشهد البائس المرفوض من كل أبناء شعبنا الفلسطيني وقواه الوطنية الهدف منه تكريس مفهوم "الإمارة الإسلامية أو الإسلام السياسي" في مجتمعنا بغض النظر عن التطمينات الصادرة عن حركة حماس في خطابها السياسي المعلن، وبالتالي تُكَرِّس أحادية السلطة ذاتها وإن بمسميات جديدة وطارئة مرتبطة باستدامة الصراع الحاد في الساحة الفلسطينية.
وفي ضوء ذلك فان من المفيد العودة إلى تاريخنا المعاصر لمتابعة العلاقة وفي هذا السياق، فإننا جميعاً نتفق على أن لا مستقبل لمنظمة التحرير بكل فصائلها ومكوناتها ومشروعها الوطني، ولا مستقبل لحماس ومنطلقاتها أو مشروعها الإسلامي بدون التوافق والالتزام على مبادئ الوحدة والصراع الديمقراطي الداخلي كضمانة وحيدة لوحدة الأرض ووحدة الشعب، وعلى هذا الأساس فإن حالة القطيعة المؤقتة بين الإخوة في فتح وحماس آن لها أن تتفكك وتنتهي لكي نسدل الستار نهائياً على هذه القطيعة معلنين التزامنا جميعاً، وفي كل الظروف والمراحل، إن التناقض التناحري هو مع العدو المحتل ولا مكان له بيننا على الإطلاق، وعلى هذا الأساس فإننا جميعاً أبناء رسالة وقضية وأهداف وطنية واحدة، مهما اشتدت وتفاقمت خلافاتنا السياسية أو غيرها، فلا بد من حلها في إطار التناقض أو التعارض السياسي الديمقراطي، مدركين أن هذه اللحظة ليست لحظة الحديث عن تطبيق الأيدلوجيات، رغم أنها تمثل الرؤية الإستراتيجية أو الأهداف الكبرى لكل فصيل أو حركة سياسية.
وامام استمرار الضغط والحصار على قطاع غزة وامام حالة الوضع الكارثي الذي نجم عن العدوان على قطاع غزة وتشريد عشرات الالاف من ابنائه ، وما يرافقه من تنابذ داخلي في أوساط شعبنا في الوطن والشتات ومن إصرار أمريكي إسرائيلي على فرض شروطهم علينا، قد يضع الجميع أمام نتائج واحتمالات ستؤدي بنا في ظل تزايد عوامل اليأس إلى متغيرات فوضوية خطيرة ومدمرة، يهون معها ما نحن فيه من أوضاع مملوءة بالتشاؤم، ما يفرض على كل وطني مخلص أن يبادر إلى الضغط الفعال المتصل من أجل العودة للحوار دون شروط أو تعقيدات ، انطلاقا من أن قضية الوطن والأرض ووحدة الشعب تعلو وتتسامى فوق كل الشروط، وانطلاقا من أن هذه الخطوة ستعود على أصحابها بمزيد من المصداقية والاحترام في صفوف شعبنا بمثل ما ستسهم في أحياء الآمال الكبرى في الوحدة الوطنية كضمانة لتحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة، ونتوجه للجميع بالنداء المحفز للحوار ، بالرغم من كل ما جرى فإن اللحظة الراهنة ما زالت مملوءة بإمكانات ومقومات الضرورة والأمل، للوصول إلى انهاء الانقسام الكارثي وتطبيق اليات اتفاق المصالحة ، وضمان وحدة الجغرافيا والمجتمع الفلسطيني الواحد في الضفة والقطاع، ذلك إن أي موقف مغاير من أي جهة سيزيد تعميق الازمة، بحيث تصبح غزة أولاً، والضفة عاشراً، بلا مستقبل واضح لها سوى التقاسم الوظيفي وبقاء الاحتلال أو إعلان دولة عاجزة منقوصة السيادة فيما يتبقى منها بعد مصادرة الأراضي شرق الجدار وأراضي أغوار الاردن والقدس ، ما يعني أننا سندخل مأزقاً جديد لن يخرج منه احد منتصراً، بل ستتحول "انتصارات الجميع إلى هزائم!، وهي نهاية مفجعة لا يريدها أو يسعى إليها أحد، وهذا يتطلب من المجلس المركزي الفلسطيني الوقوف امام مسؤوليته اتجاه اعطاء حكومة التوافق الوطني دورها في قطاع غزة والعمل على اعادة ما دمره الاحتلال ورفض العودة الى دائرة المفاوضات، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية والحذر من دعوة اللجنة الرباعية الدولية من إعادة تجديد المفاوضات لانها تعتبر تغطية للسياسات والممارسات العدوانية الاحتلالية لدولة العدو وتعميق احتلالها للأراضي الفلسطينية ، والإصرار على استمرار الذهاب إلى المؤسسات الدولية وبخاصة محكمة الجنايات الدولية، وإلى إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام وبناء استراتيجية وطنية موحدة يعاد في اطارها توحيد الطاقات والإمكانات وترتيب الأولويات في إدارة الصراع مع العدو بما يحافظ على حقوق شعبنا.
