فرصة العمل حق لكل مواطن !!

بقلم: سلامه ابو زعيتر

بسم الله الرحمن الرحيم
من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني ارتفاع نسبة البطالة، ومحدودية فرص العمل مما ترتب عليه الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، ويعود ذلك للكثير من العوامل منها عوامل خارجية ترتبط بالاحتلال وممارساته، وسياساته اتجاه شعبنا، وأخرى داخلية ترتبط بالسياسات الوطنية، والخطط والبرامج التنموية، وعدم وجود استقرار للوضع الاقتصادي، واستمرار الانقسام السياسي، وتجاهل قضايا العمل والعمال ....الخ، من قبل صناع القرار وأصحاب النفوذ والعلاقة، فالتشخيص للواقع ملئ بالمعاناة والمآسي والقصص التي يندى لها الجبين؛ لكن لو نظرنا من زاوية تنموية ضمن رؤية مجتمعية متكاملة مبنية على الشراكة الحقيقية نحو حق كل مواطن في العمل وفق القوانين والتشريعات والاعراف الانسانية والسماوية، والتي أكدها الدستور، وذكرها قانون العمل الفلسطيني في مادة رقم (2) "بأن العمل حق لكل مواطن قادر عليه، تعمل السلطة الوطنية على توفيره على أساس تكافؤ الفرص ودون أي نوع من أنواع التمييز"، وبغياب هذا الحق، نجد أن محدودية فرص العمل وانتشار البطالة بين صفوف الخريجين والشباب أمسى هّم وألم لكل مواطن، مما أسس الخوف من المستقبل وساهم بتوجهات فردية للبحث عن بدائل قاتلة، ومنها الهجرة للخارج والموت في البحر، أو الانسحاب والشعور بالاغتراب عند الشباب والتوجه نحو تعاطي المغيبات والمخدرات والتي تصدرها إدمان الاترمادول...الخ.
لذا أصبحت قضية التشغيل وخلق فرص العمل من القضايا التي تحتاج البحث فيها والعمل عليها وفق خطط وبرامج متكاملة، يتشارك فيها كل مكونات المجتمع كشركاء متضامنين جادين بضرورة إيجاد حلول موضوعية وسياسات تساهم في معالجة ومواجهة هذه المشكلة، فلا نريد هنا أن نحمل جهة المسئولية كاملة، بل نتحمل جميعا هذه المسئولية مع تفاوت بين الجميع في مساحة العمل والصلاحيات، من هذا الباب نري ضرورة لوضع خطة تدّخل متكاملة من الجميع تعمل على مواجهة هذه الاشكاليات، وتساهم في ايجاد السبل المناسبة لخلق فرصة عمل لكل شخص قادر عليه، وفتح المجال أمامه لاستخدام قدراته، ومنحه فرصة للإبداع والعطاء في بناء المجتمع والتنمية، وهناك عدة خطوات للعمل الجماعي يُبنى عليها تتلخص في التالي:
- حصر كافة البيانات والمعلومات عن العمال والخريجين، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات الكترونية (بنك معلومات) تتضمن البيانات الاساسية حول تخصصاتهم ومهاراتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم، وحالتهم الاجتماعية ..الخ.
- دراسة واقع سوق العمل الفلسطيني، وتحليل قدراته التشغيلية، ومدي مقدرته على استيعاب العمال والخريجين، وتحديد المجالات والقطاعات ذات القدرة على استيعابهم ويكون لديها الامكانية للتطور والنمو.
- تحديد بدائل من أسواق عمل عربية وأجنبية تحتاج عمالة، والعمل بجدية اتجاه ايجاد سبل للتعاون في التشغيل معها، وفق أسس تحمي الحقوق والكرامة بما يساعد في خلق فرص عمل وأسواق جديدة .
- إعادة النظر، وتقييم وتقويم سياسات التعليم العالي والتدريب المهني بشكل منهجي، لتناسب احتياجات سوق العمل وفق التطورات والمتغيرات الاقتصادية والصناعية، لإنتاج مهارات جديدة تناسب حاجة العمل ومجالاته.
- بحث إمكانية اقامة مناطق صناعية في أنحاء الوطن يسهل الوصول إليها من كل انحاء الوطن، وتطوير قانون الاستثمار بما يساهم في توفير بيئة مناسبة لاستقطاب رؤوس الاموال.
- ملاحقة (اسرائيل) وتحميلها مسؤولية تشغيل العمال داخل الخط الاخضر، وذلك وفق الاتفاق السياسي الموقع والزامها بواجباتها كسلطة احتلال، مازالت تمارس تسلطها ضد شعبنا، لتكون جزء من حل قضية ومشكلة العاطلين عن العمل، فهم ضحية سياساتها على المعابر وحصارها للوطن المستمر وتبعيتها اقتصاديا.
- دراسة كل البرامج الاقراضية للمشاريع الصغيرة والتنموية التي تستهدف الشباب، والاسر الفقيرة وإعادة النظر في أدائها على قاعدة الاولوية للمبادرات الشبابية التنموية الخلاقة التي يمكن الاعتماد عليها لتدر دخل، وتساهم في خلق فرص عمل .
- أعادة النظر في كل برامج تشغيل على بند البطالة المؤقتة- فقد أصبحت استهلاكية- وهذا يحتاج لخطط متكاملة للاستفادة من هذه البرامج بشكل تنموي، بما يضمن لها صفة الاستمرارية والديمومة .
- ضرورة ايجاد سبل للتعاون والتشارك مع وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، لتقييم برامجها في تشغيل البطالة، ووضعها ضمن خطة وطنية متكاملة ذات بعد تنموي.
هذه الخطوات التمهيدية يمكن العمل عليها بآليات منظمة، وخطط تفصيلية من خلال الجهات ذات العلاقة وهم الشركاء الاجتماعيين، وبالإمكان أن يبدأ العمل من خلال حملة تنموية تضم كل مؤسسات المجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين تقوم على أساس الشراكة الحقيقية في العمل والمشاركة في توفير فرصة عمل على الاقل لكل أسرة قادرة عليه.
أخيرا إن الواقع الفلسطيني له خصوصيته وظروفه التي تتأثر بالكثير من المتغيرات والاحداث المتسارعة؛ ولكن ما يميزه أنه يمتلك شعب لديه القدرات الابداعية والمهارات والإرادة للتحدي، والايمان بحقه بالعيش الكريم وبعدالة قضيته، وهذا يؤهله لتحقيق النجاح وإنجاز أي خطط وبرامج تنموية، يستطيع من خلالها أن يواجه أي تحديات ومعوقات؛ وما ينقصه سوى التوجيه والرعاية من قبل المتخصصين من أهل العلاقة، فهم بمثابة القائد الذي نحتاجه في هذه المرحلة، وشرط أن يكون صادق بتوجهاته في العمل من واقع مسئوليته لتحقيق الهدف المنشود.

• بقلم / د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين