يبدو أن زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى مصر أنهت بشكل عملي أربعة عقود من العلاقات الباردة بين البلدين، تلك العلاقة التي وضع الرئيس المصري السابق "السادات" قواعدها من خلال الإغلاق التدريجي للعلاقة مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي تدور في فلكه من جهة، وفتح بوابات التعاون مع الغرب ومركزه "أمريكا" من جهة أخرى، الإهتمام بزيارة الرئيس الروسي إلى مصر سبق الزيارة بأيام، حيث أفردت وسائل الإعلام المصرية مساحة واسعة للحديث عن أهميتها والنتائج المترتبة عليها، ليس فقط فيما يتعلق بأوجه التعاون بين البلدين، بل بما لهذا التعاون مع إنعكاسات على العلاقات المصرية الأمريكية التي يشوبها الكثير من الشك.
تضمنت زيارة الرئيس الروسي الاستماع لمقطوعات موسيقية في قاعة الأوبرا من التراث الروسي الذي فرض مكانته في الموسيقى العالمية، كأن مصر أرادت أن تقول لضيفها أنها تحن للماضي والعلاقة المميزة التي كانت تربط البلدين، لم يتأخر الرد الروسي، حاول الرئيس الروسي سريعاً أن يضع النقاط على الحروف، حيث تقدم بهدية "بندقية كلاشينكوف" إلى نظيره المصري تحمل في رمزيتها الشيء الكثير، كأن الرئيس الروسي أراد أن يذكر نظيره المصري بالسلاح الروسي الذي لعب دوراً محورياً في قوة الجيش المصري ومكنه من تحقيق إنتصاره في حرب أكتوبر 1973.
الأهم في زيارة الرئيس الروسي هو ما نتج عنها من توقيع مذكرات تعاون في عدة مجالات، لعل أهمها تلك المتعلقة بإنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في منطقة الضبعة بقدرة 4800 ميغاواط، وهي المحطة التي جرى الحديث حولها لسنوات مع الإدارة الأمريكية ودول أخرى دون أن تجد طريقها للتنفيذ، العرض الروسي لم يقتصر على تنفيذ المشروع بل استعدادها لمنح مصر قرض لتمويل عمليات المشروع.
مشروع الضبعة أعاد إلى الأذهان المشاريع الحيوية التي نفذها الإتحاد السوفيتي "سابقاً" في مصر، بدءاً بمشروع السد العالي بعد أن تراجعت أمريكا عن تمويل بنائه، ومصانع الحديد والصلب التي ما زالت حتى يومنا هذا تمثل عصب الصناعة المصرية، وفي ذات الوقت يفرض المقارنة بين ما جنته مصر من علاقتها مع الإدارة الأمريكية على مدار عقود عدة، التي تكاد تقتصر على المعونة السنوية التي تتحكم الادارة الأمريكية من خلالها في تفاصيلها الدقيقة، وبين المكاسب الحقيقية في قدراتها الإنتاجية التي جنتها مصر بعلاقتها مع الاتحاد السوفيتي سابقاً.
القلق الأمريكي من العلاقات المصرية الروسية الآخذة بالإزدياد، عبرت عنه صراحة صحيفة "نيويروك بوست"، حين قالت بأن بوتين يقلب توازن القوى في المنطقة في الوقت الذي يحارب فيه أوباما طواحين الهواء.
أعتقد من المفيد اليوم قبل الغد أن نطرح السؤال ذاته، ما الذي جنته القضية الفلسطينية من أمريكا "الوسيط الغير نزيه" منذ بوش الأب وما قبله، سوى المماطلة والتسويف ومنح حكومة الاحتلال المزيد من الوقت لخلق وقائع على الأرض تجهض بها إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟، لا يعني ذلك البتة أن نذهب بأوراقنا إلى مكتب الكرملين، بقدر ما علينا أن نتخلص من الهيمنة الأمريكية على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالإدارة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام مع الحقوق الفلسطينية، ولن تراجع سياساتها طالما أننا ارتضينا لها دور المنظم لمستقبلنا.
أسامة الفرا