بالطبع ونحن اليوم نتحدث عن اوضاع صعبه ومعقدة نرى التصريح الغريب والمثير الذي اطلقه القيادي في حركة حماس محمود الزهار بالدعوة “لتشكيل مجموعات لكتائب القسام ، وبكل تأكيد هذه دعوة تلزم صاحبها فقط ولا تلزم الحالة الفلسطينية في لبنان او اي بلد عربي ،
المطلوب اليوم التعالي على جراحاتنا وبذل كل الجهود من اجل التفاف الجميع حول الوحدة الوطنية والتمسك بخيار المقاومة ومشروعها على ارض فلسطين ، وهذا ما يتطلب موقف فلسطيني موحد يطال كل ما له علاقة بمشروع المقاومة.
ان ما نعيشه اليوم يفرض معادلات جديدة وعمليات الفرز بدأت منذ أن تم الترويج لخديعة الربيع العربية وتحت مسمى الثورات الشعبية كان الهدف الحقيقي هو إعادة تيار الإخوان المسلمين إلى الواجهة السياسية عبر سيطرته على الحكومات العربية من خلال الرؤية الامبريالية الاميريكية الصهيونيه الاستعمارية من خلال تغذية الإرهاب التكفيري ، ولكن الصمود السوري والانجازات الميدانية للجيش العربي السوري وصمود المقاومة في لبنان وتصدي الجيش المصري لعصابات الارهاب في سيناء ومصر مع صمود العراق وصمود الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه على ارض فلسطين تثبت ان هذه القوى والدول تمتلك مفاتيح القرار في المنطقة.
ما يجري اليوم على الساحة الإقليمية والدولية يتبين لنا بأن معادلة ما سمي بالربيع العربي قد سقطت وباتت من الماضي الأليم والعالم اليوم يمضي نحو إعادة رسم للخارطة السياسية وروسيا باتت هي وكل الحلفاء اللاعب الرئيسي وزيارة الرئيس بوتين إلى مصر هي رسالة إلى من تبقى من تحالفات منهارة بأن معادلة جديدة قد فرضت وعلى الجميع الالتزام بها.
ختاما : لا يختلف اثنان من أبناء الشعب الفلسطيني على أن الوصول إلى مصالحة حقيقية ، والسماح لحكومة التوافق الوطني بأخذ دورها من اجل فك الحصار عن قطاع غزة واعادة اعماره ومن اجل الوصول الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وحتى لا تذهب زيارة الوفد القيادي الفلسطيني الى غزة قبل انعقاد المجلس المركزي في أدراج الرياح مع تواصل فشل كافة الجهود التي بذلت على مدار سنوات الانقسام التي مرت , لاننا نتطلع الى الوحدة الوطنيه ورسم استراتيجية وطنيه تستند لكافة اشكال المقاومة والنضال من اجل الوصول لتحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .