قد يتحول المطلب السابق لحراك الجنوب اليمني، والداعي إلى انفصال الجنوب اليمني عن شماله، أو على اقل تقدير لإقامة كونفدرالية يمنية بين شماله وجنوبه اللذين كانا يشكلان دولتين مختلفتين في نظامها السياسي أو بمعنى أدق في توجهاتهما الأيديولوجية/ الفكرية، حين اعتنق جنوب اليمن في عهد حزبه الاشتراكي الفكر الاشتراكي وكان حليفاً للمعسكر الاشتراكي الدولي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، فيما كان نظام الشمال نظاماً جمهورياً/ قومياً، إلى أن تم التوحيد والدمج قبل ربع قرن.
نقول قد يتحول مطلب الحراك الجنوبي إلى هدف يتحقق بفعل دعم إقليمي وحتى دولي، بعد أن سيطر الحوثي المدعوم من إيران ورأس النظام السابق علي عبد الله صالح، والذي يتشح بالوشاح الطائفي، معتمدا على أغلبية زيدية، قريبة من الطائفة الشيعية، تقيم في مناطق الشمال اليمني، ويمكن التثبت من ذلك بمتابعة الدعوة لإقامة العاصمة اليمنية في عدن، رداً على سيطرة الحوثيين على صنعاء، وإسقاط النظام السياسي الذي توافقت عليه الأحزاب والقوى السياسية الداخلية، استناداً للمبادرة الخليجية، التي فرضت على الرئيس السابق التنحي عن الحكم، بعد الثورة الشعبية التي جاءت ضمن سياق ما سمّي بالربيع العربي.
لا بد من الإشارة، أولاً، إلى أن اليمن مثل نموذجاً متعثراً من نماذج الربيع العربي، وهو جاء أقرب إلى النموذج السوري، رغم انه كان أخف وطأة فيما يخص الاقتتال الداخلي، ولكن حيث انه يمكن تصنيف الدول الست التي تعرضت حتى الآن للتغير، منذ نحو أكثر من عقد من الزمان، معتبرين العراق أول هذه النماذج، إلى ثلاثة أشكال، كانت تونس ومصر تمثل نموذجاً، حيث تم التغيير بشكل سلمي _ تقريباً، ولم يتم قتل الرئيسين السابقين، ولكن تم نفي احدهما بهروبه والآخر بعزله تماماً من خلال إخضاعه لمحاكمات متواصلة، صحيح أنها لم تدنه أو تحكم عليه بالإعدام أو المؤبد، لكنها عزلته تماماً عن السلطة والنفوذ السياسي، النموذج الثاني كان في العراق وليبيا حيث النفط، وتشابه رأسي النظام السابق، اللذين تم قتلهما بعد تدخل عسكري وسياسي أميركي/ غربي واضح وسافر، فيما كانت سورية واليمن النموذج الثالث الذي لم يتم إسقاط رأسي النظام السابقين تماماً، وقد اتضح أن علي عبد الله صالح، وإن كان قد تنحى، إلا أن بقاءه في اليمن، دون محاكمته أو توقيفه أو حبسه، لم يحل دون أن يلعب من وراء الكواليس، فيكون عاملا من عوامل إسقاط نظام التوافق الداخلي/ الإقليمي.
وفي نموذج اليمن كما في سورية، أدى التدخل الإقليمي إلى تطور الصراع لسياقات طائفية، ولم تخف إيران فرحتها ولا دعمها للحوثي، فكان من قال إن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي تسقط في قبضة الشيعة، بعد دمشق، بغداد، بيروت، ولا شك أن إسقاط نظام عبد ربه هادي منصور، وما مثلّه الانقلاب الحوثي العسكري باحتلاله صنعاء، يعتبر حدثا بالغ الخطورة، ويعتبر احد مفاصل وجهة ما ستكون عليه منطقة الشرق الأوسط برمتها، بعد أن بدأ بفتح دولها المركزية من الداخل، والبدء بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بما سيختلف حتما عما كان عليه بعد سايكس/ بيكو.
سارعت مصر والسعودية للحفاظ على مصالحهما القومية بتشكيل قوة لمنع الحوثي من السيطرة على باب المندب، والذي يتحكم بقناة السويس التي تعتبر ثاني أهم مرفق حيوي للدولة المصرية بعد نهر النيل، أي أن سيطرة حوثية على باب المندب لا تقل خطورة على مصر من سد النهضة الإثيوبي أو أنها تماثله في تهديدها لمستقبل الدولة المصرية.
ولأنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن يعترف النظام الإقليمي بنظام الحوثي، بعد تشكيله للمجلس الرئاسي الخاضع لما يسمى بقيادة الثورة الحوثية، وما سيواجه العرب والعالم فيما يخص مقعد اليمن الذي يشكل السنة فيه نحو 80%، إن كان في الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي أو حتى الأمم المتحدة، فإن كل ذلك يرجح أن يتم التعامل مع عدن باعتبارها عاصمة اليمن إلى حين أن يتم حل المسألة اليمنية التي لم تعد شأناً داخلياً وحسب، أو إلى أن يتم الاعتراف بالأمر الواقع، أي بدولتين يمنيتين شمالية وجنوبية، أي بإعادة تقسيم اليمن ولكن على أساس طائفي هذه المرة وليس على أساس أيديولوجي ارتباطاً بالحرب الباردة كما كانت الحال في السابق قبل توحيد اليمن.
مع ذلك، يمكن الذهاب لحل أفضل، يكون من شأنه عدم الخضوع لمشيئة أميركا والغرب، وهو أن يتم التوافق الإقليمي بين العرب وإيران وتركيا، على، أولاً أن يتم حل المشاكل الداخلية في كل الدول العربية وحتى إيران وتركيا على أساس من التوافق بين القوميات الثلاث، وقبل ذلك من المفيد للغاية «توحد العرب» حتى لو في إطار قوة عربية مشتركة تعزز من الدور العربي في حل كل المشكلات الداخلية، بما في ذلك مواجهة الإرهاب والتطرف، ويقيناً لو أن العرب ذهبوا لمواجهة «داعش» مع العراق وسوريا دون أميركا والغرب لاختلف الأمر كثيراً، وهكذا يمكن تعزيز وجهة إقامة أنظمة على أساس المواطنة لمواجهة مخاطر إقامة الدول الطائفية، ذلك ان الخطر لن يقتصر على الدول العربية، فكل من إيران وتركيا متعددة الأعراق والطوائف، ويمكن من خلال التوافق الإقليمي دون التدخل الدولي حل مشكلات سورية واليمن والعراق وكذلك مشاكل الحدود والمياه والنفط.