ليس مستغربا أن يشعر قادة “الدولة الإسلامية”، بأنهم ارتكبوا خطأ فادحا بقتلهم الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا، ذلك ان ردة الفعل التي تلت ذلك على كل المستويات الشعبية والرسمية في العالم، وعلى الأخص العربي، كانت اكبر مما يمكن تصوره.
لم تقتصر ردة الفعل المستنكرة على كارهي داعش، أو معارضيه، أو غير المؤمنين بأفكاره، فقد شملت الكثير من الحركات المحسوبة على السلفية الجهادية والإسلامية بعامة، برغم ما قد يقال عن ان استنكار هؤلاء لم يأت بنفس الحدة التي تم التعبير عنها من جهات أخرى غير الإسلامية.
لقد كشفت تلك الواقعة بشاعة مقززة لم يماثلها في الوقت المعاصر، سوى حرق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير من قبل المستوطنين الصهاينة، وجرائم اميركا في سجن ابو غريب، وكانت ممارسات مشابهة جرت قبل قرون خلال محاكم التفتيش في اسبانيا، مما يؤشر على ان الإرهاب لا دين له، ولا مكان، وغير محدد بفئة بعينها، وانه إنما يأتي كنتيجة طبيعية للفكر الديني الظلامي، الذي يطغى على العقول فيحول أصحابها إلى مجرد أدوات تتفنن في إجرامها.
الأردن وبعد مقتل الطيار، اخذ على عاتقه محاربة داعش بكل ما لديه من قوة، انتقاما له، وهو لا يستطيع إلا ان يفعل ذلك، خاصة في ظل بلد تتمتع فيه العشائر بثقل كبير، كما يأتي ذلك استجابة لضغط الشارع الذي استفزته الجريمة، وهذا ما جعل الكثير من الأصوات تتعالى ضد الجماعات السلفية المتهمة بالتعاطف مع داعش، ما أدى إلى خفوت صوتها وتراجعها وصعوبة مهمتها تجنيد الشباب في صفوفها.
إضافة إلى ذلك، فقد أظهرت الجريمة، بشاعة ما يمثله داعش من أفكار وممارسات، سوف تنعكس على الرغبة بالالتحاق بصفوفها حتى خارج نطاق الأردن، وفي الدول المحيطة بشكل عام، عدا عن الدول الغربية، وهذا بدوره سيحد من حواضنها الشعبية، وسيساعد على “تجفيف” مواردها البشرية من الشباب الذي ربما كان قد انبهر بالصعود السريع لداعش.
ما مثله داعش من خطر على دول الإقليم خلال الفترة الماضية، تجلى بشكل أكثر دموية في جريمة حرق الكساسبة، وهذا ما سيمنح الولايات المتحدة التي أسهمت بشكل كبير في إيجاد داعش، على تحشيد المزيد من القوة والأموال للتخلص منه، كما سيؤدي بالضرورة إلى قيام الدول العربية الموجودة ضمن التحالف في المساهمة بترحاب اكبر، في أي جهد للقضاء على تنظيم الدولة، ولن يكون غريبا إذا ما انضم المزيد من العرب للتحالف.
أما فيما يتعلق بسوريا، فلقد اثبتت هذه العملية، ان ما قالته عن هذه الجماعات هو عين الصواب، وعليه، فان على العالم ان يعيد النظر في موقفه من سوريا، كما ان الجريمة، سوف تفتح الخطوط بين اجهزة المخابرات السورية والعديد من الدول العربية وربما العالمية، وهذا سيكون مقدمة لتخفيف الضغط على سوريا النظام والشعب، كما سيقود إلى تضائل وتراجع الجماعات الإرهابية المختلفة، التي تختبئ تحت أسماء وعناوين مختلفة.
حرق الكساسبة بالنسبة لدولة الاحتلال، لن يمر بلا استثمار، فهي طالما رددت إنها تقاوم الإرهاب، وانها ليست بعيدة عن تهديد “الإرهاب والإرهابيين”، في إشارة للقوى الفلسطينية، وكانت عرضت خدماتها في مناسبات عدة، لمن يرغب وخاصة الدول العربية، وقيل ان الأردن ومصر وطدتا علاقاتهما الأمنية بها بشكل كبير، كما أشارت بعض التقارير انها ساعدت في هذا الإطار من خلال إرسال طائرات استطلاع لجمع المعلومات الاستخبارية، خاصة وانها تتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال.
إحراق الطيار معاذ الكساسبة، ربما سيكون اللعنة التي أوقعت الدولة الإسلامية نفسها بها، لكن ذلك لن يمنع أمريكا وحلفائها من صناعة داعش جديد، لكن تحت مسمى آخر.
بقلم/ رشيد شاهين