شفرة اتفاق القاهرة

بقلم: أسامه الفرا

لم تعد اللقاءات المتعلقة بالمصالحة تستحوذ على الحد الأدنى من إهتمام المواطن، فلا اللقاء المقرر أن يجمع عزام الأحمد مع موسى أبو مرزوق في العاصمة المصرية "القاهرة"، ولا زيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى قطاع غزة، يمكن لأي منهما أن يفضي إلى إختراق جدي في إنهاء ملف الانقسام، فمثل هذه اللقاءات الموسمية تصلح لإلتقاط الصور وبث البشريات التي أصيب مجتمعنا الفلسطيني بتخمة منها، الحقيقة أن مثل هذه اللقاءات لا تجلب سوى المزيد من التلبك الفكري، وتوسع من دائرة قناعة المواطن بعجز قياداته عن إنهاء هذا الملف الذي يتفق الجميع على أنه اساء كثيراً للقضية الفلسطينية وألحق بها ضرراً لا يمكن لأحد إنكاره أو التقليل من انعكساساته السلبية.

عزام الأحمد، مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، تعرض لإنتقادات عدة، حيث وصفته حركة حماس بالمراوغ والمخادع، فيما حمله القيادي في الجبهة الشعبية "رباح مهنا" المسؤولية عن إعاقة وصول وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى غزة، والأهم ما جاء على لسان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "توفيق الطيراوي" حين دعاه لتقديم إستقالته من ملف المصالحة، الحقيقة أن الفشل المتكرر في ملف المصالحة يعود إلى المنهجية والآلية المتبعة منذ سنوات في التعاطي معه، حيث أن الانقسام بتعقيداته وإفرازاته المتشعبة لا يمكن حلها بلقاء عابر والاتفاق على بنود عامة يتطلب تنفيذها الغوص في تفاصيلها وخلق الحلول لتعقيداتها.

اتفاق الشاطيء الأخير خرج بجملة واحدة "انه تم الاتفاق على تنفيذ اتفاق القاهرة"، وكأن إتفاق القاهرة هو الفانوس السحري الذي يمتلك القدرة الخرافية على تحقيق رغبات الجميع دون عناء، ومع تعثر المصالحة في خطواتها الأولى بعد إتفاق الشاطيء سارعت الأطراف كل من جانبها بالدعوة لقراءة إتفاق القاهرة من جديد، على إعتبار أن كل منها يملك شفرة إتفاق القاهرة، على الرغم من أن الجميع يعرف جياً أن اتفاق القاهرة وضع الخطوط العريضة لإنهاء الإنقسام دون الخوض في التفاصيل.

المصالحة تتعثر اليوم في ملف موظفي غزة وتمكين حكومة التوافق من ممارسة عملها، والواضح أن كل منهما يرتبط بالآخر، والمؤكد أن خروج المصالحة من هذه الدائرة لن يأتي بتصريح تفاؤلي عقب لقاء عابر، بل يتطلب عمل جاد ومتواصل يلامس المشكلة بابعادها المختلفة، وأعتقد أن تكليف الحكومة بمهمة دمج مؤسسات السلطة الوطنية هو بمثابة ذر للرماد في العيون، حيث أن دمج مؤسسات السلطة يحتاج لتوافق على المباديء التفصيلية بين حركتي فتح وحماس قبل أن تشرع الحكومة في التنفيذ.

ليس فقط نحن بحاجة إلى الإرادة في إنهاء الانقسام التي ما نزال نفتقد الكثير من أدبياتها، بل نحن بحاجة أيضاً لاعتماد منهجية عمل لمعالجة تداعيات الانقسام، وهذا لن يتأتى بلقاءات موسمية فردية كانت أم جماعية، بل نحن بحاجة إلى عمل جماعي متواصل يتابع بشكل يومي ملفات الانقسام المختلفة، ودون أن نجد الحلول الواضحة المتفق عليها ونعكف على تطبيقها، ستبقى المصالحة تراوح مكانها بين مد وجذر دون أن تصل بمجتمعنا إلى المحطة التي ينشدها، بعد سنوات من المراوحة في ذات المكان بات علينا أن نعي أن نظام المقاولة لم يعد يجدي نفعاً.

بقلم/ أسامة الفرا