جلست اشرب القهوة على طاولة في المقهى، افكر بما نحن فيه ، وافكر بآلم ما يجري في المنطقة ، واين اصبحت فلسطين ، افكر عندما انتميت للثورة في مرحلة النهوض القومي ، افكر بما قاله الرئيس جمال عبد الناصر ، افكر كيف اصبحت الثورة الفلسطينية اليوم بعد استشهاد قادة ومناضلين عمالقة ،هل نحن فعلا في مرحلة تحرر وطني ، الارهاب التكفيري المغطى بالاسلام والذي هو صنيعة الامبريالية والصهيونيه والرجعية يقتل الشعوب ويفتك بألة ارهاب لم يشهدها تاريخ الجاهليه ، فدماء الشهداء الذين عبروا باب الشمس بدمائهم للحرية ، الانسان والوجع اليومي تعب الحياة، لأن الحياة الحرة في ظل العدالة والمساواة مفقودة .
وهنا السؤال مع منا اتبادل الحديث والآراء، وانا ارى ان النقاش حول اي شيئ اصبح عائق بمفهوم البعض ، خاصة اذا كنت اتحدث من وجع اراه نتيجة الممارسات والشوائب التي ترسبت من فساد ومحسوبية من قبل بعض من يريدون محو التاريخ ، فسألني ابني سؤال لماذا انت غير قادر على تعليمي ، فقلت له انا لا يمكن ان اعمل لك شيئ سوى ان اقترض ، لان البعض يريد القضاء على اي حلم لنا كما يريدون القضاء على آمال وطموحات الكثير من المناضلين .
أيام زمان كان المناضل يفتخر بنفسه امام الناس اما اليوم المناضل اصبح اسما على مسمى ، فالمناضل الحقيقي يدفع الثمن ، بينما اصحاب الامتيازات هم المناضلين ، لانهم يلبسون افضل لباس ويركبون افضل السيارات ، ولكن عندما تشرب فنجان قهوة وعلى شاطئ البحر ،ربما تبحث من خلاله عن رغبة بالعودة الى تاريخ جميل ، فهناك ذكريات لكتاب وصحفيين زينت صورهم تلك الجلسة في مقهى على شاطئ البحر ، فعلى هذه الطاولة نكتب ما يحلو لنا في زمن يبتعد اصحاب الامتيازات عن الكتابة ، ولكن قلم يجرف المرء بسهولة نحو شطآن سطوره وكلماته، فيجد نفسه شغوفا بهذه الكتابة لأن قضية فلسطين المتأججة ، دوماً ما تحتل موقعاً فريدا لدى اي مناضل لكونها قضية شعب يبحث عن حقوقه، فالسلاح الذي نتملكه اليوم هو القلم، لذلك حين أحس بالاختناق اختار الخروج إلى المقهى، كي اكتب موقفا سياسيا واضحا وحادا المتمثل بالإصرار على الحق الفلسطينى من دون مساومة، ومن اجل التصدي لمظاهر تعبير عن اليأس الذي نعيشه ، حيث بالكتابه التي هي مصدر الثراء والتعبير عن إنسانية مميزة.
هكذا نجد أنفسنا في رحاب واقع مأساوي يسألك البعض شو كاتب على الفيس بوك ،او شو هذا المقال ، دون ان يدركوا اصحابي انني اعيش في واقع مؤلم لم اعد ارى الا القلم ليعبر عنه لاننا نحن بشر من لحم ودم، فهم يريدون ان نصفق ونفرح لما نراه ، ونحن نقول لهم مسيرة الإبداع الفلسطينى والمقاومة والنضال من أجل الحرية لم تنته بعد.
يا ساداتنا فقط ولمرة أين أنتم عندما نال منا الوجع، وعطش الطريق ، وجوع الوقت الذي كان يداهمنا عندما حملنا بيارق الثورة فلقد أردت أن تحظى باقاتي اليومية ، لاصحاب الامتيازات ، هؤلاء السادة الذين لا يأكلون مما نأكل ، و لا يشربون بما نشرب ، يلبسون ما لا نلبس ، و ينامون حيث يصعب علينا النوم ، إذ إستوطننا الأرق ، ونامت الهموم فوق جفوننا ، لعلكم كما نحن تماما ننتظر بلفهة حتى تسقط علينا صرافات البنك الآليه بخرافات الديون التي توالت علينا.
ونحن نخوض مراراً تضحيات و نبذل كل ما لدينا حتى تبقى راية الثورة موجودة في ضمير من يحملون الامانة من الاجيال الشابه ، وهنا نستعيد شريط الذكريات، لأستذكر عشرات السنين التي قضيتها إلى جانب رفاق قادة مناضلين تعرفت عليها في مسيرة النضال وفي مقدمتهم الامناء العامون طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب والقائد سعيد اليوسف وغيرهم القادة والمناضلين في مسيرتهم النضالية الشاقة والمعقدة.
استذكر المراحل العظيمة كيف كانوا وكيف يحمون الجبهة ومناضليها ويسيرون بها الى بر الامان ، بكل قوة وعنفوان في مواجهة التحديات والتجارب الصعبة كافة، بمعنويات عالية لم تهزها العواصف ولا الأعاصير السياسية، هذه مسيرة تاريخية بكل ما حملته من انتصارات وإخفاقات ودروس وعبر، لكنها كانت مفعمة بالأمل والإيمان والتحدي والتصميم على مواصلة الكفاح، لاستعادة الأرض المغتصبة من براثن العدو الصهيوني.
