يمتطي بعض الكتاب والمثقفين والمحللين السياسيين العرب صهوات أقلامهم، ساكبين الكثير من المداد على أوراق الصحف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بطرق يشوبها الكثير من الشك في بث الأفكار الهدامة وثقافة الهزيمة لا لشيء إلا لإرضاء من يقف خلفهم ويحرضهم على تدمير الذات العربية، وذرائعهم واهية في كل ما يبثون من سموم. من هؤلاء الكاتبان جمال خاشقجي وسعود كابلي.
تفتقت ذهنيتا خاشقجي وكابلي بأفكار لحل الأزمة السورية جاءت في سياق مقال مشترك تحت عنوان (طريق الأردن إلى «داعش» لا بد أن يمر عبر بشار) نشر في صحيفة الحياة السعودية (٧ فبراير/ شباط ٢٠١٥).
يقول الكاتبان في مقالهما: «أي حل حقيقي لسورية لا بد أن يتجاوب مع الشروط الأساسية الآتية: إيجاد قيادة سنية معتدلة لها مشروعية حقيقية يمكن بسطها للحفاظ على التراب الوطني السوري، تستطيع مواجهة أو احتواء أي مجموعات متطرفة، وضامنة لأمن وحقوق الأقليات، ومقبولة دولياً، تضمن منظومة الأمن الإقليمي مع دول الجوار. هنا يبرز دور كبير جداً يمكن للأردن أن يلعبه لمعالجة الأزمة السورية بشكل فعال، فالملك عبد اللـه الثاني، الذي يحظى باحترام كبير بوصفه زعيماً معتدلاً، يمكن أن يُمنح من خلال توافق عربي ودولي تحت مظلة الجامعة العربية والأمم المتحدة حق الوصاية (custodianship) على سورية لمرحلة انتقالية، حيث يضمن العالم وجود القيادة القادرة على إدارة التحول الآمن في سورية، فللعاهل الأردني سابقة في ذلك، بحصوله على حق الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس».
من سوغ للكاتبين اقتراح مثل هذه الحلول التي أقل ما يمكن أن يقال عنها: إنها جريمة جديدة ترتكب بحق الشعب السوري الذي طالبا بحريته وتحدثا باسمه بلغة تنم عن حقد دفين ضد هذا الشعب ودولته ومؤسساته وقيادته وبالتالي كيف يمكن أن يسمح المدعوان خاشقجي وكابلي لنفسيهما التدخل بهذه الفظاظة في الشأن الداخلي السوري.
إن أي محاكمة عقلانية وموضوعية لما طرحه الكاتبان، ستؤدي بالضرورة إلى دحض أكاذيبهما وتأكيد الشروط الأساسية التالية لتحقيق حل حقيقي لسورية:
أولاً: إن الشعب السوري هو الذي أعطى مشروعية لقيادته من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت مؤخراً وتخوض سورية شعباً وجيشاً وقيادة حرباً ضروساً ضد الإرهاب الدولي الذي جلبته أنظمة معادية لتطلعات هذا الشعب ومعه الأمة العربية، وإلا هل يجرؤ الكاتبان على الاعتراف بحقيقة دور أنظمة السعودية وقطر والأردن وتركيا وغيرها بالتعاون مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وكثير من أنظمة الدول الأوروبية في حرب تدمير سورية المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات، وبالتالي هل يحدثنا الكاتبان عن كنه الحرية والديمقراطية في السعودية ودول الخليج. جميعنا تابع ما جرى في قطر والسعودية من «انتقال سلس للسلطة وبحرية تعبير واختيار تامين ومورست الديمقراطية بشفافية ونزاهة واضحتين».. يا عجب العجاب.
ثانياً: إن سورية دولة واحدة موحدة جغرافيا وديموغرافيا وهي دولة مؤسسات ودولة مواطنة وجميع السوريين سواسية بكل أطيافهم ولا خوف على مستقبلهم وإن ادلهم الخطب ضدهم وتكالب شذاذ الآفاق عليهم
ثالثاً: إن كل دول العالم تعاني الفساد وسورية من ضمنها ولذلك لا بد من إجراء الإصلاح على الصعد كافة لمكافحة الفساد متعدد الأوجه وهذا ما كان بدأ به الرئيس بشار الأسد ويقود ثورة ضده كما ضد العدوان الخارجي الذي يغذي الإرهاب والفساد في المنطقة والعالم. فهل يستطيع الكاتبان مجرد الإشارة إلى الفساد في السعودية ودول الخليج وكثير من الدول العربية والغربية.
رابعاً: إن سورية دولة ممانعة ومقاومة وهي تجابه اليوم كما كانت منذ استقلالها العدوان الصهيوني وكل مشاريع الهيمنة الإمبريالية والرجعية وتعمل على دعم حركات التحرر العربية والأجنبية الصديقة من أجل تحرير الأراضي المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة وهي رائدة المشروع القومي العربي والعمل العربي المشترك والتضامن العربي والوحدة العربية المنشودة، وقدمت ولا تزال الغالي والرخيص في سبيل ذلك، فهل يجرؤ الكاتبان على البوح بالدور التخريبي والتآمري والرجعي الذي لعبته أنظمة الخليج ومن في حكمها في المنطقة والعالم إزاء القضايا العربية والصراع العربي– الصهيوني، وهذا الدور يتجلى اليوم في «الربيع العربي».
خامساً: لا أعرف المسوغات السياسية والقانونية والأخلاقية والأدبية التي اعتمد عليها الكاتبان فيما سمياه حق وصاية العاهل الأردني الملك عبد اللـه الثاني على سورية لمرحلة انتقالية تمنح له من خلال توافق عربي ودولي تحت مظلة الجامعة العربية والأمم المتحدة، وحسبهما له «سابقة في ذلك، بحصوله على حق الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس» و(هذه لها حديث آخر).
بالتأكيد طرح الوصاية ليس من بنات أفكار الكاتبين المذكورين لكنه ترويج لمشروع خارجي تقوده أنظمة الاستبداد والدكتاتوريات في المنطقة والعالم، يهدف لتفتيت ولتدمير سورية والوطن العربي الكبير بأيد عربية وإسلامية رخيصة وعميلة. ومن لديه رأي آخر فليقله.
نعيم إبراهيم