نعم أتحدث عن الجانب الإنساني لهولاء القادة ، التي اول ما تعرفت عليهم بمعارك الفنادق ، وبعدها في جبال صنين وعينطورة وبعدها في كل المعارك والمواقع النضاليه ، كانوا يؤمنون بأن هذه الجبهة عائلة واحدة ينصهر مناضلوها وقادتها في أتون الأحداث والمعارك الملتهبة، فرغم مشاغلهم وهمومهم، أتذكر عند استشهد اخواتي ، كيف انترع الشهيد القائد الامين العام ابو العباس الوقت كما رفيقه القائد الشهيد طلعت يعقوب ، للجلوس معنا والتحدث إلينا والاستماع إلى مشاكلنا، وكنّا نبادله نفس المشاعر الجياشة والمتأججة، كانوا يمثلون لنا حالة من النقاء الإنساني والثوري النادر.
في تلك المرحلة من عمرنا، كنت أدرك تماماً اننا فعلا في مرحلة نضال حقيقي ، عندما ترى الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس وشهيد الاستقلال طلعت يعقوب وحكيم الثورة جورج حبش وغيرهم من القادة يأتون الى المخيمات لزيارتها ويطلعون على اوضاع الناس كنت تشعر بان هناك ثورة ، وعندما كنا نزور في اللجنة الشعبيه لمخيم البرج الشمالي مقر اللجنة السياسية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت للقاء مع الاخ توفيق الصفدي ونلتقي الرئيس الشهيد ابو عمار ليستمع منا لمطالب المخيم وكنت اصغر الاعضاء سنا ، كنت اتفائل بالنضال والثورة ، هكذا بدأت رحلتي النضالية ،وعندما خطف اخي وفقد مصيره كان الشهيد القائد ابو العباس يطمئن الى اسرته ، فنحن اليوم احوج ما نكون الى مثل هؤلاء القادة حتى يشاركوا المناضلين قسوة الحياة وشظف العيش، فهذه قيمة معنوية كبيرة تغنيني عن كل ما افتقدناه من ترف الحياة، رغم ما تعرضت له من اذى واساءة من قبل البعض .
نحن نعلم أبنائنا يا ساداتنا كيف الانسان يحافظ على كرامته ، وانا من تعلم من الثورة عندما انتميت لها كيف يصبح الانسان سياسي ، كنا نشتري ونقرأ الصحف الورقية جرعة معرفية وإخبارية وعقلية، فهي بالنسبة له غذاء مثل أي شيء آخر، كونها جزءا مهما في حياتنا ، فلا يمكن للشخص التخلي عن القراءة لانها جزاء من حياة الانسان وجزء من التطور ومواكبة العصر.
مع نسيم الصباح و ضجيج المارة من امام باب منزلي، اتناول فنجان قهوة، بدون ان ارى المناظر واشكال الجبال وسحر الطبيعة ، فشاءت الاقدار ان تحط رحالي في مخيمات البؤس والحرمان واعيش مع شعبي، فالمخيم بالنسبة لي هو تلك الوردة التي اخرف الخريف اشواكها و اذبل اوراقها، فاصبحت الان تنبث ورود جديدة ، لا يستطيع المرء أن يكون متأكدا من أن هنالك شيئا يعيش من أجله إلا إذا كان مستعدا للموت في سبيله، لذلك فنحن تربينا أن نكون مناضلون مؤمنين بالفكر الديمقراطي الثوري، لانه لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها.
نحن نعي ما معنى أن نخلق تواصل بين الأجيال وأن نخلق تدافع إيجابي في حمل الراية بين جيل وجيل، نحن لدينا جيل جديد بجب ان يضخ في عروقه مفاهيم الثورة كي تستمر وكي تنتصر.
ختاما: لا بد من القول هل هناك أمتع من سيجارة مع فنحان قهوة يعطيني قوة العزيمة والإرادة ، ولا بد من الانتصار لمشروع المقاومة والمواجهة، دولا وأحزابا وحركات، وعلينا ان نكون مع ملحمة فلسطين الحمراء مابرحت فصولها حتى تبقى دماء الشهداء شارة وعلامة، وغداً حين تنجلي العاصفة عن وطن أبى رغم الجراح الانحناء، ويغمر نور الشمس ربوعه مبددا ظلام من أرادوه مرتعا لأفكارهم السوداء، ومتنفسا لحقدهم الدفين، وموئلا لأضغاث أحلامهم المريضة، حينئذ ستزهر بذورنضالنا أزاهير أدب وعلم وفن معمدة بذكرى الألم والمعاناة، وستتفجر ارادة الشعب الفلسطيني والشعوب العربيه وقواها الثورية إبداعاً حقيقياً مطعما بمرارة التجربة وحلاوة الخلاص، إبداعا مكللا بأكاليل الغار والياسمين والريحان، إبداعا ما أحوج فلسطين إليه في رحلة العبور الشاقة نحو الحرية والاستقلال والعودة والنصر المتجدد.
بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي